يكافحون من أجل البقاء..عمالنا لايعلمون إن لهم عيداً
بقلم : إيناس طارق
العودة الى صفحة المقالات

تاريخ عيد العمال
حدد عمال أميركا الأول من أيار1886 موعداً للإضراب، وفي اليوم المحدد اشترك أكثر من ثلاثمئة وخمسين ألف عامل في الإضراب بمدينة شيكاغو، ورفع العمال شعاراً جاء فيه : ثماني ساعات عمل، ثماني ساعات نوم، ثماني ساعات راحة، وطافت التظاهرات شوارع مدينة شيكاغو وساحاتها مطالبة بتحسين شروط العمل وأحوال العمال، وقرروا أن يكون الأول من أيار يوم توقُّفٍ كاملٍ عن العمل، وقد منعت الشرطة التظاهرات، وجرت مضايقات قانونية للعمال المضربين .‏
هذه القصة جعلت مؤتمر العمال الفرنسيين المنعقد في بوردو عام 1888 يقرر اعتبار الأول من أيار عيداً للطبقة العاملة في فرنسا تضامناً مع عمال شيكاغو، وفي العام التالي أصدر اتحاد العمال الأمريكي قرارا مماثلاً لقرار النقابة الفرنسية ثم تلاه قرار ثالث لمنظمات الأممية الدولية الثانية للنقابات العمالية .‏‏ وصارت حركة العمال في أوروبا أقوى وأكثر حيويةً والتعبير الأكثر وضوحا لهذه الحركة في مؤتمر العمال العالمي الذي عقد في سنة 1890، وحضر المؤتمر أربعمئة مندوب، وكان فيه المطلب الأول أن يتألف يوم العمل من ثماني ساعات، وطالب مندوب النقابات الفرنسية أن يجري التعبير عن هذا المطلب في جميع البلدان، من خلال توقف شامل عن العمل، وأشار مندوب العمال الأميركيين إلى قرار رفاقه القيام بالإضراب في الأول من أيار 1890، فقرر المؤتمر اعتبار هذا التاريخ يوماً للاحتفال بعيد العمال العالمي .‏
ومنذ ذلك الحين أصبح الأول من أيار عيداً للطبقة العاملة في مختلف أنحاء العالم، وقد خرج العمال في الأول من أيار عام 1890 في شتى أنحاء الأرض إلى الشوارع في وقت واحد للتأكيد على تحالفهم مع ضحايا شيكاغو وللتعبير عن وحدتهم في سبيل تحقيق مطالبهم ونيل حقوقهم العادلة ومجابهة المستغلين أرباب العمل مهما كانت قوتهم.

معاناة متعددة الجوانب  تعانيها  الطبقة العمالية في العراق ،بسبب انفتاح الاستيراد، توقف المعامل عن الإنتاج اندثار المكائن ، اعتماد أصحاب المعامل الخاصة على العمالة الأجنبية ،كثرة البطالة وسوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية  فظاهرة البطالة من أخطر الظواهر الاقتصادية ذات الـتأثيرات الاجتماعية والأخلاقية غير محدودة النتائج إذ انها أصبحت معلومة الأسباب والتأثيرات بسبب غياب سياسات الخطط الستراتيجية أو بسبب حروب داخلية أو بفعل عوامل خارجية إضافة إلى سوء توزيع الثروات . كل ذلك أدى الى تقليص دور عمال العراق فكيف يحتفل العمال العراقيون نساءً ورجالا ؟
لا يعلمون عيدهم .
كيف يحتفل عمال العراق بعيدهم العالمي وهم يتركون محافظاتهم وعوائلهم من اجل إيجاد فرصة عمل ،يقول  ستار حسن الذي قدم مع  عدد كبير من شباب محافظات الشمال  تحديدا ويفضلون القدوم الى بغداد لان  فرص العمل في محافظاتهم تكاد تكون معدومة ، ستار متزوج ولديه ثلاثة  أطفال يعمل في بغداد منذ سنوات عديدة. وعلى الرغم من ذلك فانه لا يفضل الاستقرار فيها  ، ستار كان يعمل في الزراعة في منطقة الشرقاط لكن قلة الماء و انقطاع التيار الكهربائي  والدعم الحكومي للزراعة جعله يهجرها ويقدم الى العاصمة ويجلس كل يوم على المسطر مع العشرات من الشباب القادمين من عدة محافظات جنوبية وشمالية للعمل ،لوح بيده معلقا (أي عيد هذا ونحن نجلس على الرصيف )
في الجهة المقابلة من مسطر ساحة الطيران الذي يجلس عليه العشرات من العمال  بانتظار فرصة  عمل  نراهم يركضون كلما توقفت سيارة  قربهم و يتجمهرون قرب النافذة لعل الحظ يحالفهم ويختارهم صاحبها ، ومن لم يقع عليه الاختيار أو يحظى بفرصة عمل  يعود مخذولا مكسور الخاطر فهو يعيش على ما يجنيه من عمله اليومي ، وعرف العراقيون المسطر مكاناً يتجمع فيه طلاب العمل، وبمرور الوقت أضحى مكتباً للعمل يقصده الخريجون في مراحل تردي الأحوال الاقتصادية..
طبقات كادحة
وسام كاطع من سكنة منطقة الديوانية يعمل في مطعم المتوكل الذي يرتاده الكثير ممن قدم الى العاصمة ، كان يقدم الطعام لأحد الزبائن وابتسم عندما سمع ان (واحد أيار عيد العمال) ،قال انا عامل منذ عشر سنوات وعمري الآن 20 عاما قضيتها بالتنقل بين المحافظات والنوم في صالة المطعم بعد ان يغلق أبوابه .قليل ما اذهب الى أسرتي في محافظة الديوانية واغلب الأوقات أرسل المال لعائلتي المكونة من والدي الطاعن تعب اخر العمر بالسن ووالدتي وأخواتي البنات وأخي الصغير الذي يعمل في سوق الديوانية، يبيع علب الكلينكس وقناني الماء.
نساء عاملات مظلومات
أما في منطقة الحسينية التي تقع في أطراف العاصمة بغداد ، حيث توجد  معامل لصهر الفافون المعاد، النساء يعملن بصمت، يحملن قوالب الفافون على أكتافهن لساعات طويلة ذهابا وإيابا في محاولة منهن لإيصال الحمولة إلى (كورة) النار، أم حميد  أرملة وأم لطفلين دفعها الفقر وسوء الحال وفقدان زوجها إلى العمل لتحصيل لقمة العيش، تشير إلى أن العمل شاق جداً وينهك قواها الجسدية ، حالها كحال باقي نساء وفتيات لا يوجد من يعيلهن في الحياة ،تتمنى ان تحظى بدعم الحكومة لإقامة مشروع صغير يبعد عنها الخطر والخوف من فقدان حياتها وترك أطفالها ،وهي تسمع عن وجود قروض من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، لكن لم تحصل على أي شيء غير الوعود ، أما أم ساطع تقول  وهي امرأة خمسينية أن :عملها يتوزع ما بين دفع  العربات  لمسافات طويلة سيراً على الأقدام وبين تفريغها حمولة الفافون الذي تجمعه من المحال . وهي غير راضية عن هذا العمل ولكنها مضطرة،  فهن يتحملن الضيم مقابل لقمة العيش .
علم الاقتصاد والقانون
يقول القانوني محمود احمد أستاذ في كلية القانون تحدث للمدى عبر الهاتف : ان قانون العمل مازال نافذا ويمنع في إحدى فقراته تشغيل النساء والأطفال في ظروف عمل شاقة وغير صحية ،مشترطا تحديد ساعات العمل والأجور بما يتناسب ونوع العمل وضرورة تطبيق قانون العمل وإجراء مسوحات على القطاع الخاص لرفع الظلم الواقع على الطبقة العاملة بشكل عام وعلى الأطفال والنساء بشكل خاص، كما يمكن ان نحدد  ظروف العراق الاقتصادية التي أحجمت أعداد الطبقة العاملة، غير ان التقصير واضح من قبل الأجهزة الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والبرلمان الذي يعد ممثلا عن الشعب، وعلى مجلس النواب الضغط على الأجهزة التنفيذية لتطبيق قانون العمل الذي ينظم العلاقة بين العامل ورب العمل من ناحية حقوقه وواجباته وساعات العمل والتعويض في حال تعرضه الى خطر جراء عمله.
حيث علق صالح منصور أستاذ علم الاقتصاد جامعة بغداد قائلاٍ:انفتاح الاستيراد وعدم وضع ضرائب على البضائع المصنعة في الخارج أدى الى تكبد الصناعة الوطنية خسائر كبيرة نتج عنها اندثار المصانع والمعامل الكبرى التي كانت تنتج مختلف أنواع السلع سواء كانت حكومية أو خاصة أو مختلطة ،أضف الى ذلك ان الحكومة لم تضع القوانين التي تحد من العمالة الأجنبية، فبات صاحب العمل يرغب بالعمال الأجانب كونهم اقل أجرا،  ويعملون ساعات أكثر مما يعمله العامل العراقي.
اليد العاملة الوطنية تندثر
هل يمكن ان يكون حال عمال العراق هكذا بعد التغيير؟ و حالتهم لا تسر ولا تليق بهم، فهم يشعرون بأنهم غرباء في وطنهم ولا يملكون شبرا فيه وتمنوا من ان تكون الجهات المعنية رفيقة بهم وتعطيهم الأولوية في التعامل لاسيما إنهم اليد العاملة الوطنية ،التي ربما ستختفي مع الزحف الآسيوي، ويحتفل العمال في جميع أرجاء المعمورة بالأول من أيار عيدا عالميا للعمال، للفت الأنظار إلى دور العمال ومعاناتهم، والعمل على تأمين متطلبات عيش كريم لهم ولعائلاتهم.
البطالة والمصاعب
تعدّ البطالة من المصاعب والتحديات الرئيسة التي تواجه الاقتصاد العراقي لما لها من انعكاسات عميقة على الأوضاع التي يعيشها العامل العراقي،وممّا يزيد من حدّة هذه المشكلة استمرار وجودها لمدّة طويلة مع ارتفاع معدلاتها في السنوات الأخيرة وظهورها بأشكال وأنواع مختلفة، فضلا عن ان الاقتصاد العراقي يعاني بشكل خاص و رئيس بطالة هيكلية ناجمة عن ضعف قدرة القطاعات الاقتصادية على استيعاب الأعداد المتزايدة من الأيدي العاملة القادرة على العمل والراغبة فيه حيث تُقدر نسبة البطالة في العراق حاليا ما بين (75 ـ80 %) من مجموع قوة العمل في العراق.
النضال ضد الاستغلال
العمال العراقيون يستحقون الكثير ،فعيدهم هذا يرمز الى النضال ضد كل أشكال الاستغلال والاضطهاد والقهر، ويشكل لطبقتنا العاملة العراقية حافزاً ومعيناً لا ينضب في نضالها الشاق  في الوقت نفسه يشكل مناسبة لتصعيد النضال من أجل تحقيق المطالب العادلة والمشروعة لعمالنا أينما كانوا .
وكذلك يأتي هذا اليوم تأكيداً للدور التاريخي والمستقبلي لهذه الطبقة الجماهيرية المنظمة والمتكاملة والتي دونت صفحات مشرقة ومنارات ساطعة لمسيرة كفاح متواصلة من أجل بناء مستقبل مشرق يعبر عن ثمرة نضال طبقتنا الكادحة وتضحياتها .
وبهذه المناسبة السعيدة، مناسبة عيد العمال العالمي.

المدى

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 30-04-2013     عدد القراء :  1463       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced