في جدلية العلاقة بين العلمانية والديمقراطية
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

تزداد أهمية التعمق في فهم العلمانية، يوما بعد آخر، في ظروف الصراعات السياسية المحتدمة في بقاع كثيرة من العالم ، سيما وإن جملة من البلدان حققت فيها قوى الاسلام السياسي نتائج ايجابية على صعيد التربع على كراسي الحكم أو في الهيمنة الفكرية على الكثير من مفاصل الحياة الاجتماعية والثقافية ، بحيث تنتشر على خلفية ذلك  الكثير من المفاهيم التي بدت في لحظة من الزمن إنها قد ولت، أو غدت من تراث الماضي السحيق، إلا أن جملة من العوامل الموضوعية أدت في النهاية الى إستعادتها لمكانتها في عقول الكثير من الناس بما فيهم شريحة واسعة من المتعلمين والذين كان يعول عليهم الاشتراك أو قيادة عمليات التغيير التي تؤدي الى علمنة المجتمع. وفي خضم هذا الصراع تتعرض العلمانية الى تشويه في الفهم وربط غير دقيق بموضوعة الديمقراطية والتي صارت بدورها شعارا لقوى لم تكن تؤمن بها أو تتحاشى حتى التلفظ بها أو ببعض مفاهيمها في كل أدبياتها وعبر كل تاريخها، بل وإن بعضا من هذه القوى صارت تدعي، على خلفية ممارسات سطحية وديمقراطية ظاهرية ، تبنيها وإعتبار ما أنجزته هو كل العلمانية أو الفهم الصحيح للعلمنة .
وفي هذا الإطار تتجاذب العلمانية بين توجهين، يفضي كلاهما في الاخر الى تمييع فهمها ودورها في مساندة الديمقراطية وتطوير ممارساتها على مختلف الاصعدة . فهناك من يعتبر العلمانية غير قائمة إن لم تترافق مع ممارسات ديمقراطية تفضي بالضرورة الى عدم هيمنة أي فكر أو أيديولوجية على مقدرات السلطة والمجتمع ، وهم بذلك فقد اجتزأوا من العلمانية نصفا ، ولم يشملوا نصفها الاخر وهو الداعي الى تفعيل العلم ودوره في حياة المحتمع لأجل الإنتقال الى مراحل اُخرى تفضي في النهاية الى تبني الديمقراطية كنهج في إدارة الدولة والمجتمع . وفي هذا الاتجاه يستند دعاته الى تجربة الاتحاد السوفيتي السابق وبقية دول المنظومة الاشتراكية على إنها لم تكن علمانية بأي شكل، لأنها لم تكن تتبنى الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي واقتصارها على جانب الديمقراطية الاجتماعية فقط . إلا أنهم بهذا يغمطون الدور الذي لعبته تلك الدول في تطوير العلم  وجعله في متناول الجميع وقيامهم بعلمنة مجتمعاتهم بكل تفاصيله مبتدئين بدور العلم واعتمادها على اخر المبتكرات العلمية والبحثية وتوفيرها لعموم الطلبة الدارسين في المعاهد العلمية لتلك الدول بغض النظر عن جنسياتهم ، كما وإن دول المنظومة الاشتراكية نجحت في فصل الدين عن الدولة  ولم تكن الايدولوجية التي تبنتها في معزل عن التطور العلمي  أو هي بديل له ، لكن ما يعاب عليها في هذا الاطار هو غياب الديمقراطية السياسية والذي لم ينتقص من علمانية الدولة ومؤسساتها .
على الضفة الاخرى يقف التيار الاخر الذي يعتبر اعتماد الديمقراطية بأشكال ظاهرية مثل وجود البرلمانات وبعض من حرية الصحافة هو كل الديمقراطية وبالتالي فان العلمانية تكون قد تحققت كتحصيل حاصل بغض النظر عن طبيعة وفكر الجهة او الحزب السياسي الذي يدير دفة الحكم ، خاصة إن لم يكن في الدستور نص يشير الى علمانية الدولة، أو به بعض من المطاطية في تحديد المصادر الاساسية في التشريع، أو يشير إلى ما يؤسس لعدم علمانية الدولة، والخطورة هنا تكمن في أن قوى الاسلام السياسي اذا ماكانت هي الحاكمة ، فإن تأثيراتها المباشرة والتي تحد من التطور العلمي واللجوء الى أساليب اخرى في حل اشكاليات المجتمع المتعددة في الصحة والاقتصاد والسياسة وغيرها ، كإعتماد السحر والشعوذة والاتكال على مفاهيم غيبية في معالجة المشاكل الناجمة عن تطور وإزدياد أعداد السكان مثلا يؤدي في النتيجة الى إنحسار دور العلم وتكريس مفاهيم بالية وبالتالي يقود ذلك الى إنفراد هذه القوى في إدارة البلد سياسيا عن طريق تجهيل الناس وتكريس إعتمادهم على تلك القوى في حل المشكلات العالقة ،وهو يؤدي بالضرورة الى إنحسار دور الديمقراطية وتكريس أشكال جديدة من الدكتاتوريات تفضي في الاخر إلى العودة للوراء في كل شئ  . وهنا تبرز الحاجة الى تأكيد حقيقة هي إنه لا يمكن لديمقراطية ما أن تستتب وتستمر مالم تكن العلمانية إحدى ركائزها ، على أن يكون ذلك مثبتا في دستور الدولة بمادة واضحة المعالم لا تقبل اللبس ،  ذلك إن العلمانية تفضي في النتيجة الى وقوف الدولة ومؤسساتها موقفا محايدا إزاء كل الاديان والطوائف والاثنيات ، وحياد الدولة يشكل ركنا أساسيا في تحقيق مبدأ التكافوء الذي لا تقوم ديمقراطية صحيحة بدونه ، كما إن عزل الدين عن الدولة يعني في بعض من أشكاله الى إعتماد الطرق العلمية في قنونة المجتمع وإعتماد العلم في حل كل الاشكاليات التي ممكن أن تتوالد، حيث إن العلم حياديا دائما لايجامل مكونا على حساب آخر ولا أكثرية على حساب أقلية . وعليه فإن تأكيد تعريف العلمانية على أنها عزل الدين عن الدولة وليس المجتمع أو كما يذهب بعض العلمانيين العرب الى تخفيف ذلك باللجوء الى تنظيم العلاقة بين الدين والدولة وفي كلتا الحالتين تستكمل العلمانية تعريفها بضرورة تفعيل العلم واعتماده كمحور اساس في تطوير دور ومعاهد الدراسة لمختلف المراحل وجعل العلم هو الفاصل في حل كل النزاعات والاشكاليات الناجمة عن عملية التطور الطبيعي لأي مجتمع . وإذا ماتحقق ذلك فإن بناء الديمقراطية سيعتمد على إسس بحثية علمية تكفل إستمرارية وتطور أساليب وأشكال التطبيقات الصحيحة للديمقراطية ، ويعني هذا فيما يعنيه إن التطور اللاحق في المجتمع سيكون لصالح القوى التي تؤمن بحق بالديمقراطية، وتصون المنجزات المتحققة في هذا الاطار . من هنا تبرز اهمية تأكيد العلمانية كنهج في إدارة الدولة يؤمن لكل المكونات الدينية والطائفية والاثنية ممارسة حقوقها وشعائرها بالكامل ، دون المساس والتأثير السلبي بالاخرين .

  كتب بتأريخ :  الخميس 25-06-2009     عدد القراء :  2909       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced