بناء عقل مصر في دستور جديد
بقلم : د. نوال السعداوي
العودة الى صفحة المقالات

لم يتحرر شعب في التاريخ دون أن يدفع ثمن الحرية بالدم‏,‏ لم تتحرر شعوب أوروبا من بطش الكنيسة والاقطاع الا بالدماء‏.‏
دفع الشعب المصري( منذ ثورته في يناير2011 وما تلاها من ثورات حتي اليوم من أغسطس2013) دماء غزيرة, وأصبحت مصر تستحق الحرية والعدالة والكرامة عن جدارة.
نحن في حاجة الي تقييم الأحداث الماضية والأشخاص أيضا, وقد سقطت الأقنعة عن كثير من الأفراد والجماعات الدينية والسياسية التي تنكرت وتلونت وخدعت الناس طويلا, تقييم ما مضي يجب ألا يشغلنا عن بناء النظام الجديد الذي تستحقه مصر بعد ما دفعت الثمن بالدم والألم.
هدم النظام القديم وتنظيف المكان ثم وضع الأساس للبناء الجديد. الأساس هو الدستور الجديد. فالدستور هو العقل الذي يوجه جسد الوطن ويسير به الي مستقبل يقوم علي الحرية والعدل والكرامة للجميع بصرف النظر عن الجنس أو الدين أو الطبقة أو العرق أو المذهب أو غيرها, لا يمكن تحقيق هذه المساواة بين الجميع دون النص الواضح الصريح الدقيق علي أن الدولة والوطن للجميع دون تفرقة من أي نوع, يعني ذلك فصل الدولة عن الدين تماما حتي يتحقق عدم التمييز الديني, ويجب النص بوضوح ودقة علي المساواة الكاملة بين الرجال والنساء في جميع القوانين في الدولة وفي الأسرة حتي يتحقق عدم التمييز الجنسي, دأبت الثورة المضادة داخل مصر وخارجها( منذ فبراير2011) علي تعطيل أي عمل لبناء دستور جديد بعقل جديد يحرر مصر من الخضوع للاستعمار الخارجي والفاشية الدينية الداخلية المتعاونة معه, منذ فبراير2011 تم تشجيع جماعات دينية متطرفة متخلفة فكريا لتكوين أحزاب سياسية, رغم أن القانون يمنع تكوين الأحزاب علي آساس ديني وتم تصعيد جماعة دينية محظورة قانونا( الاخوان المسلمين) الي حكم مصر.
وكانت النتيجة مفجعة, دستور أكثر تخلفا من دساتير القرن الماضي, برلمان هش هزلي يعود بنا الي عصور القرون الوسطي, مزيد من التمييز الديني والجنسي, مزيد من الفقر والديون والقروض والمعونات الخارجية, مزيد من التبعية للاستعمار الخارجي والتفريط في أمن مصر وأرضها وكرامتها, تدهورت الأحوال في كل المجالات حتي قامت ثورة30 يونيو2013, خرج أكثر من ثلاثين مليونا من الرجال والنساء والشباب والأطفال, يطالبون بسقوط نظام مرسي و الاخوان معا سالت دماء كثيرة, ولم يعد هناك مجال للمراوغة وارتداء الأقنعة, أصبح الصدق ضروريا والاستقامة والمواجهة أدرك الجميع أن مصر تستحق دستورا جديدا يؤكد استقلالها السياسي والاقتصادي, ويحررها من التبعية الخارجية, الدستور الجديد ليس عملا قانونيا فحسب, بل يشمل كل نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية والفنية والأخلاقية وغيرها.
من يضع الدستور الجديد هو عقول مصر المستنيرة في جميع المجالات وليس فقط في المجال القانوني يقوم الدستور الجديد علي مبدأ المساواة والعدالة والحرية والكرامة للجميع هذا المبدأ يجب أن يكون الأساس لثقافة جديدة وتعليم جديد وأسرة جديدة.
تحدث الكثيرون عن خطورة جماعة الاخوان المسلمين علي الأمن القومي وضرورة اعتبارها جماعة ارهابية, لأنها تحمل السلاح وتقتل المواطنين وتحرق منشآت الدولة وتشجع جماعات ارهابية خارجية لضرب قلب مصر وليس فقط أطرافها علي الحدود.
هناك ارهاب آخر تمارسه هذه الجماعات والأحزاب الدينية, الارهاب الموجه ضد العقل والخلق والابداع, تجاهل المباديء الانسانية العليا في جوهر الأديان وترويج التفرقة العنصرية, و الإرهاب الموجه ضد جنس النساء والأطفال البنات, وهناك العديد من الظواهر المرضية الوافدة علي مصر: فالطفلة عمرها تسع سنوات تخفي رأسها بالحجاب أو النقاب, هذه الطفلة الموؤودة تسير أمامنا كل يوم داخل كفنها الأسود وهي علي قيد الحياة ؟
انها تجسد الارهاب ضد العقل هذا الارهاب يقتل عقول النساء منذ طفولتهن, يصبحن أمهات بلا عقول, ينشئن أطفالا بلا عقول, هذا الارهاب المسكوت عنه, لا تتحدث عنه الأحزاب المدنية( يمين ويسار) مجاملة للأحزاب الدينية, ولتقسيم الدوائر الانتخابية بينهم ثم كراسي الحكم. في الدستور الجديد لا بد من نصوص واضحة تحرم الارهاب الفكري بكل أنواعه, وبناء ثقافة وتعليم وقيم جديدة تعيد بناء العقل المصري منذ الطفولة, فالأطفال البنات ليس لهن حزب وليس لهن قوة, وإذا تغلبت القوة علي الحق فهذا هو الارهاب.

  كتب بتأريخ :  الخميس 22-08-2013     عدد القراء :  1557       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced