((من لم يحكم بما أنزل الله))
بقلم : محمد عبد الجبار الشبوط
العودة الى صفحة المقالات

نقول ان هناك فريقين: فريق يرى ان القرآن كتاب هداية وتربية وارشاد للفرد والمجتمع، وفريق يرى ان القرآن كتاب دولة وسياسة وحكم وسلطان. والقارئ المتفحص والمتطلب قد يسأل:
اليست الايات 44 و45 و 47 من سورة المائدة تثبت ان القرآن يدعو الى دولة الاسلام وليس الهداية فقط؟
والايات المشار اليها هي:
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44)
وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ (46) وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)
والمتأمل بالايات المذكورة يجد انها لا تنفع كثيرا دعاة الدولة، ولا تضر كثيرا دعاة الهداية. فهي من جهة اولى لا تركز على مسائل الدولة والحكم والسلطان، كما انها من جهة ثانية لا تخرج عن توصيف ما لم يحكم بما انزل الله في كتبه المقدسة: التوراة والانجيل.
فالايات تعالج مسألة فقهية بشأن حكم من لم يحكم بما انزل الله من الدين. فهناك اديان منزلة من الله سبحانه وتعالى، من بينها الاسلام بطبيعة الحال، وتنطوي هذه الاديان على احكام تم النص عليها في الكتب السماوية، وهناك من لا يطبق هذه الاحكام، فجاءت الآيات لكي تبين ما هو حكم هؤلاء.
يقول صاحب الميزان في تفسير القرآن العلامة الراحل محمد حسين الطباطبائي: “وقد اختلف المفسرون في معنى كفر من لم يحكم بما أنزل الله كالقاضي يقضي بغير ما أنزل الله، والحاكم يحكم على خلاف ما أنزل الله، والمبتدع يستن بغير السنة. وهي مسألة فقهية الحق فيها أن المخالفة لحكم شرعي أو لأي أمر ثابت في الدين في صورة العلم بثبوته و الرد له توجب الكفر، و في صورة العلم بثبوته مع عدم الرد له توجب الفسق، و في صورة عدم العلم بثبوته مع الرد له لا توجب كفرا و لا فسقا لكونه قصورا يعذر فيه إلا أن يكون قصر في شيء من مقدماته. وليراجع في ذلك كتب الفقه.”
واذن فهاهنا ثلاث حالات:
حالة من يعلم بثبوت حكم شرعي ويخالفه، مثل وجوب الصلاة، فهذا كافر. وحالة من يعلم بثبوت الحكم في الدين بدون ان ينكره، فهذا فاسق، وحالة عدم العلم وعدم الرد، فهذا ليس بكافر ولا فاسق.
والآيات تتحدث كما قال صاحب الميزان عن “امر ثابت في الدين.” والدين كامل بنص القرآن الكريم: “اليوم اكملت لكم دينكم”. فما جاء في القرآن فهو من الدين، وهو كامل، وما لم يأت في القرآن فهو ليس من الدين. قد يكون أي شيء اخر، لكنه ليس من الدين. ونحن نعلم ايضا ان الدين غير الدولة، وان الدولة غير الدين. والقرآن كتاب دين وهداية وتربية وتعليم وعقيدة وقيم عليا واحكام متعلقة بالدين وبعض الامور الحياتية كالاحوال الشخصية. وما فيه واجب التطبيق على من يؤمن بالقرآن، وعلى من تتوفر فيه شروط التطبيق، كما هو الحال بالنسبة للصوم والحج “من استطاع اليه سبيلا”. اما ما لم يذكر في القرآن، من امور الدنيا والعلم والسياسة والدولة والاقتصاد والاجتماع وغير ذلك، فهذا ليس من الدين. وعدم ذكره ليس في القرآن، حاشاه، انما هي امور تركت للناس. كما هي حال “الشورى” المذكورة في القرآن. فالشورى من قيم القرآن العليا. لكن القرآن لم يوضح تفاصيلها وشروطها ومجالات عملها واشتغالها. فهذه امور تدخل في تفاصيل الدولة والسياسة والدنيا، تركها القرآن للناس، هم احرار في تنظيمها في اطار دولتهم البشرية التي لابد انها ستكون صالحة تبعا لصلاحهم الناتج من تربيتهم القرآنية، ولا بد انهم سوف يقيمون دولة صالحة عملا بالمبادئ والقيم العليا التي ذكرها القرآن لهم. وهذا هو الذي يفسر مثلا سبب وجود مجلس تشريعي في دولة تعرف نفسها بانها تطبق الشريعة الاسلامية وتلتزم بنظام ولاية الفقيه. فالناس في هذه الدولة يتمتعون بحق التشريع في المساحات الخاصة بالدولة والتي لا تندرج ضمن مساحة الدين.
ولعل الدستور العراقي كان ينظر الى هذه المسألة حين نص في المادة الثانية على ان الاسلام دين الدولة الرسمي، وهو مصدر اساس في التشريع، لكنه فصّل في ان واحد امرين، هما:
اولا: عدم جواز سن قانون يتعارض مع ثوابت احكام الاسلام.
ثانيا: عدم جواز سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية.
فهنا مساحتان نص الدستور على احترامهما، وهما مساحة “الثابت من احكام الاسلام”، ومبادئ الديمقراطية.

  كتب بتأريخ :  السبت 20-07-2013     عدد القراء :  1590       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced