مجتمعان .... أحدهما إنساني والآخر جمهورية إسلامية
بقلم : تعريب عادل حبه
العودة الى صفحة المقالات

بقلم الكاتب الإيراني حسين باقرزاده

إن عمر بن محمود بن عثمان المعروف بأبي قتادة هو مواطن أردني من أصل فلسطيني من ولادة 1960. ومنذ عام 1989 عمل في بيشاور في الباكستان بتدريس " العلوم الشرعية"، ثم انتقل إلى أمارات الخليج واستقر في الكويت. وفي عام 1991 وبعد تحرير الكويت، غادر أبو قتادة الكويت مع أعداد كبيرة من الفلسطينيين بعد اخراجهم من الكويت وعاد إلى الأردن. وفي أيلول عام 1993، غادر الأردن مع زوجته وأطفاله بجواز سفر إماراتي مزور وفر إلى بريطانيا بذريعة تعرضه للملاحقة والتعذيب في الأردن، وطلب اللجوء. وبعد عدة شهور تم قبوله كلاجىء، وحصل أبو قادة وعائلته على حق الاقامة في بريطانيا أضافة إلى تمتعه بمعونة الحماية الاجتماعية.
وخلال فترة قصيرة استطاع ابو قتادة أن يجمع حوله عدداً من الاتباع عندما شرع بالترويج لآرائه بين المسلمين المقيمين في بريطانيا، وتحول بالتدريج إلى داعية يعظ بمواعظ وفتاوى متطرفة وخطرة. ففي عام 1995 نشرت صحيفة الكارديان اللندنية تقريراً عن فتوى أصدرها أبو قتادة تحلل قتل المسلمين الذين يتخلون عن دينهم، كما أباح قتل عوائلهم. وأصبحت آرائه ومواقفه في لندن موضع ترحيب من قبل العديد من السلفيين والارهابيين الاسلاميين وخاصة الجزائريين الذين تحولت بلادهم إلى أحد ساحات نزيف الدم الوحشي جراء العمليات الارهابية والعنف المقابل الذي لا يرحم والذي تمارسه الحكومة الجزائرية. وعبر هذا الطريق مد جسور الصلة بإبن لادن. وبعد أن وجهت بعض المجاميع السلفية الانتقاد لإبن لادن بسبب فتاواه الارهابية، طلب إبن لادن الحماية من أبي قتادة، وهكذا بدأت المسيرة المشتركة للرجلين.
وفي النصف الأول من تسعينيات القرن الماضي، جرى التعرف على دور أبي قتادة في الكثير من الأعمال الإرهابية التي نفذت في أوربا. وقد وصف أحد القضاة الاسبان الذي تولى التحقيق في عمليات عملاء القاعدة في مدريد أبا قتادة بأنه "الزعيم الروحي" للقاعدة في أوربا. ونشرت صحيفة التايمز اللندنية تقريراً يشيرإلى أن ابو قتادة كان المرشد والمرجع الشرعي لأثنين من الإرهابيين هما زكريا الموسوي ( أحد منفذي أرهاب 11 أيلول عام 2001 في نيويورك) وريجارد ريد ( الذي أخفى مواد متفجرة في حذائه عندما حاول السفر بطائرة عبر المحيط الاطلسي). وحسب المصادر الصحفية، فبعد عملية 11 أيلول عام 2001 عثر على تسجيل لخطب أبي قتادة في شقة محمد عطا في هامبورغ.
وبعد اطلاع البوليس البريطاني على نشاطات ابي قتادة ومن ضمنها المعلومات التي زودتها الحكومتان الاسبانية والجزائرية، شرعت الشرطة باتخاذ التدابير والقت القبض عليه في شباط عام 2001. وعند القاء القبض عليه وجد في حوزته مبلغ 170 ألف باون استرليني ومبلغ 8500 باون في مظروف كتب عليه "إلى المجاهدين في الشيشان". وفي عام 2004 أصدر القاضي البريطاني المكلف بمتابعة طلب الاستئناف قراراً باعتقاله بسبب"وجود دلائل على مشاركته الواسعة في العمليات الارهابية المنسوبة الى القاعدة، حيث اعتبر ابو قتادة في مركز اتخاذ القرارات. واعتبر أنه شخصاً خطيراً جداً". وأصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار 1267 في تشرين الأول عام 1999 يشار إلى ادانة ابي قتادة باعتباره أحد الاشخاص المرتبطين بالقاعدة.
وبدأت بريطانيا بتدابير الملاحقة القانونية لأبي قتادة، ولكنها لم تجد أي "مدرك جرمي محكم" ضده. ولهذا فكرت الحكومة بإخراجه من بريطانيا وتسليمه إلى الأردن. وكان هذا الإجراء هو الحد الأدني من العقوبة لأي فرد له كل هذا الضلع في العمليات الإرهابية. ولكن الرأي العام البريطاني طالب بإخراجه من البلاد بسبب من نفرتهم من الأعمال الإرهابية التي نفذت في 11 أيلول عام 2001 في نيويورك وفي 7 تموز عام 2005 في لندن. ولكن المشكلة التي وقفت عائقاً أمام تحقيق ذلك هو النظام القضائي البريطاني المستقل من ناحية، ومن ناحية أخرى القرارات والتعهدات المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة التعذيب وعقوبة الاعدام، والتي تحرم على الحكومة البريطانية تحويل أي شخص إلى أي بلد من المحتمل أن يمارس فيه التعذيب أو تطبق فيه عقوبة الاعدام بغض النظر عن فعله أو الجريمة التي ارتكبها.
وهكذا بدأ الماراثون القضائي للحكومة البريطانية المقتدرة مع أبي قتادة من أجل إخراجه. وقامت الحكومة باتخاذ القرار الخاص بإخراج ابو قتادة من البلاد عدة مرات، ولكن في كل مرة كان القرار يصطدم بمراجعة محامي ابي قتادة ولجوئهم إلى المحاكم، حيث يعرضون عليها أساليب التعذيب في الأردن مما يبطل قرار الحكومة بترحيا ابي قتادة. لقد حكم على أبي قتادة في الأردن عام 1999 بالحبس المؤبد جراء اتهامه بعمليات إرهابية، إلاّ أن محاميه أشاروا إلى أن الاعترافات حوله قد أخذت تحت طائلة التعذيب. واستمرت المعركة لإخراج أبي قتادة أكثر من عشر سنوات اضطر خلالها وزراء الداخلية في ثلاث حكومات بريطانية إلى التوجه نحو القضاء البريطاني والقضاء الأوربي لإخراجه من البلاد، أو الطلب من الحكومة الأردنية التعهد بمعاملته الحسنة وعدم تعرضه للتعذيب وتقديم ضمانات مقبولة للمحاكم البريطانية. وخلال هذه الفترة كان أبو قتادة ينتقل بين المعتقل أو أن يطلق سراحه مما كلف الدولة نفقات كبيرة صرفتها عليه وعلى إقامة عائلته.
وبعد عشر سنوات من النزاع وصرف ملايين الباونات على إقامة أبي قتادة والعائلة وعلى المحكمة والمحامين من كلا الطرفين والبالغة 3 مليون باون تسددها الحكومة البريطانية، وبعد امضاء مذكرة تفاهم مع الحكومة الأردنية، استطاعت الحكومة البريطانية أخراج هذا الفرد المنبوذ من أراضيها وتوجه في 7 تموز الجاري بطائرة خاصة وعاد إلى الأردن. إن ملايين المواطنين في هذه البلاد من أمثالي يدفعون ضريبة تأمين هذه النفقات، ولم يعترضوا على تعلل القضاء بسبب ايمانهم بالسلطة القضائية التي ترعى التعهدات والضمانات المتعلقة بحقوق الإنسان رغم تنفرهم من الارهاب والارهابيين ووجود هذا الارهابي في بلادهم لمدة عقدين من الزمن وهو يدعو إلى العنف والعداء المذهبي. وتحمل المواطنون كل ذلك من أجل إخراجه بطريقة قانونية وإنسانية.
وبالضبط وفي الساعات الأولى من صباح يوم الأحد عندما عاد ابو قتادة إلى بلاده مع كل القرائن المتعلقة بنشاطه الارهابي، وبعد عشر سنوات من النزاع القضائي دون أن يتعرض إلى الحد الأدنى من التعذيب، جرى في زاوية أخرى من عالمنا تعليق خمسة أشخاص على منصة الأعدام دون ذكر اسمائهم ومواصفاتهم، حيث جرى الاكتفاء بذكر الحروف الأولى من أسمائهم. ولم يذكر متى تم اعتقال هؤلاء، والمدة التي بقوا خلالها في المعتقل ومكان ارتكاب الجريمة، باستثناء بضع كلمات تحكي عن حمل بضع غرامات من الهيروئين واتهام آخر بارتكاب جريمة قتل. ولم يتم الاشارة إلى الدلائل والشهود ووسيلة القتل وكيف تم التحقيق وأخذ الاعترافات. وما هي المحكمة التي تولت محاكمتهم ومن هي الجهات التي تولت الدفاع عن المتهمين، وإلى أي حد كان المتهمون على علم بحقوقهم وأسئلة كثيرأخرى. ماذا نقول بهذا الصدد، فهؤلاء لا يستحقون حتى ذكر اسمائهم بعد قتلهم، فكيف لهم الحديث عن حقوقهم؟.
إن هذا الإجراء ليس استثنائياً. فقد جرت الحادثة يوم الأحد في مدينة قزوين في الجمهورية الاسلامية الايرانية. وبعد يوم من هذا التاريخ تم اعدام ثلاثة أشخاص في مدينة أردبيل، وبعدها بيوم تم اعدام ثلاثة أخرين في نفس المدينة. وفي يوم الثلاثاء أعدم ثلاثة آخرين في نفس المدينة، وأعدم 11 شخصاً لم يعلن عنهم في زاهدان، 7 اشخاص في مدينة رشت. كل هؤلاء أعدموا خلال ثلاثة أيام ... ويستمر مسلسل الأعدام بدون نهاية. تصورا إنه في زاوية من زوايا العالم يتطلب مرور عشر سنوات كي يتم إعادة شخص إلى بلاده رغم نشاطه الارهابي كي لا يلجق به أي أذى هناك. وتحمل المجتمع المدني البريطاني ملايين الباونات، في حين يتم اعدام أناس بدون ذكر اسمهم ومواصفاتهم مثل قتل الدجاج في زاوية أخرى من العالم دون أن نسمع أي احتجاج على ذلك. فلا يحتج أي شخص ولا يعلو صوته ليعلن أنه لم يذكر اسم المعدومين ولا أوصافهم وهم المتهمون بتهريب المواد المخدرة. إنهم مجرد ضحايا فرض عليهم العوز ممارسة هذه الأفعال جراء نظام الفقر والفساد الحاكم في البلاد. ولا يسأل مشاهدوا مراسيم الأعدام أنفسهم السبب في أزدياد أعداد القتل والجرائم وبشكل متزايد وما زال في حالة ازدياد في النظام الاسلامي. ولم ترتفع أصوات الاصلاحيين " كفا قتلاً"، ولم يعلن رجال الدين الذين يعتبرون أنفسهم " آمرون بالمعروف وناهون عن المنكر" وهم يعلمون جيداً أن"مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جميعاً". فلا يمكن أن نعتبر كل انسان اضطرته الظروف والحاجة إلى بيع وشراء هذه المادة شخصاً "مفسداً في الأرض". كما لم يتحدث رئيس الجمهورية المنتخب بأية كلمة حول هذه الضحايا من الاعدام الجماعي وهو على اعتاب جلوسه على كرسي الرئاسة، وقد تحدث مراراً بحماس عن عودة كرامة الانسان ومنزلته.
لقد أشار شاعر ايران الراحل أحمد شاملو " إنني أخاف أن اموت في بلد يبلغ سعر الكفن فيه أغلى من سعر الانسان". وهنا أشير إلى الاختلاف بين مجتمعين، الأول لا يعير أية قيمة لروح الإنسان، والمجتمع الآخر يعير بالغ الأهمية لحماية الانسان من التعذيب والايذاء مهما بلغ هذا الإنسان من نفور وشرور. فماذا يمكن أن نطلق على هذين المجتمعين؟. إنني كسائر الملايين من الإيرانيين أجبرت على الهروب من المجتمع الأول ولجأت إلى المجتمع الثاني. وعلى الرغم من مغادرتي لإيران منذ 40 سنة، إلاّ إنني مازلت أفكر بها وأرى أحلامها في الليل. أما في الصباح فيتضح لي إن المجتمع الثاني أكثر إنسانية، وهو شعور يشاركني فيه الملايين من الإيرانيين الذين اضطروا إلى مغادرة بلادهم. إنني أطلق صفة "المجتمع الإنساني" على المجتمع الذي أعيش فيه الآن، ولكن المجتمع الأول هو "بلد يبلغ سعر الكفن فيه أغلى من سعر الانسان"، والذي يسمى الجمهورية الاسلامية.

  كتب بتأريخ :  السبت 13-07-2013     عدد القراء :  1502       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced