كلّكم فقاعات!!
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

لا أذكر عدد الكتب التي قرأتها أو تصفحتها، عن شكسبير (أو الشيخ زبير مثلما كان يصر الراحل صفاء خلوصي على أن يسميه).. ولكنني أتذكر أنني منذ سنوات لم يمر أسبوع دون أن تطالع عيناي كتابا جديدا عن هذا الشيخ الذي تنكّر لعروبته كما أراد أن يقنعنا العقاد.. وجميع هذه الكتب تتحدث عن سر هذا الرجل وكيف أنتجت "قريحته" كل هذه السطور والعبر والمشاهد والمواقف التي لم تستطع ٥ قرون أن تطويها في "جب" النسيان. ويحدثنا لويس عوض في كتابة الممتع "رحلة إلى شكسبير" إنه استطلع آراء عشرات البريطانيين كان معظمهم يعتقد أن شكسبير قناع لأكثر من مؤلف، إذ لا يمكن لرجل واحد أن يمتلك كل هذه القدرة على تصوير الماضي والحاضر والمستقبل في آن واحد، فهو مثل كلكامش رأى كل شيء وكتب عن الضعف الإنساني والحب والجريمة.. لكنه كان وسيظل بارعا في تصوير الاستبداد والتسلط.. يكتب يان كوت في كتابه (شكسبير معاصرنا) ان الدارس لمسرحية شكسبير "مكبث" سيصاب بالحيرة وهو يطالع الدراسات التي تناولت هذه الشخصية المحيّرة.. ويؤكد أن ما كتب عن المسرحية يعادل ضعف دليل الهاتف لمدينة مثل لندن.
يقدم لنا شكسبير في مكبث صورة الحاكم المصاب بمرض جنون الكرسي. وكيف تختصر البلاد والبشر بكلمة من أربعة حروف "كرسي" والباقي مجرد كومبارس مهمتهم الهتاف لمن يجلس على عرش السلطة.. أو في أسوأ الحالات "فقاعات".
مكبث: للتراب فقاعات، كما للماء وهن من تلك الفقاعات. -أين اختفين؟
يعلمنا شكسبير الدرس الذي قاله المهرج في الملك لير: لا تفكر كثيرا في أرواح الناس لأنها مزعجة. بل لا تفكر في الناس أساسا، فهم يتوالدون. تعلم أن الناس تولد من أجلك وعليها ان تخاف من أجلك أيضا.
لماذا أصبح الخوف واقعا يريدون منا ان نعيش في ظله؟ مطلوب منا ان نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. ألم يقل مكبث: احذر ان تمد يديك لغريب لئلا تتلوث، لذلك عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك مكبث إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقا برضا رجل واحد وكأننا لا نريد أن نغادر عصر "القائد الأوحد" عصر الهبات والمنح والعطايا وأيضا العفو الخاص!
ودعونا نتساءل لماذا لا تتغير النظرة إلى الشعب الذي يعتقد قادتنا الأفاضل أنه مجرد قطيع لابد من ترويضه؟ للأسف لم نجد المالكي ومقربيه قد أصابهم الجزع وهم يشاهدون قوات الجيش تطلق النار على المتظاهرين.. لم يسألوا أنفسهم لماذا يقتل المواطن بدم بارد.. لماذا في كل حديث عن الإصلاح يهددون الناس بفزاعة الحرب الطائفية، لماذا يحشدون القطعات العسكرية في مواجهة أبناء الشعب.. ويعيدون إلى أسماعنا نفس الجمل والهتافات التي قيلت من قبل وكانت السبب في خراب البلاد، لماذا لا نجد في برنامج المالكي قضايا صغيرة عن الفقر والحرمان وكرامة البشر.. فيما تمتلئ خطبه بالكوارث "الماحقة" والقضاء على "الفقاعات" كما أخبرنا قبل يومين.
يقول يوليوس قيصر لقادة روما إن "أكثر ما يخافه الحاكم هو أن يعرف الناس عظمته والحقوق وحفظها والظلم وكيف يرفع، والإنسانية وما هي وظائفها والرحمة وما هي لذاتها".
كان المهرج في لير يضحك كلما سمع ملكه العجوز يتحدث: "هذا الرجل مصرّ على أن يقنع الناس بأن تصدق ما يقوله.. بينما هو في قرارة نفسه يضحك من جهل الآخرين وحماستهم"، هكذا يقدم لنا شكسبير صورة الحاكم الذي لا يسمع غير صوته.. ويعتقد أن مخالفيه مجرد فقاعات يمكن كنسها خلال ساعات.
الجميع أعداء ومتآمرون إلا أنت وجماعتك، لذلك لا يسمح لك بمغادرة أرض الخوف، مواطن خائف ومذعور أفضل عندهم من أولئك المغامرين بجرأتهم والمبادرين بانفتاحهم، الخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات التي لا يظهر لها دليل ولا برهان، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهدد والعقيدة والطائفة.
عندما يخرج العراقي اليوم من بيته يضع يده على قلبه وهو يقول "اللهم نجنا مما يُخبّأ لنا" فهذا المخلوق الخائف والبائس طبع على أنه لا يستحق شيئا في الحياة حتى الحلم! فهو مجرد فقاعة.
يضحك مكبث: "كلكم فقاعات.. وهذا سيفي كفيل باختفائكم".

  كتب بتأريخ :  الإثنين 19-08-2013     عدد القراء :  1579       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced