المشروع الحضاري القرآني
بقلم : محمد عبد الجبار الشبوط
العودة الى صفحة المقالات

يترتب على القول بان القرآن “كتاب دولة” اطلاق مشروع سياسي يسعى الى بناء دولة؛ ويترتب على القول بأن القرآن “كتاب حضارة” اطلاق مشروع حضاري. يمكن القول بعدم وجود تناقض بين التوجهين، كما يمكن القول ان هناك فروقا بينهما.
المشروع السياسي يجعل حملة القرآن طرفا في الصراع السياسي في المجتمع. فلا يخلو مجتمع من مشروعات وبرامج سياسية اخرى لبناء الدولة وحكم المجتمع. والسياسة عبارة عن صراع وتنافس بين اصحاب البرامج السياسية. وحين يكون لحملة القرآن مشروعهم السياسي، فان هذا يفقدهم ميزة ان يكونوا حكما محايدا بين الناس، وأداة لجمع شتاتهم، وتوحيد صفوفهم. بل انهم سيكونون احدى مفردات الصراع ورقما من ارقام المجتمع، يخوضون العمل السياسي بكل ما فيه، حالهم حال غيرهم من اصحاب البرامج السياسية الاخرى.
وما نشاهده اليوم في بلدان “الربيع العربي”هو دليل على هذا. فقد تحول الاسلاميون في مصر وليبيا وتونس الى اطراف في صراع طويل قابل للانفجار الدموي العنيف في اية لحظة، بدل ان يكونوا سعاة خير واصلاح وسلام ووحدة بين الناس. والناس لا تفرق بين القرآن وبين حملة القرآن، فاذا غضبوا على حملة القرآن، فان هذا الامر سوف ينسحب على القرآن نفسه، فيؤول الامر الى رفض الاسلام. ما يقال اليوم عن فشل الاسلام السياسي، هو في الحقيقة فشل من حكموا باسم الاسلام، وليس فشلا للاسلام نفسه، لكن هؤلاء لم يقدموا للناس الا الطبعة السياسية من الاسلام، وهي طبعة تتحكم بها الذاتيات البشرية، حتى لا اقول الاهواء البشرية، وليست منزلة من الله. لكن الناس لا تملك القدرة على هذا التمييز الدقيق.
اننا نشاهد الان ان اشخاصا يتحركون باسم الاسلام وتحمل حركاتهم السياسية عناوين اسلامية، مثل جبهة النصرة والقاعدة والدولة الاسلامية وغير ذلك، يمارسون القتل تحت يافطة الجهاد، ويشنون حروبا طائفية ضد غيرهم من المسلمين، ويشنون حروبا ضد غير المسيسين من المسلمين، كما يشنون حروبا فيما بينهم، كما نشاهد في سوريا من القتال بين جبهة النصرة والقاعدة، وكلاهما منظمتان جهاديتان اسلاميتان، تتحركان باسم الاسلام السياسي الجهادي. حتى في العراق، فان الكثير من مفردات الخلافات والصراعات السياسية والعنفية الدائرة انما تحصل بين احزاب تحمل مشروعا سياسيا وتحمل صفة «الاسلامية». وهذا كله يحصل تحت راية القرآن الذي يقول لهم:”وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.” (سورة الحجرات: 9) ولم تنزل هذه الآية من فراغ، انما بناء على ماحصل بين مسلمين والرسول (ص) بينهم. أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: قيل للنبي (ص): «لو أتيت عبد الله بن أبيّ، فانطلق إليه وركب حماراً وانطلق المسلمون يمشون وهي أرض سبخة، فما انطلق إليه قال: إليك عني، فوالله لقد آذاني ريح حمارك، فقال رجل من الأنصار: والله لحمار رسول الله صلى الله عليه وسلم أطيب ريحاً منك، فغضب لعبد الله رجال من قومه، فغضب لكل منهما أصحابه، فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال، فنزلت الآية». وهذا ما قاله الطبرسي والقرطبي والشوكاني وابن كثير في تفاسيرهم. لكن هؤلاء الاسلاميين لا يحكمون القرآن بين انفسهم! ان المشروع السياسي الاسلامي قد يؤول على ايدي البعض من اصحابه الى ان يكون مشروعا بشريا يتصارع اصحابه فيما بينهم، باسم الله والاسلام والقرآن، وفي احيان كثيرة يكون الاسلام بريئا من المتصارعين. شهد التاريخ الاسلامي الممتد منذ حرب الجمل الى يومنا هذا حروبا اهلية بين المسلمين تخاض كلها باسم “السياسة الاسلامية”. فالسياسة فرقت المسلمين، و”الاسلامية” لم تتمكن من توحيدهم لهذا السبب.
وعلى الجهة المقابلة، قد يحمل المشروع الحضاري الاسلامي وعودا اخرى للناس.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 26-07-2013     عدد القراء :  1499       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced