للذين يتاجرون بالشيعة
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

يتشاطر البعض من الذين امتهنوا السياسة مؤخرا، على تصوير الأزمة العراقية على أنها خلاف بين طوائف الشعب، وأنها معركة بين معسكر الشيعة من جانب وأعدائهم السُّنة من جانب آخر، وهي شطارة استطاع مروجوها والمخططون لها من الحصول على المنافع والمناصب والامتيازات، وان تنتج لنا في النهاية برلمانا طائفيا وحكومة محاصصة مقيتة، وكان ظهور أمراء الطوائف بوجوههم الكالحة أول خرق للتنوع الديني والاجتماعي والثقافي الذي امتاز به العراق على مـرّ عصوره.
يوم أرسل الأمير فيصل الذي أصبح في ما بعد ملكاً على العراق رسالته الشهيرة إلى عدد من الشخصيات السياسية العراقية يسألهم فيها: ما نوع الدولة التي يرغب العراقيون بإقامتها؟ وهل هم متحمسون لدولة يقودها نظام برلماني مدني أم إلى دولة يحكمها ملك من خلال الشريعة الإسلامية؟ ويفاجئنا الجواب الذي اتفق عليه معظم الساسة آنذاك وهو ان الجميع متفقون على إقامة دولة مدنية قوامها المساواة بين جميع الطوائف.
كان هذا سنة 1917، وكان العراق آنذاك نموذجاً للدولة المقبلة على الحرية، نوابه ووزراؤه من نخبة الناس، عاصمته تزدهر فيها الثقافات والتجارة والمدارس وتبنى فيه الجامعات، كان الرصافي يوجه خطبته الشهيرة لأول مجلس نيابي يؤسس في العراق قائلا: ان الملك لم يخلق لتكون البلاد له، بل هو نصب ليكون خادماً للبلاد والعباد.
بعد الرصافي يأتي الزهاوي الذي يطالب في مقالة ينشرها في صحيفة المقطم المصرية بإحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة في حكم البلاد،، فيما رجل معمم من عائلة شيعية معروفة مثل جعفر أبو تمن حين يقرر ان يؤسس حزبا ديمقراطيا، يذهب اختياره إلى سياسي لا ينتمي إلى طائفته وأعني به الشخصية الوطنية المعروفة كامل الجادرجي.. في ذلك الوقت يكتب أبو التمن "الطائفية داء ومن عمل بها سحقته عجلة العراق الجديد" آنذاك يعلو صوت الشيخ علي الشرقي ضد الطائفية وأساليبها الخبيثة، كاشفاً زيف دعوات البعض بأبيات من الشعر ذهبت مثلا آنذاك: انظر إلى سبحته... ترى الذي أقول لك
شيطانه كخيطها... بين الثقوب قد سلك
كان هذا عراق العشرينات حين وضع العراقيون على اختلاف دياناتهم عقداً اجتماعياً في ما بينهم يحقق مصالح الجميع ويدافع عنه الجميع.
أسرد هذه الشواهد لأثبت أن الحكاية في العراق ليست صراعاً مذهبياً مثلما يحاول منتفعو السلطة تصويرها للعالم، لأن رموز الطائفية السياسية دأبوا منذ اللحظات الأولى على استخدام سلاحهم الأثير في إيهام الرأي العام بأنهم يدافعون عن مظلومية طوائفهم، فيما المعركة كانت بالأساس معركة اقتسام الغنائم، وخطف الوطن، وإعلاء المصالح الشخصية على حساب مصالح الناس، وترسيخ قيم المنفعة والاستحواذ والانتهازية.. من هذا المنطلق يأتي التصريح الأخير للنائب عدنان الشحماني الذي طالب فيه الشباب الشيعي للاستعداد لساعة الصفر التي سيعلن فيها الشحماني حربه العالمية ضد السُّنة في عدد من مناطق بغداد.
كم ضحية قُتلت بسبب خطب أمثال العلواني والشحماني ومن قبلهم عدنان الدليمي.. لماذا لا يرى الشحماني أن الخطر الحقيقي الذي يواجه الشيعة كما يواجه السُّنة، هم سياسيو الصدفة الذين عاثوا فساداً في البلاد؟ نعم الشيعة في خطر مثلما البلاد في خطر كبير، ولكن ليس السبب الرئيسي عمليات التهجير التي تقودها ميليشيات مرتبطة بأحزاب وكيانات سياسية، وإنما السبب الاكبر سياسيي الطوائف الذين سرقوا أحلام وآمال الناس ومعها ثرواتهم وأمنهم واستقرارهم!
فماذا يعني أن يعيش ملايين الشيعة حياة تعيسة وبائسة، من أجل أن ينعم ممثلوهم في البرلمان بالحياة الباذخة والقصور والامتيازات والمصفحات؟!
البرلمان كيان وطني يجب أن يظل محايداً ولا بــدَّ أن يظل على مسافة واحدة من كل العراقيين،ومهمته توفير الطريق لسعادة كل فرد، نعم كل فرد، لا أفراد بسبب طائفتهم أو لونهم أو انتمائهم السياسي، ولا يجب أن يخضع البرلمان إلى تفسيرات أو تصورات أي جماعة ترى في نفسها أنها الأحق في الحياة من دون غيرها.
هل نبني دولة بخُطب الطائفية بعد أن سُرقت منا بشعارات الطائفية أيضا..؟
لا دولة حديثة يُقيمها نواب يستثمرون الطائفة من أجل المــال والمنصب!

  كتب بتأريخ :  الأحد 29-09-2013     عدد القراء :  1608       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced