أكثر من الانتخابات
بقلم : محمد عبد الجبار الشبوط
العودة الى صفحة المقالات

نبه الرئيس الاميركي باراك اوباما الرئيس المصري السابق محمد مرسي قبيل خلعه على حقيقة بديهية وهي ان الديمقراطية تعني شيئا اكثر من الانتخابات. فليس بالانتخابات وحدها تقوم الديمقراطية. بل ان الانتخابات هي خطوة اولى، ربما، باتجاه الديمقراطية. وما لم توضع الانتخابات في سياق او اطار ديمقراطي سليم وكامل فلن تكون اكثر من عملية اجرائية بغير مضمون حقيقي، فضلا عن ان نقول ديمقراطي.
لكن كلمة اوباما التي اوصلها الى مرسي باتصال تلفوني كانت متأخرة جدا. فمرسي كان بعيدا جدا عن فهم المضمون الجوهري للديمقراطية وموضع الانتخابات منها. وربما كان هذا الذي يفسر اصراره على استخدام كلمة "الشرعية" للدفاع عن بقائه في الحكم، رغم الملايين التي خرجت الى الشوارع مطالبة باستقالته وتنحيه عن الرئاسة. صحيح ان الرؤساء المنتخبين في الدول الديمقراطية العريقة لا يتم تنحيتهم عن طريق التظاهر في الشوارع، لكن في ديمقراطية مبتدئة وهشة يكون لنزول الملايين الى الشوارع مغزى مهم في تعديل المسار الديمقراطي للعملية السياسية ولا يمكن تجاهل هذا المغزى والتشبث بشرعية الانتخابات. هذه الشرعية سرعان ما تتآكل امام مصادر اخرى للشرعية تدخل في صميم الجوهر الديمقراطي الذي لا تحتكر الانتخابات حق تمثيله. ومن هذه المصادر شرعية الانجاز، والرضا الشعبي العام. وكان واضحا في احداث مصر ان التظاهرات المليونية اكلت كثيرا من جرف الشرعية التي قدمتها الانتخابات قبل عام، وان هذه الشرعية لم تعد موجودة بعد ان عبر الناس عن عدم رضاهم عن رئيسهم المنتخب.
وهكذا يكون من بين اهم دلالات احداث مصر الاخيرة على مستوى المفهوم الديمقراطي ان الانتخابات قد تفقد معناها الديمقراطي اذا عبرت المصادر الاخرى للشرعية والتمثيل والتعبير عن معنى مخالف للمعنى الذي شكلته الانتخابات يوم اجرائها. بمعنى ان الانتخابات قد تكون مصدرا لشرعية التمثيل في اليوم الاول لاجرائها، لكنها قد تفقد هذه الصلاحية بعد حين اذا عبرت المصادر الاخرى للشرعية عن موقف اخر.
كان افلاطون اكثر جرأة وادراكا لهذه الحقيقة من الرئيس المصري المخلوع حين توقع ان تتحول الانظمة الديمقراطية الى الاستبدادية اذا توافرت عوامل التحول والانزلاق نحو الدكتاتورية. وهذا خطر يتهدد الديمقراطيات الانتخابية اذا اسفرت هذه الانتخابات عن وصول اشخاص وقوى سياسية لا تؤمن حقيقة بالديمقراطية. حصل هذا حين وصل هتلر الى السلطة في المانيا عن طريق الانتخابات. فقد حصل حزبه في انتخابات العام 1932 على 33 بالمئة من الأصوات، أي أكثر من أي حزب آخر. وفي كانون الثاني من العام 1933، تم ترشيح هتلر كمستشار. فالرجل كان يتمتع بالشرعية التي تمنحها له الديمقراطية الانتخابية، لكنه لم يكن ابدا يؤمن باكثر من هذا بقدر تعلق الامر بالديمقراطية. لهذا سرعان ما اقام واحدة من اعتى الدكتاتوريات التي عرفها التاريخ دون الالتفات الى ما يفترض ان يعنيه وصوله الى السلطة عن طريق صناديق الاقتراع. نفس الامر يقال على حالة مرسي. فالرجل ينتمي الى حزب سياسي لا يؤمن اصلا ولا تكتيكا بالديمقراطية. ولم تكن الانتخابات بالنسبة له سوى وسيلة للوصول الى السلطة، وما ان يصل اليها حتى يبدأ باتخاذ اجراءات تعزيز وجوده في السلطة، بمعزل عن المحددات الديمقراطية لممارسة السلطة.
ان الامر قابل للتكرار في اي بلد تحمل فيه صناديق الاقتراع اشخاصا واحزابا لا تؤمن بالديمقراطية الى مقعد الحكم. وهذا معنى القول بان الديمقراطية نظام هش قابل للارتداد اذا لم تتوفر مستلزماته الاخرى مثل ايمان الذين يحكمون بها كمنهج ثابت في ممارسة السياسة والحكم.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 05-07-2013     عدد القراء :  1452       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced