الفهم البشري للقرآن: ثقافة العصر
بقلم : محمد عبد الجبار الشبوط
العودة الى صفحة المقالات

حين يتوجه الانسان الى فهم القرآن فان العقل البشري يتحرك بثلاثة اتجاهات هي:
الاتجاه الاول: حركة من القرآن الى القرآن، وهذه حركة داخلية تستهدف فهم النص بالنص، واستجلاء معاني مفرداته وتعبيراته كما يتم استخدامها فعلا في اماكن اخرى من القرآن الكريم. فالقرآن الكريم نظام لغوي كامل له مفرداته وتعابيره وقوانينه الخاصة به. لكن ينبغي القول بان هذا المستوى من الحركة العقلية منعزل عن الخارج او العالم او الواقع، انما هو محصور بالقرآن الكريم، بالنص، ولا يقدم سوى فهم اعمق للنص لكن بمعزل عن الواقع الخارجي. تشكل هذه الحركة في نهاية المطاف احدى ركائز الاصالة المفترضة في الفكر الاسلامي البشري.
الاتجاه الثاني: حركة من القرآن الى العالم، وهذه حركة من النص الى الخارج، وهي تستهدف فهم الخارج في ضوء النص القرآني. وهي تفيد معنى هيمنة القرآن على الخارج، كما توضح احدى الآيات القرآنية. هذه الحركة تشكل في نهاية المطاف توجها اصوليا- ايديولوجيا في فهم الواقع الخارجي. وقد يؤدي التطبيق المتعسف لهذه الحركة الى نوع من الجمود في فهم الواقع، والجمود قد يؤدي الى اساءة الفهم والتفسير لهذا الواقع، خاصة حين ينطلق من آيات قرآنية داخلة في اطار المتشابه او المجاز اللغوي، مثل قوله تعالى: "يد الله فوق ايديهم". فان التطبيق الحرفي لهذه الآية قد يؤدي الى القول بالتجسيم.
الاتجاه الثالث: حركة من الخارج الى القرآن، اي من العالم الى النص، وهي تستهدف فهم النص القرآني في ضوء فهم العالم الخارجي. هذه هي الحركة التي اقترحها الامام الشهيد السيد محمد باقر الصدر في محاضراته حول تفسير القرآن والتي ألقاها قبيل استشهاده تحت عنوان (التفسير الموضوعي للقرآن الكريم). هنا لا ينطلق المفكر من النص، انما من واقع الحياة، حيث "يركز نظره على موضوع من موضوعات الحياة العقائدية او الاجتماعية او الكونية، ويستوعب ما أثارته تجارب الفكر الانساني حول ذلك الموضوع من مشاكل، وما قدمه الفكر الانساني من حلول، وما طرحه التطبيق التاريخي من اسئلة ومن نقاط فراغ، ثم يأخذ النص القرآني، لا ليتخذ من نفسه بالنسبة الى النص دور المستمع والمسجل فحسب، بل ليطرح بين يدي النص موضوعا جاهزا مشربا بعدد كبير من الافكار والمواقف البشرية". بهذه الطريقة يلتحم الفهم البشري للقرآن مع الحياة والخارج والواقع المتغير، فيستوعبه على اساس العلاقة الجدلية التي سوف تنشأ بين النص والعالم من خلال الجهد البشري الخلاق، المتمثل بثقافة العصر. هذه الطريقة هي التي تؤسس لعنصر المعاصرة في فهم القرآن الكريم.
اليك مثالين عمليين: الاول من قوله تعالى: "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" وقوله تعالى:" وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ". يمكنك ان تذهب الى قواميس اللغة وتبحث عن معنى كلمة "دحاها" او عبارة "تجري لمستقر لها" وتفسر الآية في ضوء المعنى اللغوي للكلمة والعبارة، وبذلك تفهم حال الارض وحال الشمس من خلال النص. هذه هي الحركة العقلية من المستوى الثاني. او بامكانك ان تذهب الى المستوى الثالث، فتبحث عن ثقافة عصرك في ما يتعلق بوضع الارض، وتبحث عن شكلها، وهل هي كروية او مسطحة او بيضوية، ثم تُسقط ما عرفته عن الارض بناء على علوم عصرك، فتقول ان معنى الآية الاولى ان الله جعل الارض على هيئة البيضة، او بيضوية الشكل. وكذا الحال مع عبارة "تجري لمستقر لها" في ما يتعلق بالشمس. ينطبق هذان المثالان على الكثير من الآيات القرآنية الكريمة.
كل هذه الاتجاهات ضرورية في فهم القران الكريم، وبناء الفهم البشري له في نهاية المطاف. وكلما تكاملت هذه الاتجاهات مع بعضها كلما تمكن الانسان من تكوين فهم اكثر تكاملا للقرآن.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 15-07-2013     عدد القراء :  1609       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced