العنف والتفكك الاسري وراء ظاهرة هروب الفتيات
بقلم : تحقيق / هدى العزاوي
العودة الى صفحة المقالات

ظاهرة هروب الفتيات من منازل ذويهنّ ترتبط بالدرجة الأولى بالسلوك التربوي والتفكك الأسري الناتج في حالات عديدة عن انفصال الوالدين، وممارسة الأبوين لحياة جديدة ومستقلة بعيدا عن الاهتمام بالأولاد أو وضعهم ضمن أولوياتهم. هناك حالات هروب لا يمكن تجاهلها في المجتمع ولايمكن غض النظر عنها، قد تكون فاقت توقعات بعض ممن لا يزال يعدها حالات فردية لا يعتد بها، في حين أن بعض منظمات المجتمع المدني ترى أنها وصلت إلى كونها "ظاهرة". وترى هذه المنظمات إن أسباباً عدة تجعلها غير ملحوظة أو لا يتم الحديث عنها إلا همساً، وعلى رأسها العرف العشائري الذي يفتقر الى الإدراك ويدعو الى قتل الفتاة غسلا للعار.
سمعة العائلة أهم من الفتاة
في أحيان أخرى تواجه هذه الظاهرة الكتمان لحساسية المجتمع العراقي، خاصة ان تلك الحالات مرتبطة بسمعة الأهل بالدرجة الأولى، وهذا ما يجعلها تفقد طريقها الى العلن والاعلام، اضافة الى أن وزارة الداخلية هي الأخرى تتكتم على هذه الظاهرة ولا تعطي عنها أية بيانات أو إحصاءات رسمية مما جعل هروب الفتيات ضمن قائمة المسكوت عنها في المجتمع، ونلاحظ ان تلك الظاهرة بدأت بالتفشي بصورة كبيرة نظرا للاعداد الهائلة من الفتيات اللاتي يعملن في اماكن تنافي تقاليد مجتمعنا كالعمل في مقاه ليلية روادها من الشباب فقط.
ويعتقد بعض المتخصصين إن شيوع استعمال وسائل التكنلوجيا المعاصرة من دون التنبيه لمخاطر إساءة استعمالها اسهمت إلى حدّ كبير في شيوع ظاهرة هروب الفتيات حين يكون الموبايل والأنترنت بلا رقيب فيصبح فرصة كبيرة للمتصيدين بالماء العكر وذوي النفوس الضعيفة لاستهداف الفتيات والمراهقات اللواتي أدمن قصص الحب الخيالية التي تبثها القنوات الفضائية.
(المدى) قامت بجولة استقصائية للاطلاع على أهم الأسباب والعوامل التي تدفع الفتيات إلى الهروب من المنزل.
زواج بدون موافقة الأهل
أم محمد، مدرسة لإحدى مدارس البنات، ذكرت لـ(المدى) لاحظنا ان احدى طالبتنا تغيبت عن المدرسة مدة طويلة، وبعد الاتصال بأم الطالبة لاتخاذ موقف لغيابها المفاجئ، اتضح لنا بان ابنتها تعرفت على شاب ينتمي لاحدى المليشيات، وفي أحد الأيام ذهبت إلى الدوام كعادتها إلا أنها بدل الدخول إلى المدرسة هرعت الى سيارة الشاب العاشق الذي كان ينتظرها وهربت معه بعد أيام، والحديث لأم الطالبة، اتصل الشاب بها ودعاها لحضور زفاف ابنتها ذات 15 عشر عاماً، ولعجزها وانعدام دور الاب في تربية ابنته خضعت للأمر الواقع وذهبت لحضور زفافها. وأوضحت المدرسة أن الإدارة ونزولاً عند رغبة الأم وخشيتها على سمعة البنت والإدارة أيضاً تم التكتم على الأمر.
خطف فتاة من قبل خالتها
بين نوبة الصرع وظلم العائلة وقعت أسيل يوسف عبد الرزاق لقمة سائغة بين فكي جدها والد أمها، الذي تعمد إخفاء أي أثر لها بادعاء وفاتها وهي مازالت على قيد الحياة. أسيل تحاول جاهدة أن تعود للحياة بمساعدة من منظمة حرية المرأة التي احتضنتها ووقفت إلى جانبها في محنتها الكبيرة. كانت هذه الحكاية مغزى لحكايات اخرى، إذ أن من ضمن مهنتي الصحفية طرح قصتها للعلن لايجاد حلّ تستعيد به هويتها وتسقط شهادة موتها الصادرة بحقها. تعرضت أسيل قبل هروبها الى الخطف من احدى خالاتها ودفع مبلغ 10,000 $ لاسترجاعها، وفعلا تم إيجادها في منطقة الكاظمية بعد دفع المبلغ، واحتراما لصلة الرحم قررت والدتها التنازل عن الدعوى المسجلة في مركز شرطة الكاظمية التي يمكن التحقق منها.
متوفية على قيد الحياة
منذ تلك اللحظة حاجز الهروب لم يغادر مخيلة أسيل حتى قررت ترك عائلتها والتخلص من الذنب الذي اقحمته بها خالتها في إثارة المشاكل بين والديها، ولكن ما لا نعرفه عن أسيل بانها مصابة بالصرع الذي أسقطها صريعة الأرض في منطقة الكرادة، وهنا بدأ دور منظمة حرية المرأة في انتشالها من الضياع ومن مصير مجهول كان ينتظرها، ولكن بعد مدة من صفاء حالتها النفسية والبحث في دهاليز حكايتها قبل هروبها قررت العودة الى احضان عائلتها، الا ان تلك الاحضان أضحت باردة لا تمتلك حناناً ولا دفئاً حيث اتضح ان عائلتها بأكملها وافاهم الاجل بالقتل ، وما أثار الشك والريبة بوجود مقبرة من ضمن مقابر عائلتها تحمل اسم أسيل باعتبارها متوفية!! وبعد استدراج الامر والبحث بين طياته اتضح ان من قام بمراسيم الدفن ووضع جثة غير معلومة باعتبارها أسيل هو الجد!! .
حقوق ضائعة والجد هو السبب
وتدور التساؤلات كيف استطاع الجد استخراج جثة من الطب العدلي بدون تحليل (DNA)،وما قصده من ذلك، هل وجود حقوق لها كوريث لاهلها هو السبب في ذلك؟، وما هو سبب دفنها واستخراج قسام شرعي؟، وكل تلك الأمور وقفت بعد ظهورها ومطالبتها بحقها والتعرف عليها من قبل احد اعمامها الذي تنازل عن رعايتها، وبالتالي قاضي المحكمة الجنائية في الكرخ عهدها للمنظمة لرعايتها، فتناشد الفتاة أسيل يوسف عبد الرزاق من خلال جريدة (المدى) نقابة المحامين ووزارة الداخلية ووزارة العدل وجميع المعنيين بشأنها كمواطنة عراقية لرعايتها رعاية قانونية وإيجاد حل لاستعادة هويتها.
دار الأحداث تأوي الهاربات
حكاية أخرى وهي هروب فتاة من ظلم الأب وجبروت الأم وقسوة الحياة يحدثنا عنها احد منتسبي الشرطة (م.س) قائلا لـ(المدى): لجأت فتاة الينا بعد هروبها من عدة اماكن، وبدأت رحلة هروبها من محل سكناها مدينة الموصل نتيجة لظروف العائلة التي دفعتها الى الهروب، وبدأت مسيرة معاناتها حال ولوجها عتبات شوارع بغداد، وظلت في الشوارع تبحث عن مكان يأويها كما يقول المنتسب حتى اخذتها الشرطة الى الأحداث التي آوتها لعدة سنوات، وقبل بلوغها سن الرشد أخرجت من دار الأحداث الى الشارع مرة اخرى وذاقت الأمرين، مرارة التسكع في الشارع ومرارة التحرش حتى قابلها احد الأشخاص وظنت انه انسان فاضل يبغي مساعدتها فعرض عليها العمل عند احد اقاربه في منطقة الاعظمية، فكانت مقامرة من العيار الثقيل لأنه استدرجها واعتدى عليها فهربت من جبروته وظلمه.
الشيخ المراهق
التقت الفتاة رجلاً طاعنا بالسن في منطقة الزعفرانية لتعمل لديه ولرعاية زوجته المريضة، وخشية العودة إلى الشوارع قبلت عرضه الا ان الرجل الطاعن كان أكثر دهاءً وخبثاً بمرات من المراهقين فاستغل حاجتها وتحرش بها، فلجأت للهروب مرة اخرى حتى وصلت الينا وطلبت عودتها الى دار الأحداث الا ان المدير رفض استقبالها مدعياً ان الامر بيد احد القضاة فلجأنا الى القاضي المختص وعرضنا له حالتها والرحلة المأساوية التي قابلتها، فأصدر قرار إعادتها لدار الأحداث رأفة بها.
هروب من النهوة العشائرية
هروب الفتيات له اسباب عديدة ،منها ما يحدثنا عنه احد شيوخ العشائر (ع .خ) موضحا لـ(المدى) ان من أسباب النهيبة كما تسمى لدى العشائر وهروب الفتيات اغلبها جراء النهوة العشائرية التي أصبحت مزاجا في الوقت الحاضر ، فكانت من الامور التي عاصرتنا، عندما نهى احد شباب عشيرتنا على احدى بنات عمه التي رفضت الزواج به لعدة اسباب ابرزها انه لا يناسبها ثقافيا، ناهيك عن انها مرتبطة بشاب تقدم لخطبتها اكثر من مرة، ولكن الشاب كان يجابه بالرفض كلما سعى لخطبتها ، فلم تجد حلا سوى الهروب معه ، ولكن وقع الأمر بقبضة العشيرة واصدروا حكما بحقهما ، حيث قاموا بأخذ فصل من أهل الشاب ونبذ الفتاة والتبرئة منها. بعد أن (نهبت) اشترطت العشيرة عليهما الإبقاء على حياتهما مقابل ترك المنطقة التي كانا يعيشان فيها!!.
واضاف ان الاحكام العشائرية لا تخضع الى مفصل معين فاغلب العشائر يؤيدون حكم القتل بحق الفتاة الناهبة، ولكن في الوقت الحالي هذه الامور شبه منقرضة في بعض المحافظات، وفي البعض الاخر يكون حكم القتل بصورة عامة، فالاحكام تختلف باختلاف العشائر فهناك بعض العشائر تحكم بقتل الفتاة الناهبة واخذ الفصل من الشاب (الناهب) لها وهذا الحكم لا يشمل كافة العشائر ، فبعضهم يقتل كليهما دون اخذ فصل، هذا بالنسبة الى الفتاة الناهبة بموافقتها واما بالنسبة الى الفتاة المنهوبة اي المخطوفة فحكمها ان تنبذ من قبل العشيرة وخاطفها يهدر دمه هو وأهله إضافة الى اخذ فصل(تعويض مادي ).
الحالة النفسية تفاقم هروب الفتيات
وتقول دلال الربيعي نائب رئيس منظمة حرية المرأة في العراق لـ(المدى) ان ظاهرة هروب الفتيات موجودة وبصورة كبيرة، فنسبة الهروب الان ثلاثة اضعاف ما كانت عليه في السابق، فالموضوع شائك وصعب وموجود في المجتمع. وتوضح الربيعي ان الاسباب وراء هروب الفتيات هي الحالة النفسية غير المستقرة او التفكك الاسري. واما بالنسبة الى الحالة الاقتصادية فتلعب دورا كبيرا في تمهيد الطريق للفتيات اللاتي يعانين من الفقر، وتجد من يفتح لها باب السعادة على مصراعيه، مما يشجعها على فتح الباب والخروج والوقوع بحفرة عميقة لا يمكن الخروج منها.
وتبين الربيعي بانه لا توجد صلاحية للمنظمة في ايواء الفتيات المتعرضات الى مشكلات كهذه، وبالتالي يجب تسليمها الى مركز للشرطة الذي يفتقر الى التعامل الدبلوماسي بتقديم الفتاة الهاربة الى اهلها، فيقدمونها بطريقة بشعة تدفع الى استفزاز الأهل.
الوالد السمسار
من خلال مسؤولة لإحدى منظمات المجتمع المدني استطعنا التعرف على ما تكتمت عنه وزارة الداخلية عن عدد الفتيات اللائي تم توقيفهن في شرطة شارع السعدون وعددهن 30 فتاة، أغلبهن هاربات ويعملن في أماكن موبوءة وسيئة السمعة. ومن خلال مصدر في شرطة المركز وبالتعاون مع منظمة حرية المرأة استطعنا الوصول الى واحدة من الفتيات ،وتعرفنا على حكايتها واتضح بانها فتاة تعمل ضمن شبكة لممارسة بيع الجسد تقوم بالمتاجرة فيها وبيعها عن طريق سماسرة منذ ان كان عمرها ست سنوات، وقبل ان تصل لها الايادي الرحيمة وتنتشلها من مصير مظلم من المؤكد أن كثيرات قبلها وصلن إلى نهاية هذا الطريق المظلم. هي فتاة غير شرعية قام احد الاشخاص باستلامها من مركز الشرطة بهوية تثبت انه والدها!، وبعد التقصي عن حالتها اتضح ان الذي ادعى بانه والدها لم يكن سوى سمسارا يعمل ضمن شبكة الاتجار بالنساء الهاربات وغير الشرعيات منهن.
حرية المرأة
ان هروب الفتيات باتت ممارسة تلجأ إليها الفتاة للتخلص من الواقع المرير الذي تعيش فيه، فاين الملاذ واين توعية الاهل واين يكمن دور المدارس في التربية والتعليم؟ واين دور وزارة الداخلية في تنبيه المجتمع إلى هذه الآفة؟ ومن يقف إلى جانب فتيات أجبرن على الهرب؟ بالرغم من أن الأديان السماوية والدساتير الأرضية أعلت من شأن المرأة، إلاّ أنها مع ذلك يُنظر إليها على اعتبارها عورة وعيباً. تلجأ الأسر غالباً إلى كتمان كلّ ما يتعلق بالإناث وإخفاء أيّ أثر لأبنة أو زوجة ارتكبت فعلاً شائناً بنظر مجتمع قاس يغفر للذكور كلّ خطاياهم وجرائمهم وربما يتباهى بها، وقد يصل بالكتمان حدّه الأقصى أحياناً بادعاء موت الابنة والزوجة تخلصاً من العار!!.
لعلّ السؤال الأبرز الذي قد لا نجد له إجابة، هل للمرأة حرية في مجتمع ذكوري متزمت يصرّ على عدم الاعتراف بحرية المرأة؟، وهل هناك قانون يؤيد الحكم العشائري الجائر الذي يحكم على الفتاة بالقتل دون ان يرّف له جفن؟، مع احترامنا للعشائر كمكون اجتماعي فليس لهم الحق بالتلاعب بمصائر النساء اللاتي لديهن حق كحق الرجل. وهل هناك صلاحيات لمنظمات المجتمع المدني لايواء فتيات يتعرضن الى الهروب؟ كلها تساؤلات تحتاج الى اجابة بدورها قد تحيل إلى سؤال كبير جداً: أين الحرية والديمقراطية في مجتمع يدعو لهما ولا يلزم نفسه بأي شيء منهما؟!

المدى

  كتب بتأريخ :  الجمعة 26-07-2013     عدد القراء :  1651       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced