أول خطوة فوق سجادة "وثيقة الشرف": أوقفوا التهجير القسري والقتل على الهوية...
بقلم : فخري كريم
العودة الى صفحة المقالات

(1)
ليس من شيمة الوطنيين العراقيين، أن يبددوا جهداً أو مسعىً يستهدف إيقاف نزيف الدم الطاهر، وإعادة لَم شمل العراقيين الذين ضاقت بهم ديارهم وانتُهكت حرمات بيوتهم، وصار الواحد منهم يتلفّت في كل اتجاه، لعلّه يتعرف على هوية قاتله، ويستظهر نواياه كأمنية أخيرة. وكل واحد منا يختنق وجعاً، وتَسْوَدُ الدنيا في ضميره، وهو يتابع مشهد التهجير والقتل اليومي على الهوية، على الضفتين، شيعياً تتناثر أشلاؤه وتتفحم، وسنيّاً يُقتل بحسرة أن يعرف قاتله قبل أن يُساق محمولاً على نعشٍ مع أسرته وعشيرته، مقصيّاً على كراهة منه عن مقابر أجداده الذين لم تُفرقهم الهويات.
وليمة "وثيقة الشرف" التي تنادى أصحاب مطابع الهويات لإقامتها، حَفِلت بأطايب "الكلام" المُتَفَحِّم لكثرة اجترارها، وكّل يُغلظُ الأيمان بانه قمين بحفظ وثيقة الشرف في حرز امين لن تطاله أيدي القتلة على الهوية، وإن اضطر ان يَكمِن لهم ويأخذهم بالجرم المشهود.
فالوثيقة التي امتحنت صبر النائب شهوراً، هي الشرف، ولتتواصل بعد ذلك صولات الذبح والتفجير والقتل والتهجير، فلكل قاتل أو قتيل مكان في الجنة أو مأوىً في الجحيم.
ليس للعراقي حق الشماتة. فهو "معجون" في حصاد القتل، مُكرهٌ على القبول بالفجيعة، يتقاسم "فسيفساءها" مع بني وطنه، وهم يصفّونها كحجر بلون الدم المتيبس، كيفما شاؤوا، ما دامت خارطة الوطن تستعيد بهاءها، وهي تكتمل بتضاريسها وتعددها وتنوعها، وإن بالدم المتيبس، دون ان تفرق بين دمٍ متيبس لسني، او دمٍ متيبسٍ لشيعي.
طغى الفرح على وجوه موقعي وثيقة الشرف، وهم ينجزون مأثرتهم التي اعدها لهم النائب بعناية فائقة وبجهد استغرق مساحة من الزمن زادت على طوابير جثامين العراقيين اليومية الذين تناثرت أجسادهم الطاهرة نحو السماء واخترق الرصاص الغادر رؤوسهم التي ظلت حتى اللحظة الأخيرة، مرفوعة تنتظر رحمة الله.
لا مكان للقلق في وليمة الشرف. فالقلق ليس من شيمة الرجال، فكيف اذا كان المحفل وليمة رجال تزيّنت هاماتهم بتيجان السلطة وصولجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟!
(2)
انتهت وليمة الشرف، وتفرّق القوم من العلية المشهود لهم بالزهد والصدق والشجاعة والنزاهة واليد البيضاء. وظل الامل معقوداً على كلمة الشرف التي وقع عليها المجتمعون، بماء الورد الممزوج بالزعفران. وسيظل العراقي يتوسد وعودها الوفيرة، مستغرقاً في أحلام يقظة لا تنتهي، بانتظار نهاية ولائم قتله وتهجيره وسبي آله وذويه.
وهو يجتر احلام يقظته، يظل العراقي يردد مع نفسه، الم يكن ممكناً ان يمّن المحتفلون بالشرف المهدور على امتداد الوطن، بفرمانٍ يحوّل وجوم المتلصصين على وقائع وليمة شرفهم، ويدفع الشبهة عنها باعتبارها، مجرد خديعة جديدة، تكمل سلسلة الوعود التي ماتت في أدراج المحتفى به، صاحب الأمر والنهي والنعمة والسلطة المباحة له، ولا شريك له؟
أكان فائضاً على الوليمة، لو أنها اقترنت بـ"ظِل اجراءٍ" لن يستقطع مقدار شعرة من هيبة السلطان، وصلاحياته وانفراده واستكباره وعجرفته وامتيازاته؟ وهل كان كثيرا أيضاً لو ان الوليمة أذاعت للناس المشككين، قراراً يُعَينُ بمقتضاه، وزير للداخلية، وآخر للدفاع، وغيرهما لشؤون الامن والمخابرات؟
(3)
هل للعراقي أن يشمت؟! وهل للشماتة أن تصيب غيره، وللمصائب أن تنال إلا منه ومن آل بيته وجيرانه؟
ولأننا لم نشمت ولن نركن إلى الشماتة، سنأخذ وليمة التوقيع على "وثيقة الشرف" على مأخذ الجد، وكأننا، كلنا، سنة وشيعة ومن كل الاديان والمذاهب والعقائد، والمكونات المطمورة في باطن الارض، قد وقعنا على الوثيقة بالدم، لا بماء الورد والزعفران. وسنضع "شرف كلمتنا" مع الموقعين من عليّة القوم وننتظر الفرج.
وعهداً علينا ان نجوب كل زاوية من ارض العراق الجريح، ونجمع تواقيع شرف العراقيين، مغموسة بدمٍ طاهرٍ غير ملوثٍ بالخديعة والبهتان وأكل الميتة والفساد، ونحملها على رؤوسنا مواكب إثر مواكب، نزفها الى قصر السيد النائب، بعد أن نطوفها على قصر السلطان والأمراء، عرفاناً بالجميل، اذا توقف القتل على الهوية والتهجير والسبي. وليس لنا من مطمعٍ آخر، فنحن نعرف ان القتلة من رهط التكفير، لا دالة لنا عليهم، فأمرهم خارج حدودنا، وطاعتهم لا ولاية لنا عليها.
أوقفوا القتل على الهوية، وضعوا حداً للتهجير، لكي يصبح "الشرف" منزهاً بذاته ولذاته، وقد اختفت من حروفه، رائحة ماء الورد وصباغ الزعفران..!

  كتب بتأريخ :  الأحد 22-09-2013     عدد القراء :  1637       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced