لا يمر أسبوع إلا وتقودني المصادفة إلى مشاهدة جلسة برلمانية في البرلمان الهولندي.. أحيانا اغفو عند مشاهدتي الهدوء التام داخل القاعة، النظيفة، البسيطة، لكنها الجميلة.. كل نائب يقدم مداخلته بلا (عصبية) ولا (صراخ).. لا يرتدي أي نائب قبعة ولا سدارة ولا عمامة ولا محبس، كما أن النائبات ليس على رؤوسهن حجاب حتى المسلمات ..! كل عضو يدخل إلى القاعة في وقت محدد لا يخرج منه إلا في وقت محدد حتى لو حَصَرته (بولة) أو طوّقت بطنه غازات أو امتلأت بـ(شيء آخر) فأنه لا يستطيع الخروج للتواليت إلا في وقت (الباوزة) أي الاستراحة التي يأمر بها رئيس المجلس.. طيلة وقت الدوام في البرلمان وأقله ثماني ساعات لا ترى غير وجوه شابة صبغت بعض رؤوسها بلون المشيب، يفيض النور من جميع وجوه مؤيدي الحكومة ومعارضيها.. حيوية وشباب وإصرار في نقد أداء الحكومة وفي إقرار القوانين الجديدة ثم يغادرون بلا حمايات مسلحة.. بعضهم على دراجته وبعضهم بسيارته والآخرون مشيا على الأقدام لأقرب محطة باص تنقله إلى داره..!
أحيانا أخرى تقودني المصادفة التلفزيونية لمشاهدة جلسة البرلمان العراقي.. يا سلام.. أرى العجائب التي لا أراها إلا في السيرك أو في سوق الهرج.. هذا يعكف على الصمت المطبق (الدالغة) وتلك تخطف البصر بحركتها متدلعة في ممرات المجلس ،رواحا ومجيئا.. هذا يتحدث مع زوجته بالموبايل والآخر يخابر مسئول حمايته.. نائبة محجبة بملابس سود منشغلة طوال وقت البرلمان بتغطية عظامها الميتة.. غيرها تقلب أزهار الخشخاش وأدويتها في حقيبتها اليدوية.. نائب أفندي أنيق ولا ممثلي السينما في مهرجان الأوسكار يذهب يمينا وآخر يتمشى بعقاله سريعا نحو اليسار.. هذا يطلع وذاك يدخل.. كل نائبين متجاورين يتحدثان مع بعض من دون الانتباه لمناقشات القانون الفلاني .. النائبات يتحدثن مع بعضهن حول شئون الباميا والرز العنبر والخل والجبن والحليب .. بعضهن بعمر والدتي لكنهن يتصورن أنفسهن مارلين مونرو..! آه لو ينقل لنا التلفزيون صوراً عن كافتريا البرلمان..!
يا سلام على البرلمان العراقي الذي تحوّل بقدرة قادر إلى وادي الجن .. كل جني داخل المجلس يريد الحصول على اكبر حجم من دولارات الخزينة العراقية ..! أما رئيس المجلس ونائبيه فعيونهم في حالة خوف ورعب ودهشة مما يسمعون ويشاهدون في هذا الوادي ومطباته وانحرافاته .. !
سوق هرج في البرلمان العراقي..!
