المشهد العراقي ...بين الاستعصاء والامل
بقلم : تحسين المنذري
العودة الى صفحة المقالات

لم يعد في جعبة المواطن ما يعطيه دفعة أمل في تغير الوضع القائم ، وبات المتفائل في نظر الكثيرين ساذجا ، أو هو يعيش خارج الواقع ، فكل شيئ يسير نحو ترد ٍ مريع ، وكل وعود الديمقراطية والتقدم صارت هواءا في شبك ، فشعب يعيش كل يوم بل وكل لحظة على هاجس التفجيرات والمفخخات والعبوات الناسفة والكاتم ، والخطط الامنية الفاشلة لايمكن له أن يبحث عن فسحة رجاء سوى  البقاء على قيد الحياة ليوم آخر لاغير ، بل إن البعض ليس له أمنية سوى  الموت بطريقة رحيمة لا يتعذب فيها ولايعذب الاخرين ، وباتت العناوين السياسية التي تلقفتها ورددتها أفواه المواطنين بلهفة وتفاؤل في أول الامر ، ليست اليوم سوى أكذوبة لا يتمشدق بها سوى سياسيي الغفلة والمستفيدين من الواقع المرير على حساب الشعب المكتوي الصابر .
العملية السياسية
كان لصدى حراك القوى السياسية وتشابكها وإستقطاباتها وصراعاتها أحيانا وقع النسيم العذب لدى الشعب بعد عقود سوداء غابت عنها إختلافات الرأي والتعددية والتباين في وجهات النظر والتنافس على جذب أصوات الناخبين وكل شيئ له علاقة بتطور العالم المتمدن ، وباتت العملية السياسية بكل ما تحمله من أجواء جديدة محط إهتمام ومتابعة حتى من لدن المواطن البسيط ، بل إن الدفاع عنها صار دفاعا عن الواقع الجديد الناشيئ بعد إنهيار النظام الدكتاتوري المقيت ، لكن هذا الانبهار خفت بريقه بعد أن صارت العملية السياسية يوما بعد آخر سببا في تمزيق لحمة المجتمع العراقي ذلك إن بناءها تم على أسس معوجة ولم يكن إدعاء التوافق الا تغطية لتقسيمات طائفية وأثنية أدت الى غياب الخطط المبرمجة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بسبب من تبوء المناصب الحساسة والهامة شخوص غير أكفاء أتوا بحكم إنتماءاتهم لقوى تتبنى تلك التقسيمات غير الانسانية، دون إمتلاكهم لأي دراية في إدارة مؤسسات مسؤولياتهم والتي يتوقف على إدائها تطور المجتمع ، بل ولم يمتلكوا أية رؤية مستقبلية لما يمكن أن يؤول اليه الحال ، وبذلك فقد تحولت العملية السياسية الى نقمة يتمنى البعض التخلص منها دفعة واحدة هي ورموزها حتى ولو على حساب إجهاض الامل بديمقراطية منشودة .
القوى المتنفذة في الحكم
منذ تأسيس المؤتمر الوطني العراقي برعاية أمريكية ومن ثم توالي لقاءات قوى المعارضة العراقية آنذاك مع بعضها أو مع ممثلي الادارة الاميركية وما تلى ذلك من مؤتمري لندن وصلاح الدين ومن ثم بُعيد الاحتلال مباشرة برزت القوى الطائفية كقوى رئيسية تتبنى المشروع الامريكي في العراق ، ورافقتها القوى القومية الكردية وبعض المحسوبين على القومية العربية ، والتي لعبت جميعا دورا كبيرا في تفتيت وحدة الصف العراقي  وتغييب المشروع الوطني ، حتى بات الانتماء الى الوطن نغمة بالية ، وبرزت الانتماءات الثانوية التي تصدرت المشهد بدعم وإسناد من قوى إقليمية ودولية وعلى رؤوس الاشهاد بلا خجل أو تردد ، مع تصدي كل هؤلاء لقيادة دفة البلد حتى عمَّ الخراب كل شيئ من الامن الى الاقتصاد الى الخدمات والاهم الى نفسية المواطن العراقي الذي فقد الامل بإمكانية الاصلاح والتغيير مع هؤلاء الذين فقدوا عن دراية هويتهم الوطنية ، وبات المشهد بالنسبة لهم ملعبا لتنفيذ مخططات الغير مقابل فرهدة خيرات البلد وتسمين بطونهم وملئ جيوبهم في صورة مخزية من الفساد المالي لم يعودوا يخجلون منها ولا يسعون لاخفائها . لم يعد الرجاء معقودا على نواصي هؤلاء وليس من ضوء في آخر النفق ولابد لكل القوى والشخصيات الوطنية بحق الابتعاد عن هؤلاء وعدم الارتكاز على فترة العمل في المعارضة سوية أو ربما كان هناك شيئ من التعاون في هذه الفترة أو تلك حتى بعد الاحتلال ، وأي تصور آخر سيفضي الى سقوط القوى الوطنية في براثن الطائفية وتشويه سمعتها بالفساد والتردي المريع ، فلابد من عزل هذه القوى الطائفية ـ الاثنية تمهيدا لتحشيد الشارع العراقي في مواجهة سياساتها بل تخبطاتها وغياب برامجها وتمسكها بمقاليد السلطة على حساب أمن وراحة المواطن
القوى الديمقراطية والقوى اليسارية
رغم التباين في منطلقات وروافع هاتين الكتلتين إلا إن الظروف التي مرت بها كلاهما جعلت منهما يقفان  في خندق واحد ، ففي زمن الدكتاتورية تم إقصائهما مثلما تم إقصاء كل القوى السياسية الاخرى المعارضة للحكم ، وما بعد الاحتلال وتصدي قوى الاسلام السياسي للحكم كان من الطبيعي أن يتناقض ذلك مع مشروعيهما في بناء دولة مدنية ديمقراطية ، ورغم التقارب الموجود حاليا بينهما إلا إن ذلك ليس كافيا لكي يتصدرا المشهد نتيجة لعوامل عدة ، مما يستدعي مراجعة شاملة وبالاخص القوى اليسارية المتشتتة الى الان ، لكل برامجها وشعاراتها وأساليب عملها التنظيمي والجماهيري ، بل وحتى لمرتكزاتها الفكرية دون الخروج عن الطبيعة التغييرية العلمية لاسس الفكر الذي نشأت على ضفافه ، وبدون ذلك فستبقى هذه القوى تعمل بجهد عضلي أكبر منه فكري ،وقد تغيب عنها تصورات تتلائم والواقع المتردي ، لكن كل هذا لا يستدعي منها بأية حال التسليم بالواقع السياسي الراهن والدخول بتحالفات مع قوى الاسلام السياسي أو حتى تعاون ، لان ذلك سيفقدها بريق مشروعها المعلن المناهض للتخلف والظلامية ، وبالتالي خسارتها لثقة المواطن المكتوي بنتائج سياسات القوى المتنفذة في الحكم ، أي عليها إعادة النظر بفكرة التغيير من الاعلى التي تبنتها بعضها في مرحلة مابعد التغيير ، فقد أثبت الواقع عدم جدواها وفاعليتها ، سيما بعد إيغال قوى السلطة بسياسة التهميش والتفرد بالحكم لحساب مصالحها الشخصية والفئوية الضيقة ، ولابد للقوى اليسارية خصوصا إعلان موقف المناهض والمعارض ليس فقط لجزئيات سياسات كتل الحكم بل لكل منطلقاتها الفكرية وبرامجها والشروع علنا بتحشيد الشعب ضدها وتهيئته للتغيير وفق برامج وسياسات واقعية بعيدا عن الاحلام الهلامية ، ولا يتم كل هذا بتبني سياسة إنتقائية ـ كماهو الحال الان ـ نقد السلبي ودعم الايجابي ، فقد تكشفت كل نوايا احزاب الاسلام السياسي والقوى المتحالفة معها وظهر جليا غياب الوطن وهم المواطن عنها ، ما الفساد المالي وتستر بعضهم على بعض بحجج الحفاظ على ماتبقى من العملية السياسية وغيرها من الذرائع الواهية الا شاهدا حيا على فكرها وبرامجها ونواياها وأتصور إن كل ذاك يفرض الجهر بالمعارضة وترتيب الخطاب السياسي والاعلامي بما يتلائم وفضح هؤلاء والتحشيد ضدهم
الحراكات الشعبية ـ الاجتماعية
طال إنتظار المواطن العراقي بعد التغيير على أمل حصول تطور نوعي في حياته المعيشية أو في الوضع العام لوطن ، إلا إن إنتظاره هذا كان بلا جدوى ، فمع تردي الخدمات وإستشراء الفساد بكل أنواعه وعدم الكفاءة ومحاولات التضييق على الحريات العامة والشخصية وتدهور الوضع الامني ، بدأت الاحتجاجات تأخذ أشكالا شتى لكنها متفرقة على صعيد المحافظات أو حتى المحافظة الواحدة ، وتباين وجهات نظر منظمي الفعاليات الاحتجاجية وإختلاف منطلقاتهم ، إلا إن الميزة الابرز فيها جميعا إنها سلمية ومطاليبها تمس واقع حال الناس ، مع وجود فعاليات نوعية رافضة للتوجهات الظلامية لقوى السلطة ولو بشكل غير مباشر مثل فعالية "أنا عراقي أنا أقرأ " أو تأسيس المنتدى الاجتماعي الثقافي ،ومثلها بعض الاضرابات العمالية المطالبة بالحقوق المشروعة والتي  من شأن تطويرها أن يعطيها بعدا أعمق واشمل ، كما إن ماتم من مظاهرات سلمية رفعت شعارات مطلبية وسياسية كان له تأثير مهم في تحفيز روحية الاحتجاج والمطالبة بالحقوق ، لو لا إنها كانت متفرقة وينقصها التنسيق الشامل، والاهم من ذلك تنقصها الاستمرارية ربما لظروف أكبر من حجم وقوة القائمين عليها . إن عملية جمع حسابية لكل تلك الفعاليات تشير الى حجم التذمرالكبير من الوضع القائم وإفرازاته ، إلا إن التأثير الاهم ليس لعددها بقدر ماهو لنوعيتها ، فالعمل الذي يسير نحو التغيير من شأنه أن يؤثر بشكل أكبر مع تراكمه العددي والنوعي ، على إن المهم جدا هو عملية التحشيد لتلك الفعاليات التي لابد لليسار العراقي أن يقوم بها دون إدعاء تبني تلك الفعاليات لانها ببساطة فعاليات جماهيرية مطلبية شعبية أكبر من كونها مطاليبا للقوى اليسارية بذاتها ، ولابد أيضا من أن تتوجه الفعاليات المطلبية لمناهضة توجهات السلطة في الانفتاح الاقتصادي المنفلت الذي دمر الركائز الاقتصادية على مدى سنوات مابعد سقوط الدكتاتورية . وبالتالي فإن الفعاليات والحراكات الشعبية ـ الاجتماعية هي الامل الاكبر والاهم في تغيير واقع الحال المزري .

  كتب بتأريخ :  الإثنين 30-09-2013     عدد القراء :  1805       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced