رأيي في الخطاب الامني
بقلم : عبد المنعم الاعسم
العودة الى صفحة المقالات

مسؤول أمني في إحدى المحافظات خرج من مكتبه للقاء عائلات مفجوعة وغاضبة جراء فقدانها أبناء وأزواج ونساء ومعارف في تفجير إجرامي أستهدف سوقا شعبيا، وبدلا من مشاركتهم فجيعتهم والتفاعل معها والاعتراف لهم بوجود ثغرات في منظومته الامنية التي تضم عشرات الالوف من الافراد وتستأثر بميزانية أسطورية من الاموال وتتصرف كسلطة فوق القانون، فانه زجرهم وأستكثر عليهم هذا الاحتجاج المشروع، وكرر عليهم القول بأن مدينتهم ترفل بالهدوء بالمقارنة مع العاصمة بغداد، وقال لهم: “روحوا لبغداد وشوفوا التفجيرات في كل ساعة” وفي غضون ذلك كانت نساء تهيل التراب على رؤوسهن في مشهد فجائعي ويرمين بعضه على الاوسمة .
ومن على شاشات التلفزيون ظهر واضحا فجاجة الخطاب الامني في متابعة اثار الهجمات الارهابية على حياة المواطنين، فاعادت المنطق المثقوب بالقول ان الارهابيين يستهدفون هز السلطة، او انهم يوجهون حرابهم الى العملية السياسية، لكي يقنعوا المواطن بانه ما دامت السلطة لم تُهز وان العملية السياسية لم تسقط فان اهداف الارهاب فشلت.. وهو المنطق نفسه الذي كانت الدكتاتورية تستخدمه” الرئيس سالم فقد انتصرنا” ولا يهم ان يكون مئات الالوف من الجنود والمدنيين قد راحوا طعما للحرائق.
الخطاب الامني من أعقد وأخطر وظائف الحكومة لمحاصرة الجريمة وتعبئة المواطنين حيالها، وقد ينقلب الى الضد من وظيفته إذا ما قـُدم بعجالة وتخبط وتضارب، بل وقد يكون عاملا في ترويج الجريمة والتغطية عليها حين يكون هذا الخطاب بيد موظفين غير مهنيين أو غير متخصصين أو غير مؤتمنين على حياة المواطن ومصالح البلاد.
الدول الحريصة على أمنها تعكف على بناء خطاب أمني منهجي صارم يقوم على كيمياء المصداقية والاقناع واحترام العقل ويتجنب اللف والدوران وانصاف الحقائق وإستغفال الجمهور ودس معلومات اضافية وغير واقعية ضد “العدو” كما إنها تعهد مسؤولية الخطاب الامني الى خبراء في التعبئة والاعلام ممن يمتلكون معارف في القانون الجنائي واللغة والسايكولوجيا وعلم المخاطبة وكفاءة التنبؤ وإحتساب الحساسيات والمخاطر لضمان التأثير في الجمهور وكسبه.
هذا السيناريو جرى في حوادث امنية خطيرة اخرى فيما الحكومة تعلن عن تشكيل “لجان تحقيق” لا احد يعرف الى ماذا توصلت، بل ان الخطاب الامني استمر، كما في كل مرة، في اللهاث وراء الاحداث واطلاق الديباجات الباردة عن الاقتدار الامني للدولة ونجاح المفارز الامنية في تفكيك خلايا الارهاب او القبض على ارهابيين، وتتبعها الخدمة التلفزيونية التي تقدم الى الجمهور طائفة من اللقطات والاعترافات والمتابعات الامنية الخالية من الاتقان الحرفي ومن عناصر الاقناع، وفي جانب آخر من المشهد تتولى اقنية اعلامية ربطت نفسها بمشروع تهديم العراق حجرا فوق حجر إطلاق وقائع وروايات ومستمسكات مغشوشة سرعان ما يصدقها جمهور واسع قبل أن يكتشف غشها.

“أنا لست ضد الشرطة، أنا فقط أخاف منهم”.
الفريد هتشكوك

  كتب بتأريخ :  السبت 20-07-2013     عدد القراء :  1404       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced