المشردون في بغداد مسكنهم الشوارع وحكاياتهم تدمي القلوب
بقلم : بغداد/إيناس طارق
العودة الى صفحة المقالات

داخل شوارع بغداد قصص واقعية تحكي وتختزن بين طيات يومياتها المعذبة جراحات الطفولة الضائعة ،ماسحو أحذية ، ماسحو زجاج السيارات على المواقف .. متسولون .. متسكعون .. وكلهم أطفال يشكلون اللوحة المحزنة للفقر والعوز والتشرد.
نسجت عشرات القصص للأطفال الباحثين عن الرزق والمتسولين والمشردين والايتام وغيرهم. حيث الشوارع تكتظ بهم والارصفة تصبح مناما وسريرا لهم ، اسباب بعضها يمكن ان يكون معلوما ، لانه مازال هناك ملايين العراقيين يعيشون بعيدين عن ديارهم بسبب التهديدات الناجمة عن استمرار العنف ، واخرون يتركون منازلهم خوفا من التهديدات وتدفعهم الى الهروب من منازلهم والتوجه نحو المناطق الآمنة في البلاد.
مشردون تحت الجسر
وما دفعنا الى الكتابة عن هذا الموضوع الخطير هو وجود فتيان وفتيات تحت جسر العدل السريع القريب من ساحة اللقاء ،هذا الجسر كان كافيا ليكون مأوى لعدد من هؤلاء المشردين، وبالصدفة اكتشفنا المكان حيث كانت سيطرة ساحة اللقاء الامنية مزدحمة جدا يوم الخميس الماضي بعدما نزلنا من الجسر الطريق القادم من منطقة حي العدل توجها الى شارع عبد الكريم قاسم (شارع 14 رمضان سابقا) حيث خرجت فتاة لا يتعدى عمرها 11 عاما كانت مرتدية ملابس رثة تحاول ان ترتبها على جسدها النحيل ليخرج فتى صغير ايضا كان يلبس بنطاله ، مع وقوف فتيان امامهم على حد تصورنا ينظرون اليهم او يشاركونهم في حجم الكارثة.
استعطاف المارة
في صبيحة يوم الجمعة كنا محظوظين بان نشاهد الفتى الصغير بعد ان تعمدنا ان نسلك نفس الطريق ، كان يجلس على الرصيف عندما اقتربنا منه لنكلمه وكان طبيعيا جدا ،عبد الله البالغ من العمر وحسب تقديرنا 11 عاما ، عبد الله لم تخذله الحياة فقط بل نسج الخوف خيوطه في خطواته الاولى نحو العمل والحصول على لقمة العيش، مستعطفاً المارة والركاب من اجل من يعطيه فتات الطعام او النقود ليعود في نهاية يومه إلى مأواه اسفل الجسر محتميا من شدة الصيف الحار وبرودة الشتاء القارص يقول : أسير أمام السيارات على أقدامي العارية غير مبال بالأخطار تاركا خلفي نظرات الشفقة والإحسان من عيون بعض الناس حينا ونظرات القسوة والاحتقار حينا اخر.
لايعلم من هي عائلته
من الذى يعتمد على طفل صغير في العمل ،ويستدرك عبد الله في حديثه ،لا اعلم من هي عائلتي وكيف جئت الى الدنيا ،لست المشرد الوحيد هناك اصدقائي ايضا من الفتيان والفتيات، نلتقي تحت الجسر وننام ونتقاسم الطعام ونفعل كل شيء ،كل شيء مباح لنا لاننا أطفال شوارع ! يبكى عبد الله على حاله قائلاً الناس يمرون بجانبنا، يروننا ونراهم يصحبون أطفالهم إلى المدارس بينما نحن في ضياع تركناه ونحن نفكر .. ربما قد يصبح قتيلاً لضعاف النفوس ومرتكبي جرائم تجارة الأعضاء , أو يموت جوعاً دون ان يجد من يرفق بحاله ليعطيه ما بقي من فضلات الطعام.
قصص مؤلمة
الطفلة عبير لايتجاوز عمرها 9سنوات احدى الايتام الذين خرجوا الى الشارع لاكتساب مهنة تكسب قوت يومها منها بعد فقدانها اسرتها بالكامل حسب قولها وشاهدناها في شارع السعدون قرب شارع 13 تجلس على الرصيف تبيع العلكة خرجت الى الدنيا دون أن تنعم بحنان الأم ،مفتقده رعاية الأب حتى اصبحت كالريشة تتبادلها العواصف والرياح من مكان لآخر .
فهي طفلة لا تنتمي لعالم الطّفولة بشيء سوى بحجمها, حتى شكلها بات أشبه بالعجوز قد أكل الدهر عليها ما أكل وشرب من عروقها حتى ارتوى، باتت كلماتها تقول : الظروف واقفة ضدي حتى استسلمت لليأس الذي شردني ووضعني في مهب الرياح تقذفني كما تشاء.
أطفال الشوارع
كلماتها كحمل ثقيل يقع على كتف من يستمع لها ،انام قرب الجامع المغلق في شارع السعدون وهو قرب الرصيف الذي اجلس عليه الان بعد ان الف نفسي ببطانية لانني اخاف من الحشرات والشباب فهم يأتون بالليل ويتلمسون جسدي وما ان اصرخ يهربون لان السيطرة الأمنية قريبة ومعظمهم اصدقائي يخافون عليّ ويعطوني من طعامهم ايضا، قالت بتعبير الطفولة بعد ان سألتنا هل نستطيع مساعدتها بإيجاد مأوى او سكن وعندما صمتنا عن الاجابة قالت : انا لا افكر كيف سيكون حالي في اليوم التالي.. عبير ليست الأولى ولن تكون الأخيرة من ضحايا اطفال الشوارع ولكنها بمثابة نموذج مصغر من ضحايا الإهمال وعدم اهتمام المسؤولين بقضيتها التي قد تتحول الى قنبلة موقوتة تهدد امن الشارع والمجتمع .
الاعتداء الجنسي
عندما نشاهد مشردا بالشارع بغض النظر عن سنه ، سواء أكان من العجزة المتخلى عنهم أم من الشباب المدمنين على المخدرات أو من أطفال الشوارع الذين تزايد عددهم مؤخرا لأسباب نجهلها ، نشمئز من مظهرهم ونحاول الابتعاد عن طريقهم واليكم هذا المشهد ،الوقت كان مبكرا جدا عندما ذهبنا الى عملنا وكان لابد من سلك طريق شارع ابو نؤاس بسبب غلق شارع السعدون بصورة مفاجئة ليوم السبت الموافق 31/8 /2013 المهم المتشرد هذه المرة كان شابا يتجاوز عمره 14 عاما كان ممدا على الرصيف وينزف دما وهذا كان واضحا فبنطاله كان ممتلئا بالدماء نزلنا قربه وحاولنا التكلم معه كان شبه فاقد الوعي ولايعي ما حدث له والظاهر هو تعرض للاعتداء الجنسي من قبل شبان مشردين آخرين .
سكن وكبسلة
احد هؤلاء المشردين كان يحمل علب الكلينكس قرب جسر الجمهورية المدعو صلاح البالغ عمره 12 عاما وهو ليس اسمه الحقيقي قال عن أسباب تشرده ومعاناته وعيشه على الهامش وبالعراء ابي جعلني اترك المدرسة رغما عني عندما كنت في الصف الاول الابتدائي ، اعيش مع مجموعة من الشباب في غرفة داخل احدى فنادق ساحة الطيران ونتقاسم الاجرة فنحن ثلاثة نشرب الكحول ونتعاطى حبوب الكبسلة لكن بين الحين والاخر ونشتريها من منطقة الباب الشرقي فهي رخيصة، مبينا ان سعر القرص 3500 دينار فقط ومن بيع علب الكلينكس احصل على المال اشتري بضاعة والباقي انفقه على الايجار وطعامي حيث اجني من الربح 5000الاف دينار يوميا لان هناك من يعطيني اكثر من 1000 دينار وهو سعر العلبة 2000 وبعض الناس يعطونا المال من دون ان يأخذوا العلب .
حكاية صابر
بينما دلنا على احد المشردين وهو طفل لايتجاوز 9 سنوات كان يقف معه يبيع قناني الماء قال لنا اسمه (صابر ) فهو لايعلم ما اسمه وجاء الى التقاطع بعد ان هرب من شخص كان يستجدي بواسطته في احدى المناطق وكان شابا بحسب قوله ويتناول الكحول ويعتدي عليه وهو يتألم ويبكي لهذا هرب حافي القدمين ووصل بعد ان سار يوما كاملا من مكانه ليصل الى تقاطع الجسر ،وساعدته لانه طفل ولايملك المال وينام معنا في الغرفة تقربنا منه وجدناه صامتا لايتحدث ومبتعدا عن الناس ،وهذه نتيجة تعرضه للضرب والاعتداء ،هذه نماذج من اطفال الشوارع فهل سينجو صابر من الاعتداء الجنسي ويعيش الحياة بسلام ؟



إحصائيات وأرقام
عرف قانون الأحداث رقم 76 لسنة 1983، “المشرد” بأنه كل حدث لم يتجاوز الـ15 من العمر ويعثر عليه من دون مرافقة ولي أمره وهو يتسول في الاماكن العامة، او يمارس متجولا مهنة مثل صبغ الأحذية او بيع السكائر، او اية مهنة اخرى تعرضه للجنوح. كما عد القانون الحدث “مشردا” اذا لم يكن له محل إقامة معين او اتخذ الأماكن العامة مأوى له ولم تكن له وسيلة مشروعة للعيش، او ترك منزل وليه من دون عذر مشروع.
ويؤكد مركز مراقبة المشردين عن بعد في ايلول سبتمبر العام 2007 وجود مليوني مشرد داخل العراق. المحافظات الشمالية 800900 والمحافظات الوسطى 740500، والمحافظات الجنوبية 714600 المجموع 2256000 كما ان غالبية المشردين من النساء والاطفال ويقدر بعضهم نسبة الاطفال بحدود 30% بسبب التشرد الذي يترك الاطفال عرضة لمخاطر الاصابة بالامراض في ظروف نقص الرعاية الصحية ونقص التغذية وتعرض الكثيرين من الاطفال لسوء المعاملة. يذكر ان فكرة وجود دارين للمشردين في كل العراق هو من أكثر الأسباب “غرابة” كما يرى الخبراء والباحثون، فقياسا الى حجم سكان العراق البالغ نحو 33 مليونا، وقياسا للاوضاع التي مر بها العراق من حروب ومآس، سيكون التغاضي عن الحاجة الماسة لزيادة عدد الدور الخاصة بالمشردين "كارثة انسانية" على الدولة تداركها كي لا تضطر لاحقا الى بناء ثلاثة سجون جديدة مقابل كل دار لم يتم تأسيسها بعد.

اليونسيف: 30% من الاطفال لايذهبون الى المدارس

لجنة المرأة والأسرة والطفل في مجلس النواب اشارت  الى ان الاطفال هم الاكثر تضررا من الوضع الراهن مشيرة الى ان 20% من ضحايا تفجيرات العنف هم من الاطفال وان 35% من المهجرين والمهاجرين هم من الاطفال وكانت منظمة (اليونسيف) التابعة للامم المتحدة ذكرت ان حجم الكارثة التي يتعرض لها اطفال العراق كبير جدا وتبين ان نسبة الالتحاق بالتعليم الابتدائي بلغ 66% وان نسبة 21% من الفتيات في سن الدراسة لاتذهب الى المدارس بسبب اعمال العنف.و سبق ان نشرت صحف عراقية في وقت سابق وعلى لسان مسؤول في جمعية رعاية الطفل العراقي وهو (حسن جمعة) السكرتير العام للجمعية ، تصريحا عن تعرض اكثر من 100 طفل للاغتصاب في البتاوين. واكد ان لديه وثائق تثبت ذلك من ضمنها شريط مسجل على قرص مدمج لبعض حالات الاغتصاب.

باحث اجتماعي:الموضوع متشعب
بينما يقول الباحث الاجتماعي عبد الزهرة ماجد في اتصال هاتفي مع المدى ان : نمو وانتشار التجمعات العشوائية التي تمثل البؤر الاولى والاساسية والمستقبلية لاطفال الشوارع. والحروب والتهجير وفقدان احد الوالدين يضاف اليها التسرب من التعليم والدخول مبكرا الى سوق العمل إضافة إلى الأبناء غير الشرعيين. والتفكك الاسري نتيجة الطلاق بين الوالدين واستدرك عبد الزهرة في حديثه قائلاً: ان الموضوع متشعب وذو ابعاد متعددة واسبابه كثيرة في مقدمتها تفشي الفقر والتفكك الاسري والزنا بالمحارم مما ادى الى تفشي ظاهرة اطفال الشوارع واستغلال البعض لهم باعمال غير مشروعة وحتى زجهم في العمليات الإرهابية وحدثت الكثير من تلك الحالات باستغلالهم وجعلهم يحملون عبوات ناسفة مقابل المال وهم لايعلمون ماذا سوف تكون النهاية بحسب قول ماجد، مؤكدا بعدم تردد المسلحين عن استخدامهم في هجماتهم او قتلهم في اعمال انتقامية بعد ان يغرروا بهم ويجعلوا منهم قتلة رغما عنهم، لذلك لابد من تفعيل دور الاجهزة الامنية وتوعيتها بخطورة هذه الظاهرة وتكليفها بالتقاط الاطفال المشردين وايداعهم في دور الرعاية الاجتماعية كحل احترازي.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 18-09-2013     عدد القراء :  1586       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced