أي نظام للإدعاء العام يناسبنا
بقلم : د. وهاب عبد الرزاق الجبوري
العودة الى صفحة المقالات

حاول النظام الدكتاتوري خداع الشعب العراقي من خلال النصوص الدستورية و القانونية والوثائق الحزبية والشعارات والخطب مدعيا استقلالية القضاء. إلا أن الممارسة العملية و وقائع المحكمة الجنائية العراقية العليا أثبتت أن القضاء في النظام السابق ليس فقط غير مستقل، بل جهاز  قسري يقوده أناس بعيدون عن المفاهيم الإنسانية  ولائحة حقوق الإنسان  وبعضهم  يجهلون الأسس الأولية  القانونية و يُسيرون بمزاجية رأس النظام .                                                               
إن مثل هكذا نظام قضائي تربى وترعرع لمدة أكثر من ثلاثة عقود في ظل نظام شوفيني دكتاتوري، وبعد أن  أصابه التشويه في هيكليته ونفسيات كوادره  وأسلوب وطريقة التعامل . فانه يحتاج إلى تغيير جذري  وإيلاء اهتمام استثنائي  بجهاز الادعاء العام لكونه احد المؤسسات الرئيسية في بناء دولة القانون وتثبيت أركان النظام الديمقراطي .                                                   
  انطلاقا مما ذكر أعلاه أضع هذا الموضوع( بشديد الاختصار) أمام  ذوي الاختصاص و أصحاب الخبرة لدراسة أمر وضع نظام جديد للإدعاء العام العراقي  يتناسب مع ظروف العراق، لان تحقيق قضاء عراقي  مستقل و صارم  يمكن من خلاله ضمان الحقوق والحريات للمواطنين بجميع انتماءاتهم القومية  والدينية والطائفية والفكرية والسياسية وتحقيق الأمن والقضاء على الإجرام.                                               
  مقترح نظام للادعاء العام العراقي
  الادعاء العام هو جهاز دولة  تتلخص وظيفته الأساسية  في الرقابة على التنفيذ الدقيق للقوانين والتقيد الصارم بها. وتنعت هذه الرقابة في بعض البلدان-  بالرقابة العليا – لأنها تسري على كل هيئات الدولة:  المنظمات الاجتماعية والمجتمع المدني و المسؤولين و المواطنين . و أيضا هو جهاز ضمن واجباته عادة  متابعة  الأشخاص الخارجين عن القانون والدفاع عن الحق العام  في المحاكمات، وغالبا في الرقابة على قانونية التحقيقات مع الأفراد المعتقلين وعلى أمكنة اعتقالهم وغيرها من الواجبات .                           
تتواجد في دول العالم الكثير من الأنظمة تنظم  عمل الادعاء العام ، فأي الأنظمة يناسب بناء عراقنا الجديد؟
  يمكن حصر أنظمة الادعاء العام المعمول بها في العالم – تقريبا - إلى أربع مجاميع :
    المجموعة الأولى : الدول التي تضع الادعاء العام ضمن إطار وزارة العدل مثل سوريا و الولايات المتحدة الأمريكية والمانيا وفرنسا و اليابان و بولونيا  و غيرها . أما في الولايات المتحدة و بولونيا فيعتبر وزير العدل مدعيا عاما للدولة و يخضع له جميع ممثلي الادعاء العام . إلى جانب  ما ذكر و بشكل متواز، فقد أنشئت في الولايات المتحدة عام  1978 مؤسسة المدعين العامين المستقلين ، يعينون من قبل الكونغرس الأمريكي وغير خاضعين لوزير العدل . ويعمل المدعون العامون المستقلون بالاستناد إلى  (قانون الآداب الخاص بالمستخدمين الحكوميين ) ويتناولون قضايا المسؤولين الكبار في دولة الولايات المتحدة .  و في فرنسا  يكون الادعاء العام  تحت قيادة  و رقابة ارفع القيادات مقاما في الدولة ويخضع مباشرة إلى وزارة العدل .  أما في اليابان  فان للادعاء العام الياباني اهتماما خاصا رسميا  و شعبيا و له صلاحيات واسعة  في  المتابعة  والمرافعة القضائية. أما الرقابة عليه ، فهناك الرقابة القضائية و الوزارية وأيضا الرقابة الشعبية ، وتتم هذه الرقابة من قبل لجنة متواجدة في كل دائرة انتخابية ، و يختار أعضاؤها من بين الناخبين بالقرعة .                                                               
نلاحظ أن في تلك الدول يكون جهاز الادعاء العام تابعا للوزارة أي إلى السلطة التنفيذية و هذا يتعارض مع مبدأ فصل السلطات (احد المبادئ الدستورية في هذه البلدان) و مبدأ الاستقلالية للدعاء العام.             
المجموعة الثانية : الدول التي تضع الادعاء العام ضمن هيكلية القضاء مع استقلالية وظيفته، و منها اسبانيا و ايطاليا . في اسبانيا يقوم الادعاء العام بقيادة المدعي العام للدولة، ويعين من قبل الملك بمقترح من الحكومة بعد استماعها لرأي رئيس مجلس السلطة القضائية ، و يعد المدعي العام في اسبانيا الشخص الثاني بعد رئيس المحكمة العليا. و المدعي العام هنا يقع تحت سلطة الملك والحكومة ورئيس مجلس السلطة القضائية، أي يعني غياب استقلالية الرقابة و تعارضه مع مبدأ فصل السلطات.                         
المجموعة الثالثة : الدول التي تضع الادعاء العام في استقلالية تامة هي روسيا والصين و سلوفاكيا وغيرهم من الدول.  تؤكد دساتيرها و قوانينها التي تنظم عمل الادعاء العام على أن هيكل هذا الجهاز مرتبط بالبرلمان، والمهمة الرئيسية لأجهزة الادعاء العام في متابعة إحلال الشرعية  في الدولة والتقيد الصارم  بها. المواد 143  -  146 من  دستور جمهورية الصين الشعبية أكدت على أن  مهام  الادعاء العام :1) الرقابة على التنفيذ الجيد للقوانين من قبل أجهزة الدولة و المؤسسات والمنظمات الاجتماعية  والتعاونيات و الأفراد  2) الرقابة على عدم تعارض القرارات و الأوامر الصادرة من أجهزة الدولة مع الدستور والقوانين وإصدارات الرئيس والبرلمان.. وغيرها .  3) الدفاع عن السلطة والنظام  من أي تطاول وحماية ملكيات الدولة و الملكيات الاجتماعية والتعاونية  وكذلك الحقوق الدستورية و حياة و ملكيات المواطنين. و دستور الاتحاد السوفيتي" 1977" ذهب إلى أكثر من ذلك ، فالمادة 113 عززت حق الادعاء العام في المبادرة التشريعية إي تقديم مشاريع القوانين إلى المجلس السوفييت الأعلى ( البرلمان ).                   
  كما هو واضح أعلاه أن الادعاء العام يخضع فقط إلى البرلمان - إلى نواب الشعب فقط، و هذا يعني أن الرقابة من قبل الادعاء العام غير مقيدة من أي مؤسسة باستثناء نصوص الدستور.
Attorney General المجموعة الرابعة : في بريطانيا لا يوجد جهاز للادعاء العام . بل يوجد المستشار القانوني العام الذي يقدم المشورة و النصائح القانونية للحكومة و يدافع عن حقوق الأفراد. وفي بعض الأحيان يظهر ممثلو المستشار القانوني العام في المحاكم بصفة المتهِم ( بكسر الهاء ) إي بدور المدعي العام في القضايا المهمة المتعلقة بالأفراد. أما المهام الأخرى فالشرطة (البوليس ) تقوم بالتحقيقات الجنائية، أما الرقابة على تنفيذ القوانين  فمتروكة  للسلطتين :-  البرلمان و الحكومة . إن في حالة مثل هكذا نظام معقد (القضاء البريطاني) لا اعتقد  أن أحدا يتمناه خاصة وان البريطانيين بدأوا يفكرون في إصلاحه .                                                               
في رأيي، أن ما يناسب وضعنا من الأنظمة الأربع المذكورة أعلاه هو النظام الساري في دول المجموعة الثالثة التي تضع الادعاء العام في استقلالية تامة. وهذا يتناسب مع مبدأ فصل السلطات و مبدأ استقلالية القضاء و مبدأ القيادة الجماعية للدولة و مبدأ الصرامة في تنفيذ القوانين والتي نحتاج لها الآن بشكل  ملح، ففي هذه المجموعة يحق للمدعي العام أن يوقف أي وثيقة قانونية تصدر من المجالس المحلية أو من السلطة التنفيذية المحلية إذا تناقضت مع الشرعية. أما هيكلية شبكة الادعاء العام فتكون باختصار على الشكل التالي:                                                           
  المدعي العام( الأول) لعموم العراق أو تسميته ( مدعي عام الجمهورية) يُعين ويُنحّى من قبل البرلمان العراقي فقط، وهو مسؤول أمامه وخاضع للمحاسبة من  قبله، وبدوره  يقوم المدعي العام الأول وباستشارة المجلس الإداري المحلي المعني، بتعيين المدعين العامين في الأقاليم و المحافظات وغيرهم . إن هيئات الادعاء العام تقوم بتنفيذ صلاحياتها بصورة مستقلة عن أية سلطة ولا تخضع إلا لسلطة المدعي العام الأعلى حسب التدرج ( على سبيل المثال : الناحية والقضاء و المحافظة والمدعي العام لعموم العراق) .             
مهام الادعاء العام : أن مهام الادعاء العام هي: الرقابة العليا على  تنفيذ  القوانين بدقة وبشكل واحد  من  قبل  جميع الوزارات والمؤسسات والدوائر و جميع الجامعات والمعاهد والمدارس ورياض الأطفال والهيئات التنفيذية والإدارية  للمجالس المحلية لنواب الشعب و المنظمات الاجتماعية  ومنظمات المجتمع المدني  وكذلك  من قبل المواطنين والشركات . وينظر المدعي العام في شكاوي المواطنين  وهيئات الدولة و المنظمات الجماهيرية . و مدة صلاحيات المدعي العام الأول و المدعين العامين الأدنى منه تكون  1- إما متساوية مع مدة صلاحية البرلمان ( مثلا 4 أعوام) شرط أن تنتهي صلاحية المدعي العام بعد عملية انتخاب نواب البرلمان الجدد.  ليتسنى  له إقرار شرعية  انتخابهم .  2- ممكن أن تكون المدة أكثر من فترة البرلمان ( مثلا سبعة أعوام).                                                         
أن موضوعة اختيار نظام الدعاء المناسب لبلدنا تحتاج إلى مزيد من النقاشات و البحث، وآمل من هذه المعالجة أن تكون فاتحة لمساهمات وتدخلات من قبل المختصين في الشؤون القانونية.     

  كتب بتأريخ :  الخميس 05-03-2009     عدد القراء :  3017       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced