( يمه دين الفقره متعب ) الفقراء وطقوس رمضانية
بقلم : حامد كعيد الجبوري
العودة الى صفحة المقالات

يقول سيد البلغاء علي أمير المؤمنين (( ع ) لو كان الفقر رجلا لقتلته )) ، ويقول صاحب الرسول الأعظم (ص ) أبو ذر الغفاري رضوان الله تعالى عليه ( عجبت للمرء لا يجد قوته ولا يحمل سيفه ) ، والله سبحانه وتعالى حين وزع القناعة والصبر ربما خص الفقراء دون غيرهم ، ويقول مثلنا الشعبي ( جد الشهر والدهر وأكله بشهر رمضان ) ، بمعنى أن عليك أيها الرجل أن تعمل طيلة السنة لكي توفر لعائلتك قوتها أيام رمضان ، ومعلوم أيضا أن الأشهر القمرية ليست كالأشهر الميلادية ، الأشهر القمرية ربما يأتي فيها شهر رمضان بموسم الحر الشديد تموز أو أب ، وربما يأتي موسم البرد شهر ك1 أو ك2 ، ومؤكد أن أغلب الأعمال لا يمكن تأديتها إلا من القلة موسم الحر الشديد ، أربعينات وخمسينات القرن الماضي لم تكن الحياة على هذا الشكل المتطور الحضاري ، دوائر الدولة أقل من عدد أصابع اليد ، ومحظوظ جدا من يملك شهادة الابتدائية ليجد له وظيفة مميزة وراتب مجزي ، وأغلب الأعمال تجدها أعمالا بدائية ، صناعة الدبس ( المسابج ) ، قصابون ، حمالون ، حلاقون ، بائعو الخضر والفواكه ، عطارون ، بناءون ، وهكذا ، وأن وجد طبيب ما ، فهو لكل الاختصاصات الطبية ، بمعنى أن غالبية الألوية العراقية – المحافظات – هي بمستوى معاشي واحد تقريبا ، وقلة قلية من الميسورين أصحاب الأراضي والعقارات ، بحيث أن أغلب المدن العراقية تعرف أغنيائها ، وقلة قليلة أيضا هم الطبقة المعدومة الفقيرة التي لا تجد قوت يومها بيسر وسهولة ، وهذه القلة ممن قد فقدت معيلها الذي يجلب لها قوتها ، لذا أطلقها محمد العظيم ( ص ) ، ( أنا وكافل اليتيم كهاتين _ السبابة والوسطى _ في الجنة ) .
( يمه دين الفقره متعب / خل نبدله بغير دين ) ، هذا البيت من قصيدة للشاعر الراحل ( كاظم خبط الجبوري ) ، ومرض الفقر متعب فعلا وعلاجه القناعة ، وقبل بدء رمضان يستعد الأغنياء لشراء ما تحتاجه العائلة من طعام وشراب وما الى ذلك ، الفقراء لا يشترون أي شئ ويعتمدون على قوتهم اليومي ، وموائد إفطارهم فقيرة جدا لا تتعدى صحن من ( شوربة العدس ) ، يضاف له ( بطاطا ) مسلوقة أو مقلية يوم ، وفي اليوم الذي يليه يضاف للعدس باذنجان مقلي أيضا ، أو طماطم مقلية لليوم الذي يليه ، ومن يحصل على أجر كل يوم يشتري اللحم ( نص ربع ) بعشرين فلس ، وسعر كيلو اللحم 160 فلسا عراقيا ، وموسم الحر الأغنياء يشترون الثلج ، وقلة من الأغنياء يملكون ( الثلاجات والمجمدات ) في بيوتهم ، والفقراء لا يستطيعون شراء الثلج ، وتعتمد بيوت الفقراء على ( الحب أو الشربة ) ، وهي صناعات طينية يوضع فيها الماء لتبرد ، ورب الأسرة له زلال ذلك الماء – الناكوط - الذي ينضح من ( الحب ) فيجمع في صحن فخاري يوضع تحته يسمى ( الكوز ) ، و( للسحور ) ربما يحصل الفقير على صحن من الأرز ورحم الله الشهيد الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم الذي أراد رجال الإقطاع وكبار التجار حربه فجاء السحر على الساحر وهبط سعر الكيلو غرام من الرز العنبر الدرجة الأولى الى 20 فلس بسبب استيراد الزعيم الشهيد الرز ( البسمتي ) ، أما منقوع ( النومي بصرة ، وتمر الهند ، وقمر الدين ) فذلك لا يطمع به الفقير وربما لا يعرفه ، وأيام زمان لم تكن إذاعات أو فضائيات لنقل الأذان ، و لا توجد آنذاك مكبرات الصوت في الجوامع والمساجد والحسينيات ، ونعتمد بسماع الأذان للمغرب والفجر على تواجد الأطفال قرب أماكن العبادة لنقل وقت الأذان لأهلنا الصائمون ، نقف على باب المساجد وننتظر ، وحين سماعنا ( الله أكبر ) نركض فرحين لبيوتنا ونحن نردد بصوت عال ( يا صايمين أفطروا ) ، والجميل أيام رمضان تأتي للمساجد ( صواني ) مليئة بأنواع الطعام توزع على المصلين كهدية لروح متوفى ما من تلك العوائل ، وحتى فقراء الناس يمارسون هذه الطقوس وكل حسب ما تجود به إمكانياته المالية ، كان ابي رحمه الله ينهي صلاته في المسجد ولا يأكل مما يجلب الى المسجد ، قلت له لم لا نأكل مثل الآخرين يا أبي ؟ ، أجاب لا يحق لنا ذلك لأنه يفترض تقديمه للفقراء حصرا ، قلت وهل هناك أفقر منا يا أبي ؟ ، أجاب الحمد لله أننا نجد قوتنا وغيرنا لا يجده ، وأذكر أني كنت صديقا لأبناء أحد الأغنياء ، وكان ذلك الغني يخجل أن يأكل مما يجلب للمسجد من ( ثواب ) ، ولكنه كان يتفحص ( الصواني ) ويختار أكبر دجاجة ويضعها بقرص خبز ويعطيها لي ويهمس بأذني أذهب بها الى بيتنا – يعني بيتهم – وكنت أفعل ما يؤمرني به ذلك الرجل ولعابي يسيل لذلك اللحم الذي لم أأكل منه ألا نادرا ، قلت لنفسي لماذا لا يرسل غنيمته مع ابنه ؟ ، لم أهتدي لمعرفة كنه تصرفه هذا لصغر سني وعدم إدراكي الأمور بشكل جيد ، شاهدني أبي رحمه الله وأنا أتأبط دجاجة لأذهب بها لدار ذلك الغني فتبعني لخارج المسجد وسمعت صوته فعدت أدراجي ، قال لي أتعرف لماذا لا يرسل ولده ؟ ، قلت لا ، قال أنه يعطيك تلك الدجاجة ليوهم الناس الحضور أن هذه الدجاجة هي حصة الفقراء ومن هو أفقر منا أمامهم ، لذلك يا بني عد الى المسجد وأعط الدجاجة لمن أرسلها معك ولا تتحدث بأي شئ معه ، وفعلا فعلت ما أمرني به والدي ، وبعد نهاية الصلاة خرجنا من المسجد وعيوني لا تفارقا تلك المائدة الغنية .
يتبع الفقراء وعيد الله

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 10-07-2013     عدد القراء :  1739       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced