صنيعة عدي يتسلل إلى القوات المسلحة: من حَوْل المالكي "يُظلّل" العسكر بإعلانات سكائره؟
بقلم : فخري كريم
العودة الى صفحة المقالات

أعرف منذ زمن أن لا حياء بات يردع الطبقة السياسية الحاكمة، ولا أحد صار باستطاعته أن يوقف تسلل وباء الرشى، وانتشار المصاهرة غير الشرعية بين أفرادها وعوائلهم، من جانب، ورجال الاعمال وشركاتهم من جانبٍ آخر. كما اصبح محالاً محاصرة "التخمة" من أكل الحرام و"الزنا" الاقتصادي، الذي تجاوز المعدلات و"الصيغ" المتعارف عليها، ليتم استحداث اساليب جديدة لم يسبق لسوق الاوراق المالية، ان تعرّفَ على اسرار مداخلها وسطوة نفوذها.
وقد لا يعرف المواطنون، حتى الراسخون في العلم منهم، ان قادة الدولة، من وزراء ومتنفذين كبار ورؤساء مؤسسات، اصبحوا حملة الأسهم الاكبر، في الشركات من "الباطن" او حاملي "حصص" باسماء الغير في المقاولات والمشاريع الحكومية الكبرى، ومنهم من يصر على تسلّم حصته سلفاً، "كاش"، حتى قبل الشروع بحفر باطن المشاريع!. وصار من المحال ان يتمكن اي رجل اعمال او شركة أجنبية، من النفاذ الى "جسد دولتنا" التي تتعاطى "زنا الفساد" دون المرور على سماسرتها المعروفين بالاسماء والعناوين، ومكاتبهم وممثلياتهم في العواصم العربية والاقليمية. وليس صحيحاً، ما يقال من ان القادة الكبار ومرافقيهم وابنائهم، الذين ولدوا وترعرعوا في بلدان اللجوء، لم يتعلموا شيئاً، غير التحايل على صناديق الدعم الاجتماعي للحصول على اعانات اضافية، بإشهار الطلاق الشكلي امام السلطات الحكومية، للحصول على بيت ثانٍ وراتب اضافي، وبدل سفر لدفن الاب او الأم او الاخوال والاعمام، الذين تكتشف السلطات بمحض الصدفة، انهم يموتون اكثر من مرة. فهؤلاء القادة التقطوا سبلاً اوفر في مضاعفة الرزق، بعد ان تبين لهم جدوى، فتح شركات "اوف شور" في الملاذات التجارية الآمنة، وتنويع مراكزها، ليتسنى لهم امرار الصفقات التي تشترط "التندرات الحكومية" عدة عروض من مناشئ مختلفة، للقبول بواحدٍ منها. وربما يعتقد البعض ان هذه الوسيلة التي صارت ممارسة لاغلب منتسبي الطبقة الحاكمة الفاسدة، وابنائهم وذويهم وأولي القربى منهم، صعبة المنال وتحتاج الى براعة لاخفاء آثارها. والحقيقة المُرَّة تشير الى ان احداً من هؤلاء، لم يعد يهتم بارتداء "طاقية الإخفاء" للتستر على صفقاته وعلاقاته التجارية المشبوهة! بعد ان اكتسبت شرعيتها من الحماية الرسمية التي أغدقها عليه، مكتب رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة، ومنه شخصياً، بتلويحاته المتكررة، بكشف ملفات الفاسدين وفضح صفقاتهم المشبوهة، ثم يعمد الى سحبها، وإخفائها في أدراجه السرية بعد ان يكون قد حقق المُراد من التهديد بالتلويح، وبعد ان يكون قد تنبّه او نُبِّهَ، الى ان الفساد يعشش على بعد خطوات منه!. والمغفل من يدعي خلاف ذلك.
والغريب ان كثرة من ذوي النوايا الحسنة، ومن الذين عُميت أبصارهم جرّاء إصابتهم باللوثة الطائفية والانحياز الذليل للباطل تحت تأثيرها المُخَدِّر، ظلوا محصنين بقناعاتهم ومواقع دفاعاتهم، حتى بعد ان اصبحت الوقائع التي كان الناس يتداولونها باعتبارها مجرد شائعات مغرضة تستهدف المالكي وفريقه، حقائق بات التعرف على مظاهرها مباحاً لمن يريد، لان المتورطين انفسهم صاروا يعتبرون شيوعها دعماً لنفوذهم، وتذكيراً لمن يشكك بسطوتهم ان لا مكان لهم في الاقتراب من مصادر الثروة والجاه والسلطان، دون كسب ودهم ورضا "جيوبهم".!
وكما ان الارهاب لا دين له، فالفساد، هو الآخر، فاسقٌ، فاجرٌ، شيطانٌ اخرس، لا دين ولا مذهب، ولا ذمة ولا ضمير له. وشركاء العملية السياسية، من الوزراء والمتنفذين، سنة وشيعة، متساوون في مستنقع الفساد، وهذا التشارك هو الذي يحول دون أي تغيير في الوضع وتعديل موازين القوى. ومن يريد ان يعرف حقيقة هذا المصاهرة، في باب "زنا المحارم"، ليس عليه سوى أن يتصابر وهو يراقب عن كثب، حركة القادة وصراخهم، ولقاءاتهم، ثم تلاشي فقاعات كلماتهم، كما هو حال أية ظاهرة صوتية.
(2)
بعد سقوط الصنم، في نيسان 2003، احتدم العراك الضاري بين كبشين مثقلين بتجارة السكائر، التي كان لعدي صدام حسين حصة فيها، استمر العراك على من يرث وكالة شركة السكائر المشهورة التي يدر صنف واحد منها سنوياً مئة مليون دولار، حسب ما يتداول الطرفان!
وما يلفت النظر، ويدفع الى مزيد من اليأس حول اصلاح أحوال البلاد والعباد، أن من حسم العراك لصالحه، هو من كان شغيلاً عند عدي، وهو فلسطيني، سوري الجنسية، وربما يحمل الجنسية الأردنية ايضاً، وغيرها. والتسوية التي تم التوصل اليها بعد سنوات، مع الطرف الآخر العراقي المسيحي، وهو احد حيتان السكائر والكحول والأعمال، سلطت الأضواء على واحدة من اخطر شبكات النفوذ والتواطؤات والتصاهر بين الطبقة السياسية والفساد.
فطوال سنوات الخلاف بين الكبشين، كان الفلسطيني ينجح في تطويق خصمه بعشرات الدعاوى امام مختلف محاكم البلاد، ويعرضه لملاحقة الإنتربول، بالمنع من السفر، والحجز على الاموال، ومن بين ابرز التهم التي كانت توجه اليه، تهمة تمويل الإرهاب، والشروع بالقتل ، وعشرات التهم الملفقة الأخرى!.
ورغم الطابع الكيدي للتهم المذكورة، واعتمادها على شاهد زور "سري" يتكرر في كل قضية، فأن المحاكم كانت تحكم عليه، ومدير الإنتربول في وزارة الداخلية ينفذ فوراً!
وبالمقابل كانت المحاكم تصدر قرارات المنع والملاحقة على الفلسطيني، ومدير الإنتربول يظل يتلكأ ويمنع جزئياً، ولا يستطيع وزير الداخلية أن يفعل شيئاً رغم وضعه في صورة سلوك موظفه !. والانكى من ذلك ان المُلاحق الفلسطيني، كان يدخل ويغادر بغداد من مطارها الدولي، ويُستقبل ويودَّع بموكب حماية، مثل اي مسؤول متنفذ!
لم اترك جهة، توهمت بأنها احرص مني على حياض هذا الوطن البائس المبتلى، دون ان اطرق بابها، لأحذرها من استفحال هذا الخطر المتمثل بشراء الذمم، ونجاحه في اختراق الحواجز الامنية، وصار بإمكانه فتح حدودنا أمام الارهاب بيسر، وتعريض حرية وحياة المواطن، بالوشاية وتلفيق التهم وبالاعتماد على المخبر السري الى الاعتقال التعسفي والسجن، مادام شريكاً لعدي، متنفذا الى هذا الحد في تحريك الدعاوى امام محاكمنا، ويستطيع ان ينفُذ من خلال ثغرات القوانين وفساد الاجهزة، الى اخطر دوائر ومؤسسات الدولة. ذهبت كل جهودي واتصالاتي أدراج الرياح، ولم احصد سوى المزيد من الفشل والخيبة.
لكن الخيبة الحقيقية، واجهتها حين علمت بان نائباً متنفذاً، رئيساً لإحدى اللجان، شيعياً حتى النخاع، لا يتعفف عن الذهاب بقدميه، ليتوسط لدى اكبر مرجع قضائي، طالباً منه تقديم المساعدة للمواطن العربي المسكين، تاجر السكائر الفلسطيني!
اتصلت بمرجعه السياسي وقتذاك واخبرته بالواقعة ، واشعرته ان صاحبهم يرتكب اكثر من خطيئة بمثل هذا التدخل السافر. اذ ليس من حقه كنائب ان يتدخل في شأن من شؤون السلطة القضائية، أولاً. وثانياً انه يضع نفسه في موضع المساءلة بالتدخل في شأن تجاري قد تثار الشبهة عليه بتورطه بتسلم رشوة، او بشراكة مع من يتوسط له. ومن باب الاستغراب قلت للمرجع المذكور، وهو حيٌ ونافذ سياسياً، أليس من الغريب مثل هذه العلاقة بين شخصية "شيعية مرموقة" متطرفة، وتاجر فلسطيني "سني"؟
ادركت حينها، أن القتل على الهوية لا يطال، سوى "أبناء الخايبة" من فقراء الله، عباد الله من السنة والشيعة، وعند عتبة المال، ينسى عتاوي وامراء الطوائف، هوية معاوية ويزيد، ويتعامى عن مأثرة الحسين، وقد سَدَّت منافذ الرؤيا عليهم، حقائب الدولار والبترول.
لنتخيل ما كانت النتيجة..!
النائب اصبح وزيراً مرموقاً...
ويا له من وشم، ولحية يشع منهما نور التقوى والورع..
(3)
قبل اشهر، وقد كدتُ انسى امر الخلاف بين الغولين الفاسدين، تذكرت، ان مسؤولاً برلمانياً كبيراً آخر تدخّل في الوساطة بينهما، وليس ذلك ما يعنيني، ولكن ما لفت نظري، اعلان الفلسطيني امام النائب المتنفذ الشهير، انه يلتزم بإيقاف جميع الملاحقات والدعاوى واحكام الحجز ومنع السفر على خصمه، كشرط من شروط التسوية.!
وجواباً على استفسار السيد النائب، كيف..؟ قال الفلسطيني بمنتهى العفوية، من فعلها، يلغيها..!
والنائب المفوه، ما زال يرطن بالعدالة وحقوق المهمشين..!
(4)
علينا أن نشجع الاستثمار. فالخير وفير، وهو قابل للقسمة والمشاركة بين اللصوص الكبار. ودولتنا اللادولة، لم تترك أحداً من "الرموز" التجارية، شركاء ووكلاء النظام السابق في كوبونات النفط، وصفقات الغذاء والدواء، الا ووجدت الطريق اليهم، وأعطتهم الاولوية في التعامل.
وفي هذه "السلة" من ذاك القطيع النهّاب لثروتنا، والُممعِن في نشر الفساد في مؤسسات لا دولتنا، هذا المستثمر العربي، غول السكائر. لا ضير في ذلك لو انه لم يبحر في المياه الضحلة، ويُفسد علينا متعة التأمل في ما يُخبئه لنا المستقبل، فالخير وفير، والثروة تكفي لاستيراد المزيد من الحيتان الشرهة، لتغطي على انحطاط نخبتنا وطبقتنا الفاسدة.
لم تعد تجارة السكائر تكفي، فقد تغلغل هذا الصانع لدى شريك عدي، في كل مرفق من المرافق الحيوية لاقتصادنا، اذ بات شريكاً في مصارف اسلامية، ومصانع اسمنت، وتجارة عامة وعشرات المرافق والمنشآت الكبرى.
ولمعرفة حجم الفساد واثره في الاثراء غير المشروع، في "العراق الجديد" يكفي العودة الى الارصدة وحجم الاستثمار له ولغيره، قبل سقوط النظام الصدامي، لعل في الحقائق التي تتكشف معرفة اعمق بآليات الفساد في الدولة الريعية التي ابتلينا بها.
سألت صديقا له دراية بكواليس الوضع الراهن،... كيف لمثل هذا الطاعون، ان ينفذ إلى مسامات الدولة، وأروقة البرلمان، وودهاليز القضاء، وينجح في تطويع كبار المسؤولين، وقادة احزاب اسلامية، ويضعهم على خط مصالحه وضد خصومه..؟
كان جوابه بسيطاً، قدر سذاجة سؤالي: تصور لو انه وظف خمسة ملايين دولار شهرياً من ارباح سكائره، لشراء الذمم الضعيفة، ووزعها عليهم على صورة "هبات" و"زكاة" وتغطية حملات انتخابية، وما اشبه. وتصور لو انه وزع صكوك غفران، على صورة "حصص" و"أسهم" من مشاريعه وتجارته، على ابناء وأصهار وأزلام.
(5)
لن أتصور..
بل سأكتفي بإيراد نموذج من هذا العبث بمقدراتنا، يؤشر، بوضوح إلى إمكانية التسلل إلى قلب الدولة، وذراعها الامني، المتمثل في القوات المسلحة نفسها، والنموذج الذي سأورده في غاية البساطة، لا يشي في الظاهر، ولا ينطوي على أي خطر، لا سمح الله، على امن البلد وسلامة المواطنين. ولكن دعنا، نحاول النفاذ والتسلل الى ما وراء هذا الظاهر، ونتعرف على "خفايا المستور" ونبحث عن المضمر فيه من ملامح التواطؤ والمصاهرة؟
من المعروف ان الدعاية والاعلان للسكائر ممنوع بحكم القانون، لان العالم ادرك بانه سبب أكيد للاصابة بالسرطان، ولهذا تمنع الاعلان عنه، وتتخذ تدابير متصاعدة لمنع التدخين. وامانة بغداد، بدورها تنظم دوريات تمزق خلالها، الاعلانات عن السكاير أينما عُلقت.
ولكن لاحظوا الى اي مدى يمتد ويتغلغل نفوذ المافيا المتصاهرة مع الدولة واندماجها في عمق مساماتها الرثة، بحيث تنجح بالتسلل الى مراكز النفوذ في الاجهزة الامنية والقوات المسلحة.
لقد استطاع تاجر السكائر، ان يدخل الى نسيج القوات المسلحة، فيتحايل على قانون منع الإعلان للسكائر، فيصنع "مظلات" في نقاط السيطرات العسكرية والأمنية، تحمل إعلاناً فاضحاً عن سكائره .! وكأنه وحماته يوحون للجهلة من امثالنا، بانهم إنما يتبرعون من أموالهم، "الحلال" في بناء هذه المظلات لحماية، الجنود والشرطة ورجال الامن، من ضربة الشمس الحارقة، يتفيأون بها، على حسابهم. ولا يهم بعد ذلك ان يتحول الجنود والضباط المتفيئون، الى التشجيع على التدخين، نشر السرطان بين ابناء شعبهم، اذ لا يكفي الارهاب الزاحف في كل اتجاه وهو يحصد أرواح المئات منهم.
من هو شريك وكيل السكائر المذكور؟
هل هو القائد العام للقوات المسلحة، حاشاه من توجيه الاتهام اليه في هذا العبث؟ ام هو واحد على بعد خطوات منه، حاشاه أيضاً، فلابد انه كَبُر على مثل هذه النشاطات البسيطة. وهل يمكن ان يكون وزير الدفاع السيد سعدون الدليمي؟ لا اعتقد، فهو وزير ثقافة، ولم يُعرَف احد العاملين معه وصداقاته بين رجال الاعمال بالعمل في ميدان السكائر.
لعلم من لا يعلم، ان الاعلان عن السكائر، في الاعلانات الطرقية، باساليب غير مباشرة، يكلف أضعاف أضعاف سعر الاعلانات الاعتيادية..!
للعلم أيضاً، ان احد الحيتان الكبيرة من رجال الأعمال المقرب جداً من دولة القانون صار، من اصحاب شركة اعلان طرقية نافذة، من يعرف شريكه...!؟
نسيت وضع نفسي في دائرة الاتهام، فربما فعلتها دون ان ادري.. فالفساد لا يعرف الرحمة، يسيل له لعاب من لا لعاب له..
غداً تُعرض الحلقة الاخيرة من مسلسل، "بلا ذكر أسماء"، رائعة الكاتب الكبير وحيد حامد، ولا ادري لماذا لم أضعه عنواناً لهذه المقالة الملتبسة حتى عليّ أنا.....

  كتب بتأريخ :  الأحد 15-09-2013     عدد القراء :  1487       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced