قبل نشر وثائق الفضيحة:العبث بالدولة الفاشلة ليس كبوة بل سقوط
بقلم : فخري كريم
العودة الى صفحة المقالات

طلب مني صديق أثير "أن أهدّئ"!
وفهمت أن التهدئة المطلوبة، تتعلق بالكتابة عن ولد المالكي وسيرته، وانكشاف المستور عمّا كان يجري تداوله باعتباره مجرد "إشاعات مغرضة"، حتى تبرع المالكي شخصياً، كما يفعل كل مغويّ بالسلطة ومغانمها، فكشف الغطاء عن "جِدرٍ" تسرح فيه الديدان.
الصديق، وللحق، لم يطلب مني شيئاً يوماً ما، بل ربما أنا من كنت أطالبه بما يعين هذا الصديق او ذاك المواطن. ولهذا كنت في غاية الحرج وانا ارد له طلباً. ولكن شفيعي أن الطلب لم يكن شخصياً، وانما سياسي يتعلق بالضمير والشرف السياسيين، اللذين كرست في الذود عنهما كل حياتي، مذ كنت في الرابعة عشرة من العمر. قلت له إنني لست في حالة "عراك" شخصي مع المالكي، ولا صراع معه على مركز في السلطة او امتياز رث، وقد أكدت هذا المعنى مرات عديدة لأصدقاء "مشتركين" ولقادة في حزب الدعوة اكن لبعضهم التقدير وأثق بحسن سيرتهم، وآمل أن يحافظوا على هذه السوّية التي أصبحت في ظل الدولة الفاشلة والطبقة الحاكمة الفاسدة، عملة نادرة.

(٢)
وازعم أن الأوساط المعنية بالصراع السياسي الدائر منذ تسنم المالكي ولايتيه على مقدرات العراق، تتفهم دوافعي، وقد يعرفها المالكي، ومن هم حول المالكي ايضاً. واذكر ان المالكي ارسل لي مع صديق مشترك في اعقاب تشكيلته الوزارية الثانية، ما يفيد بانه محرج من سؤالي عما يمكن أن يرد "جميلي"، فكان جوابي "محرِجاً" للصديق الوسيط، بعد ان اخبرني بانه أجاب نيابة عني دون انتظار جوابي، "انني لن اطلب او اقبل تعويضاً". قلت له انك تسرعت بالاجابة! ان عليك ان تعود وتنقل لهم طلبي الملموس الذي يشعرني بالامتنان: قل لهم "صيروا أوادم، وأريحوا هذا الشعب المهضوم والمظلوم.."!
طبعاً اعتذر الرجل عن نقل الطلب، وربما اكتفى بتسريبه الى احد أصدقائه المقربين، وفاته أنني اعدت الطلب على اكثر من صديق لديه الجرأة على النقل.
وفي محاولة مني لتطمين المالكي، ومن حوله، بان ما اكتبه او انتهجه سياسياً، لا يحمل دوافع منفعة شخصية، او طلب موقع في السلطة، أعلنت بما شكّل مفاجأة لِمُحاوري في قناة "الحرة" الزميل سعدون ضمد، انني لست في وارد تسنم أي موقع حكومي، ولو كان مجرد "مدير" لان "مؤهلي الدراسي" المتواضع لا يسمح لي بذلك، ولست في وارد "تزوير شهادة" او  شرائها من "سوق مريدي" او الحصول على "شهادة دكتوراه بالوضوء" او "ما يجوز وما لا يجوز من أوجه نكاح العجوز"! وقد بررت قولي على شاشة "الحرة"، بأن الاقرار العلني، حصانة لي من احتمال ضعفي أمام إغراءات السلطة، رغم ثقتي بنفسي التي أعلنتها في وقت مبكر من حياتي السياسية، يوم لم تكن الشهادات المزورة ستراً للكفاءات، وجواز مرور للمزورين الذين ينشغل بمعالجة أمورهم، المالكي ودولة القانون.

(٣)
أعود لأوكد من جديد، بأن مظاهر تسلط المالكي، وتشبثه بالسلطة بأي ثمن، بعد ان حصل عليها بالصدفة العمياء، وفي غياب وعي سياسي لدى القيادات المقررة، والاحتكام الى المعايير الدقيقة في اختيار من يُشغل موقعاً، بصلاحيات لا سابق لها دستورياً، حتى في ظل الدكتاتوريات المتعاقبة... ان تلك المظاهر لم ترتبط، كما هو شائعٌ بين العراقيين والأوساط السياسية بمقولته المشهورة "ماننطيها"، بل بتصرفات كيفية، اشعرت "مجلس الرئاسة" المتحفظ بطبيعته، بخطورة مسلكه على العملية السياسية، فوجه له المجلس رسالة خطية، كانت بمثابة إنذار شديد اللهجة.
كما ان سلوك ولده والمحيطين به، ليس جديداً، وقد طالبته الكتل الأخرى بإبعاده عن مكتب رئيس الوزراء، لان العودة الى ظاهرة "عدي وقصي" ستُنفّر العراقيين من العملية السياسية والعراق الجديد. وكان رده المتكرر، انه شاب صغير، و"موظف بسيط في مكتبي"! وستنشر "المدى" من بين ما ستنشره لاحقاً، الخارطة التفصيلية لمهام هذا الشاب و"الموظف الصغير"، بما فيها تحريك قوات سوات لضرب المظاهرات السلمية، ووضعه على رأس قوات من عمليات بغداد لإخلاء عقارات الدولة، والمصيبة انه لا يثق بضباط هذه القوات، فيضع على رأسهم، سكرتيره وأمين سره، ياسر.

(4)
من بين الذكريات المريرة التي أخذ الناس يتداولونها بعد "كبوة" المالكي، كما سَمّاها الدكتور حسن السنيد اثر فضيحة المالكي حول "بطولة ولده" و"جبن قواته المسلحة"، التقييمات التي اطلقها قادة عسكريون كبار في جيش صدام، حول اسباب "سقوط بغداد" بالسهولة المعروفة، والهروب المخزي امام زحف القوات الاميركية، فاكتفى بعض هؤلاء القادة بالتساؤل: الا يكفي الإهانة التي كان يشعر بها كبار الضباط وهم يُقادون من قبل الصبي قصي، وتخطيطه للعمليات العسكرية؟!
لقد كان قصي ابن الدكتاتور الفاشي صدام حسين، فابن من هو احمد؟ وعلى رأس اي فرقة عسكرية، وانقلاب عسكري، وصل ابوه الى السلطة، ليتجرأ على إهانتنا، لا بإصراره على الاستيلاء على كل مفاصل الدولة، بل وبتشويه السلطة القضائية والتشريعية، وتجريد الدستور من قيمه ومبادئه؟ وهو لا يكتفي بذلك، وانما يعمد بلا ادنى تردد، وامام انظار الناس وعلى اسماعهم، الى الإعلان عن بطولة زائفة لصبيه الغر، يهين من خلالها القوات المسلحة التي اؤتُمن على قيادتها، بلا وجه حق، بسبب سوء نية خلال كتابة دستور في ظل أهواء، ابعد ما تكون عن مراعاة المصالح الوطنية العليا للعراق والعراقيين.
ورغم الاهانة، الا ان هذه التصريحات اكدت، لأول مرة، صدق الاشاعات التي تتردد بين الناس حول ظاهرة احمد المالكي، وفائز وياسر، وعشرات الاسماء الاخرى من العائلة والعشيرة وذوي القربى، وعبثهم بالدولة، وتسخيرهم لوجود احمد في "وظيفته الصغيرة" في مكتب رئيس مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة ووزير الداخلية والمشرف العام على وزارة الدفاع، وعشرات الهيئات واللجان الحكومية المختصة بالعقود والمشتريات والزراعة والكهرباء والصناعة والإعلام والاتصالات وغيرها.
ولمن لا يعلم حتى الآن، فأن مكتب المالكي، في واقع الحال، هو الذي يدير الدولة بكل مفاصلها، من خلال لجان ومكاتب خاصة بكل وزارة. ومدير مكتبه، اعترافاً منه بعبقرية احمد المالكي، يوكل مهامها له شخصياً، حتى ان المالكي، امام "اصرار" المدير، استسلم ووافق على قيامه بهذه المهام، بعد ان رفع درجته من موظف صغير الى نائب مدير المكتب!

(٥)
في جوابي على الصديق الذي لم استجب لطلبه "بالتهدئة"، وكمبادرة حسن نيّة، قلت له: ليس أمام المالكي اذا كان حريصاً على ان يعيد شيئاً من الاعتبار لهذه الدولة الفاشلة، إلا ان يعتذر للعراقيين، ولقوات "الدمج" التي اهانها، لما بدر منه في المقابلة التلفزيونية المشؤومة، وان يُصدر قراراً "جريئاً" بتنحية ولده من العمل في المكتب، وأن يقوم، حرصاً عليه وعلى مستقبله، بإرساله في بعثة دراسية الى بلد أوربي او الى الولايات المتحدة الاميركية، او تنسيبه الى وظيفة في احدى السفارات، كما فعل لعدد من أقاربه، وذوي خلصائه في مكتبه. وبمثل هذه الخطوة، ولتنظيف المكتب من المرتشين الآخرين العاملين معه وحوله، يكون قد أعاد شيئاً من الطمأنينة الى نفوس العراقيين الذين عمق المالكي شكوكهم واعاد الى ذاكرتهم، "صولات ما ننطيها"، وبطولات تعيد الى ذاكرتهم المتعبة، سبايا أولاد صدام حسين.
الغريب في ردود افعال بعض اعضاء حزب الدعوة ودولة القانون، انها لم تحمل اي قدر من القلق على حزبهم وسمعته وتاريخه، ولم يبد عليهم الاهتمام بمستقبله السياسي. وقد يكون مرد ذلك انهم يراهنون على التخبط السياسي الراهن، وامكانية التعويل على الاصطفاف الطائفي، واستخدامه كـ"فَزاعة" يستميلون بها من اعمت ابصارهم اللوثة الطائفية، ولم يُدركوا بعد الأخطار الجسيمة التي تتهدد الوضع برمته.
ولن يبقي الانهيار الذي تقودنا اليه السياسة المغامرة الرعناء للفريق الحاكم، فرصة لاستدراك ما ينتظرنا جميعا، ولكن إلى متى يمكن ان تكون هذه المراهنة فعالة، وقادرة على حمايتهم؟! أليس حرياً بهم العودة الى دروس التاريخ القريب قبل البعيد..؟

(٦)
السيد المالكي يريد ان يعرف، من هي الجهة التي اعبر عن وجهة نظرها، او الأصح "امثلها" في مواقفي، و"استقوي" بها..!
وله ولامثاله أقول، انني منذ اخترت طريقي في الحياة، لم اقبل ان اكون صدىً في وادٍ، بل صوت في ضفافٍ وشطآنٍ معرفية، ترفض الرضوخ كصدىٍ او ظل، لأي كان، ولم استسلم لطاغية او جلاد. ولن اقبل ان اغير ولائي تحت اي ظرف قاهر في أواخر ايامي، او "انقل بندقيتي من كتفٍ إلى كتف"!
انا صوت نفسي، وصوت الذين يبحثون عن أصواتهم التي يراد لها ان تضيع في ضجيج المحاصصة الطائفية، وفي مكاتب الطبقة السياسية الفاسدة، واستعين، كما كنت دائماً، بارادة الناس الملتاعين، الملوعين، المتوجهين بجباههم نحو الأمل والمستقبل.
ايها المالكي، لا تبحث عن عرابين لي يسكتون صوتي، الا اذا كنت قادراً على اخماد صوت هؤلاء الناس..
ليس لي ما اخسره، فتُرسل لي تهديداتٍ مبطنة. يمكنك ان تحتل مؤسسة المدى، او تنظم، كما أردت يوماً، مظاهرات تهاجم مكاتبها، او ترسل زبانية ولدك لمصادرة محتوياتها، فانا زاهد بها كلها. ومخطئٌ أنت حين تعتقد بأن عدنان حسين وعلي حسين وسرمد الطائي، والعشرات من كتاب المدى والعاملين الأبطال فيها، هم صدىً لصوتي. انت واهم حتى النخاع، هؤلاء هم مِلك ايمانهم، وقناعتهم بعدالة قضية شعبهم ووطنهم، يبحثون عن همومها في كل زاوية معتمة، ازدادت ظلماتها مذ توليت حكم البلاد، وهم جيش يسد عليك الأفق كلما ازددت جورا وتعدياً، فحذار منهم، ومن أصواتهم التي هي صوت كل عراقية وعراقي وطني وشريف. اما الزبد والفضلات فقد أخذتها من المدى إلى مكاتبك، فازدادت المدى بفعلتك نظافة ووطنية.

(٧)
رسالتي الى الصديق من حزب الدعوة، إنني سأقبل طلبك لي بالتريث، لعلي اسمع منك ما يشفي غليل العراقيين، او لعلكم تظفرون، ولو لمرة واحدة قبل فوات الاوان، برد إيجابي على نُصحٍ مخلص. وهل باتت مقايضة رصيد وتاريخ وتضحيات حزب الدعوة، بتنحية احمد واعتذار أبيه عن "كبوته" أمراً جللاً ترتجف له اوصال قادة قاوموا دكتاتورية طاغية، اذا أرادوا اسماع صوتهم لمن يخضع مصيره ومستقبله السياسي لاصواتهم؟
اما الداعية الصديق "المثقف" و"المناضل" الدكتور حسن السنيد، فـ"منك لله" على حُسن تبريرك لقائدك المفدى، على حساب حزبه وشعبه، وأنت اكثر الناس مخالطة ومتابعة لما يدور في مكتب سيده ومن حوله...

  كتب بتأريخ :  الأحد 20-10-2013     عدد القراء :  1560       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced