ديمقراطية الأكثرية
بقلم : محمد عبد الجبار الشبوط
العودة الى صفحة المقالات

لعل من المفيد ان يقرأ رجال السياسة والدولة والحكم والمعارضة عندنا ما كتبه “المعلم الاول” أرسطو عن الديمقراطية. فرغم مرور اكثر من 2500 سنة على مؤلفه الخالد “السياسة”، فان الافكار الواردة فيه ما زالت بنت يومها، ولم تفقد صلاحيتها للتطبيق والاستلهام والاعتبار.
هنا أسوق لكم مثالا واحدا. ففي مناقشته لاشكالية الاكثرية والاقلية في النظام الديمقراطي، قال ارسطو:”من الخطأ الشديد، وان يك عاما، ان يقصر دعم الديمقراطية على سيادة العدد”. لماذا؟ يجيب ارسطو:”لنفرض دولة مؤلفة من 1300 مواطن، من بينهم الاغنياء وعدتهم الف قد جردوا من كل سلطة الثلاثمئة الذين، مع انهم فقراء، هم على ذلك مثلهم احرار، يساوونهم في كل وجه خلا الثروة. أفيمكن في هذا الفرض ان تكون الدولة ديمقراطية؟”. في مثل هذا الوضع كان المال هو العامل الاساسي في حيازة السلطة، وتم منع الفقراء من المشاركة فيها لأنهم فقراء أقلية. وهذا بنظر ارسطو يقدح في اطلاق وصف النظام الحاكم بانه ديمقراطي، لأنه يصادر جوهر الديمقراطية، التي هي كما شرح ارسطو:”في الحق، الأحكم ان يقال ان تكون ديمقراطية حينما تكون السلطة مسندة الى جميع الرجال الاحرار....اما اكثرية الفقراء وأقلية الاغنياء فما هما الا ظرفان ثانويان.” المشاركة السياسية المتاحة للجميع، كل من موقعه، هي جوهر الديمقراطية، وتجسيد لمفهوم سيادة الشعب، وخلافة الانسان. فاذا انقسم الناس الى اقلية واكثرية، بسبب اللغة او المذهب او العرق او الدين او ما شابه ذلك، فلا ينبغي ان يتخذ ذلك سببا لحرمانهم من المشاركة او حتى لتقليص حصتهم فيها. فمن شأن هذا ان يشكل انحرافا كبيرا عن الديمقراطية ويصادر معناها الجوهري الذي هو حق كل مواطن في المشاركة في اتخاذ القرارات التي تؤثر على حياته، والتي يطلب منه ان يمتثل لها.
الانتخابات، وهي احد مظاهر الديمقراطية المهمة، تقوم على الحساب العددي. لكن الديمقراطية لا تقوم بالانتخابات وحدها، كما ذكرت يوم امس السبت،. بل ان الانتخابات هي خطوة اولى، ربما، باتجاه الديمقراطية. وما لم توضع الانتخابات في سياق او اطار ديمقراطي سليم وكامل فلن تكون اكثر من عملية اجرائية بغير مضمون حقيقي، فضلا عن ان نقول ديمقراطية . والسياق الحقيقي المقصود يتمثل في تحقيق العدالة والمساواة في المشاركة السياسية. فهذان العنصران، اي العدالة والمساواة، فضلا عن الحرية، من ضمانات تحقق الديمقراطية الحقة. فاذا فشل النظام السياسي في توفير العدالة والمساواة والحرية، فانه سرعان ما يفقد صفة الديمقراطية، بل يفقد شعور المواطنين بالانتماء اليه، الامر الذي يدفعهم في النهاية الى الخروج عليه، والتمرد عليه، والبحث عن بدائل اخرى. ان على الديمقراطية ان تنمي الشعور بالانتماء لدى المواطنين الى الدولة والنظام السياسي، وحين تعجز عن ذلك، فان هذا يقدم سببا جوهريا لاجراء مراجعة فعلية لآليات اشتغالها.
لا يتعارض هذا مع مفهوم المعارضة الضروري بدوره للديمقراطية.وقد توصلت الانظمة الديمقراطية العريقة الى طرق تمكن المعارضة ايضا من المشاركة في اتخاذ القرارات المصيرية. في بريطانيا توجد حكومة ظل معارضة تلعب دورا مهما في الحياة السياسية. اضافة الى ان الاعلام المعارض يشكل طريقة اخرى للمساهمة. ولن يعجز العقل السياسي العراقي عن ابتداع طرق خاصة به لتوسيع وتعميق المشاركة السياسية.

  كتب بتأريخ :  السبت 06-07-2013     عدد القراء :  1487       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced