من أجل مواجهة حقيقية لجرائم غسل العار، جرائم "الشرف"
بقلم : د. كاوه محمود
العودة الى صفحة المقالات

تتضمن هذه المادة المواضيع التالية:
مقدمة...القوانين العقابية و جرائم غسل العار....طبيعة المحرم الجنسي....طبيعة العلاقات الجنسية في المجتمع العربي قبل الاسلام....هل هناك مشروعية دينية لجرائم غسل العار، جرائم "الشرف" في الإسلام...
مواجهة جرائم غسل العار

مقدمة
جرائم غسل العار أو جرائم الشرف هي تلك الجرائم التي يرتكبها الرجل بقيامه قتل المرأة من أفراد عائلته بسبب وجود علاقة جنسية بينها وبين رجل آخر ذات طابع محرم وفق القيم الاجتماعية السائدة، أو لمجرد الشك بوجود تلك العلاقة. وتصل الجريمة أحياناً الى قتل شريك المرأة في تلك العلاقة. وتتوسع دائرة الجريمة في المجتمعات العشائرية والقبلية لتصل الى قتل المرأة التي تصل درجة قرابتها بالقاتل الى الدرجة الثانية أو الثالثة. وتأتي تسمية غسل العار من اشتقاق كلمة العار من العورة، واعتبار المرأة عموماً عورة العائلة.
تعتبر ظاهرة جريمة القتل بدافع الشرف من الجرائم الخطيرة التي تهدد حقوق الإنسان، ومنها حقوق المرأة، وتتزامن هذه الجريمة مع تفاوت الحماية القانونية بين الرجل والمرأة في المجتمعات العربية والاسلامية.
وبينما كانت هذه الجريمة مقتصرة في أواسط القرن الماضي أساساً في منطقتنا العربية الاسلامية، أصبحت بوادر هذه الجرائم ظاهرة للعيان في البلدان الاوروبية وبالأخص بعد تزايد أعداد أفراد الجاليات الآتية من المناطق التي كانت تقترف فيها تلك الجرائم.

القوانين العقابية و جرائم غسل العار
تترتب على ظاهرة جرائم غسل العار، او ما يسمى بجرائم الشرف جانبين. الجانب الأول هو الجانب القانوني والسياسية العقابية في البلدان العربية، والجانب الثاني هو الجانب الاجتماعي وطبيعة العلاقات الجنسية، ومفهوم المحرمات الجنسية في المجتمعات التي تقترف فيها تلك الجرائم، أو عند الاشخاص الذين يرتكبونها.
من خلال الاطلاع على القوانين العقابية في أغلب البلدان العربية والاسلامية، نجد ان هناك نوع من تخفيف العقوبة على الرجال الذين يرتكبون هذه الجريمة ضد أفراد عائلاتهم الإناث، وقد تصل الى الاعفاء من العقوبة، كما حصل في قانون العقوبات العراقي في عهد النظام الديكتاتوري البائد الذي أصدر قانونا خطيرا كرس بموجبه القيم البدائية ومفاهيم التمييز بين الجنسين والعنف ضد المرأة العراقية منتهكا حقوقها الإنسانية حين عدل نص المادة 409 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 واصدر القرار رقم 111 في 28 شباط (فبراير) لعام 1990 الذي أجاز فيه قتل المرأة من دون عقاب علي الفاعل، وعدم المسائلة الجزائية لمن قتل عمداً أو عمداً مع سبق الإصرار:
1 ـ أمة أو أخته أو عمته أو بنت أخيه أو بنت عمه غسلاً للعار.
2ـ من إرتكب مع إحدى المذكورات في البند 1 من هذه الفقرة الفعل المخل بالأخلاق في دار الزوجية أو دار الأهل إذا كان قتله قد وقع بعد قتلها وكان الباعث لقتلهما واحداً.
وتشير مختلف القوانين العقابية الى تخفيف العقوبة على الجاني اذا ما ارتكب الجريمة بدافع شريف. الأمر الذي استغلها رجال القضاء في تلك البلدان لتخفيف عقوبة تلك الجرائم ولتسميتها بجرائم الشرف. ولا تتساوى المرأة مع الرجل في تلك الحالات وتخفيف العقوبة، فالقوانين العقابية في هذا المضمار تتصف بالطابع الذكوري الواضح. وهذا ما نجده في مختلف القوانين العقابية في البلدان العربية والاسلامية.
يجدر بالاشارة الى ان البرلمان الكوردستاني عدل تلك المادة من قانون العقوبات واعتبر ما يسمى بجرائم الشرف جرائم قتل عمد يستوجب تشديد العقوبة.
ويتعلق بالجانب القانوني أيضاً مشروعية قيام الرجل بممارسة العنف ضد زوجته أو أولاده بحجة التأديب. وهذا ما نجده في المادة 41 من قانون العقوبات العراقي حيث : "لا جريمة إذا وقع الفعل استعمالا للحق... ويعتبر استعمالاً للحق تأديب الزوج زوجته...." علي أساس أن التأديب من الزوج للزوجة هو استعمال لحق مقرر قانونا للزوج فقط دون الزوجة وله أن يضربها كجزء من التأديب ويهجرها.

طبيعة المحرم الجنسي
أما الجانب الاجتماعي من ظاهرة غسل العار فيتعلق بطبيعة العلاقات الجنسية في المجتمعات التي تقترف فيها تلك الجرائم، والهيمنة الذكورية في العلاقات الجنسية، وفي مسألة تحديد المحرمات.
يستند الارث الشعبي والمزاج العام في تلك المجتمعات في منح المشروعية لاقتراف تلك الجرائم على أساس الموروث الديني، وتفسير النصوص الدينية المقدسة وفق العقلية الذكورية السائدة، واستمداد المشروعية لاقتراف تلك الجريمة من الشرائع الدينية.
ولدراسة الجانب الاجتماعي المتعلق بهذه القضية لا بد لنا من فهم طبيعة العلاقات الجنسية في المجتمعات الانسانية. فالعلاقات الجنسية مرتبطة بممارسات فعلية، يمارسها الإنسان في حياته الاجتماعية، وتنعكس آثارها على أكثر من طرف، فمن خلالها يتحقق الإخصاب، وتتحدد الأنساب، وتترتب على هذه الأمور حقوق وواجبات ونتائج، تمس الطرفين والمجتمع عموماً، وعلى ضوء ثمار تلك العلاقة يترتب مسار الملكية في المجتمع، حيث كان الإرث ولا يزال سبيلاً لانتقاله.
ومما تقدّم أعلاه، كان لابدّ من تنظيمها، ورسم وتحديد ضوابط معينة تضفي المشروعية على أشكال منها، وتحرِّم أشكالاً أخرى. وارتبط أمر هذا التحديد من جانب آخر، بوجود التشكيلات الاجتماعية البدائية والأساسية في المجتمع، من خلال مؤسسة الأسرة، وترسيخ القيم الناشئة عرفياً، ومن ثم تطوير تلك القيم إلى حد الوصول لإيجاد ضوابط دقيقة تحدد آلية العملية الجنسية بين الطرفين، وحتى في حالات إضفاء المجتمع شرعيتها على العلاقة في إطارها العام.
لقد ارتبط هذا الأمر بتطوير الشرائع المختلفة، عبر السعي لإيجاد توازن عقلاني في تلك الممارسة، وبما يحمي الجانب الإنساني، وفق تصورات الجانب أو الطرف المهيمن على المجتمع.
إلاّ أن هذا الجانب الذي أطلقت عليه الجانب الإنساني، سيكون مختلفاً من مجتمع لآخر، ومن حقبة زمنية لأخرى. فثمة أشكال للعلاقات الجنسية على الصعيد المجتمعي العام، كانت مشروعةً ومقبولةً في ظرف تاريخي معين، وفي مجتمع من المجتمعات، ثمَّ نرى إن تلك الأشكال لم تعد مقبولة في ظرف تاريخي آخر.
وإذا كان هذا القول أو الافتراض صحيحاً، فيما يخص العلاقات الجنسية على صعيد التنظيم الاجتماعي العام، فإنَّ ثمةَ أشكال وممارسات جنسية بين طرفين، قد تكون مقبولة ومشروعة في إطارها العام، وشكلها الخارجي ضمن قيم المؤسسة الرسمية السائدة (العلاقة الجنسية بين الزوج والزوجة)، إلاّ أن القيم النافذة المتجلية عبر الأعراف والشرائع الدينية، قد تحظر بعض الممارسات الجنسية، وتعتبرها شاذة وغير مشروعة، دون أن تكون لها القدرة المباشرة أو الإمكانية لوضع الرقابة عليها. ويكون الأمر متروكا في مثل هذه الحالات للضمير وللرقابة الذاتية للطرفين، والتزامهما الشخصي بمفهوم المحرمات ، مع أيجاد آلية معينة تسمح لطرف معين إبداء اعتراضه عبر اللجوء لشكل من أشكال التقاضي المقنن في الظرف التاريخي المعين. إلاّ أن هناك جانباً آخراً في هذه المعادلة، وهو دور الدين والعقاب الأخروي الذي يترتب على انتهاك المحرمات الجنسية، وإن لم يجر البوح بها من قبل الطرفين أمام القضاء، أو في حالة تمكن طرف ما من الإفلات من العقوبة بشكل من الأشكال.
لقد ارتبطت العلاقات الجنسية سواء كانت مشروعة أو محرمة، بالأعراف الاجتماعية في المجتمعات القديمة. ولم تكن بمنأى عن الأساطير وميثولوجيا الشعوب عموماً، والتي وظِّفت لإضفاء المشروعية على هذه العلاقة أو تلك.
وارتبطت قضية الجنس عموما وقضية المحرمات الجنسية تاريخياً بالدين. ونجد قدم هذا الارتباط في الحضارات القديمة، فنجد في الكتب الدينية المقدسة إشارات واضحة وكثيرة إلى الجنس ، سواء من حيث المدلولات والرموز، أو من حيث تحديد المشروعية و التحريم.
ويمكن للباحث في مجال ميثولوجيا الشعوب، أن يصل إلى الكثير من الدلالات والرموز حول المحرمات الجنسية. إن الأساطير السومرية والبابلية ، وأساطير بلاد الرافدين عموماً، (عشتار) و(ملحمة كلكامش)، وأساطير اليونان والرومان زاخرة بتلك الدلالات والرموز.
كما نجد الحديث عن الجنس عموماً، وعن المحرم الجنسي على وجه الخصوص في الكتب المقدسة، العهد القديم، العهد الجديد، القرآن الكريم.

طبيعة العلاقات الجنسية في المجتمع العربي قبل الاسلام
لمعرفة الخلفية التاريخية للمحرمات الجنسية في المجتمعات العربية نشير الى حقيقة مفادها أن المجتمع العربي قبل الاسلام كان على قدر كبير من التنوع في العلاقات القبلية، وانعكس تأثير ذلك على تنظيم العلاقات بين الأفراد, ففي ظل فقدان دور واضح لسلطة مركزية، نجد سلطة خاصة داخل كل قبيلة. وقد أثرت طبيعة العلاقات التناحرية بين الكثير من القبائل وصراعها على مصادر الحياة والكلأ وما تبع ذلك من حروب وغزو ونهب على مجمل الجوانب الاجتماعية ومنها طبيعة العلاقات الجنسية.
شغل الهم الجنسي حيزاً كبيرا في عقلية ووجدان الإنسان العربي في تلك المرحلة الزمنية. ونجد انعكاس ذلك حتى في اللغة العربية التي تزخر بمفردات متنوعة للدلالة على العملية الجنسية، قلما نجدها في لغات أخرى.
تداول العرب مفردات عديدة في هدا المجال. ومن أمثلة تلك المفردات على سبيل المثال لا الحصر، نجد مايلي: المباضعة، الملامسة، المجامعة، المباشرة، المعافسة، المراودة، المخادنة، المناكحة، المواقعة، الرفث، الإتيان، اللمس، الركوب، الإعتلاء، الإمتطاء، الوطء والنيك.
وعرف العرب قبل الاسلام أشكال متنوعة من العلاقات الجنسية، اضافة الى علاقة الزواج ومؤسسة الأسرة السائدة حالياً. ومن تلك الأشكال أولا: نكاح المتعة التي تعتبر علاقة جنسية بين رجل وأمرأة من اجل التمتع الجنسي لفترة محددة من قبل الطرفين. وقد استمر هذا النوع من النكاح بعد الاسلام. وأصبح محرماً في المذاهب السنية، في حين لا يزال مشروعاً في المذاهب الشيعية. ثانيا : نكاح الاستبضاع: وهو أن يقول الرجل لزوجته بعد اتمام عادتها الشهرية وعدم الاتصال بها اذهبي الى هذا الرجل المعروف واتصلي به جنسياً لكي تلدي وليداً من الأشراف. ثالثا : نكاح البدل: اي قيام رجلين بتبادل زوجاتهما. رابعا: نكاح الرهط: ويعني مشاركة مجموعة من الرجال بالاتصال الجنسي بامرأة واحدة. نكاح المقت ـ أو الضيزن: ويعني قيام الرجل بالزواج من زوجة والده المتوفي. سادسا: نكاح الخدن: وهي علاقة صداقية بين رجل وامرأة واحدة لا تتصل جنسياً يالآخرين. العلاقة الجنسية مع البغايا والمومسات لقاء أجر معين.
والجدير بالذكر ان زوجة الرسول عائشة بنت أبي بكر تشير الى هذه الأنواع من العلاقات الجنسية في حديث لها حول أنواع النكاح قبل الاسلام وكيف أن الاسلام منع تلك الأنكحة ما عدا الزواج الحالي المتبع في المجتمعات الاسلامية.
وقد وصل الانثروبولوجي الانكليزي مورغان الى هذه الانواع من العلاقات التي أشارت اليها عائشة زوجة الرسول، بعد ابحاثه نهاية القرن التاسع عشر في المجتمعات الهندية البدائية. واعتمد انجلز في مؤلفه الشهير أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة على أباث مورغان.
وكحصيلة لتنوع العلاقات الجنسية في المجتمع العربي يمكن أن نوجز ما يلي:
ـ عرف العرب التنوع في العلاقات الجنسية, ولم يعتبروا هذا التنوع في خانة الزنا حتى إذا مورست من قبل المرأة الحرة بشرط موافقة زوجها. فاستبضاع المرأة الحرة لم يعتبر وفق تلك القيم في عداد الزنا, لان الاستبضاع يتم أساسا بموافقة الزوج.
ـ إن مفهوم المحرم الجنسي يتعلق أساسا بالمرأة الحرة التي تعاشر رجلاً غريباً دون موافقة الزوج و بالتالي فأن العلاقات الجنسية للاماء لا تعتبر زنى, إذا ما تم ذلك بموافقة المالك.
ـ إن التنوع الموجود في العلاقات الجنسية، وظهور علاقات معنية في مجموعة معينة وعدم وجودها في مجموعة أو قبيلة أخرى نابع بالأساس من نظام الترابط القبلي الذي قسم السكان إلى وحدات من القبائل ينتظم كل واحدة منها برابطة النسب والتحالف أحياناً. وكانت هذه الوحدات مستقلة بعضها عن البعض الآخر مع عدم وجود مؤسسات سياسية جامعة بينها. وقد أثر هذا التنوع و السلطة القبلية, وعدم اعتراف العرب أساسا بالسلطة المركزية إلى وجود أحكام متنوعة ومواقف متباينة من تلك العلاقات.
ـ إن العرب قبل الإسلام كانوا مطلعين على قيم ومواقف الأديان والأقوام المختلفة سواء داخل الجزيرة العربية أو خارجها، من الزنا. ونجد في كتب الأخبار و الأدب دلالات واضحة على هذا الأمر.
ـ لم يفرض العرب عقوبات على الدعارة وعمل البغايا صواحب الرايات، بل إن هذا العمل كان يدر ربحاً على ملاك الاماء و اعتبر الأمر شكلاً من أشكال التجارة والاستثمار .
ـ ولابد أن تذكر إن العلاقات التناحرية بين القبائل العربية والغزو والتناحر بين القبائل وما نجم عنهما من آثار تتعلق بالسبي، واعتبار النساء غنائم للحرب, أثرت على صياغة مفهوم العلاقات الجنسية وأشكال تحريمها, لصالح التنوع و السماح بالاتصال الجنسي بضحايا من النساء واعتبار الأمر مشروعا.

هل هناك مشروعية دينية لجرائم غسل العار، جرائم "الشرف" في الإسلام
مع بداية الدعوة الى الاسلام وبعد تأسيس نوات الدولة الاسلامية الأولى في المدنية، اتبع النبي محمد منهجاً جديداً في التعامل مع المحرمات الجنسية عبر الوضوح في تحريم الزنا، وهذا ما نجده في كثير من الآيات القرآنية ونجد ذلك أيضاً في العهدين القديم و الجديد. واتبع أسلوب المجادلة والتربية في اقناع العرب بطبيعة تلك المحرمات. وفي نفس الوقت دعا الى الستر والتوبة، وعدم بوح الأمر في حالة ارتكاب تلك المحرمات التي أسماها بالقاذورات. كما تدرج في تشريع العقوبات الخاصة بالمحرم الجنسي. وأعطى السلطة التقديرية للقاضي في الحكم.
أما الجانب الأهم في الأمر فهو مساعيه لاعادة تنظيم العلاقات الجنسية، عبر التشجيع على الزواج، ووجود نكاح المتعة، وحق الرجل في التمتع بالجواري والأماء، وتحديد تعدد الزوجات بأربع نساء.
أما حول عقوبة الاتصال الجنسي المحرم فنجد في القرآن الكريم اشارة الى العقوبات كالتالي:
أولاً: الآية الخامسة عشرة والسادسة عشرة من سورة النساء
{ واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فأن شهدوا فامسكوهن في البيوت حتى يتوافهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا واللذان يأتيانها منكم فأذوهما فأن تابا واصلحا فاعرضوا عنهما إن الله كان توابا رحيما}.
ثانيا : ما رواه عبادة بن الصامت
قال عبادة بن الصامت: " قال رسول الله : خذوا عني. قلنا: نعم يا رسول الله قال: جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب جلد مائة ثم الرجم قال الحسن فلا أدري أمن الحديث هو أم لا."
فالمعروف إن ما ذكره عبادة بن الصامت حديث للرسول فهل يجوز أن ينسخ الحديث آية من القرآن؟
ثالثاً: خطبة عمر بن الخطاب عندما كان خليفةً للمسلمين، حول وجود آية الشيخ والشيخة في القرآن ونزوله كوحي للنبي وامتناع النبي عن تدوينه من قبل الصحابة. وقد أشار الخليفة الى أن هذه الآية منسوخة لفظاً وباقية حكماً.
وفيما يتعلق بهذه العقوبات نود أن نشير الى مايلي:
1ـ فيما يتعلق بكون آية الرجم ناسخة للآية 15و16 من سورة النساء فأن ذلك يتنافى مع مفهوم النسخ.
فالنسخ تعبير على حيوية العلاقة بين الوحي المتمثل بالنص وبين الواقع, وهو إبدال نص بنص آخر ويترتب عليه أبطال حكم بحكم آخر مراعاة لشروط الواقع.
ولم تذكر معظم الروايات التي تحدثت عن آية الرجم أسباب نسخها تلاوة مع بقاء حكمها في حين كانت الظروف وحسب تلك الروايات وحسب المنطق والعقل تستدعي بقاء التلاوة مع الحكم.
وإذا نسخت الآية فكان لا بد من وجود آية بديلة لها, لان الأحكام الشرعية المحددة لسلوك المكلفين يجب أن تكون واضحة دون لبس أو غموض. ودلالة اللبس إن الرسول حرص على الامتناع عن تدوين النص دلالة على كون النص (التلاوة) ليس جزءا من القرآن. ولو كان النص قرآنياً لحرص الرسول على تدوينه.
2ـ إن الصيغة التي وردت بها آية الرجم صيغ لا تتناسب مع التركيب اللغوي واللفظي الوارد في القرآن. ويمكن أن يشعر المتابع بأن اللغة المستخدمة في (آية الرجم) لا تنسجم عموما مع لغة القرآن.
3ـ أرى ان لمسألة (الشيخ والشيخة إذا زنيا) أصلاً توراتياً. وكان هذا الأصل التوراتي المتشدد في التعامل مع الزنا, لا ينسجم أساسا مع منهج الرسول في التعامل مع الزنا، وهو منهج اتسم بالتساهل ودراسة الظاهرة الجنسية من أبعادها الاجتماعية المختلفة.
وأستند في وجهة نظري حول هذا الأصل التوراتي على الطبري وتفسيره لمسألة الشيخ والشيخة. فحول موقف اليهود في المدينة من الزنا و طلبهم التحكيم من الرسول في مسألة يهودي و يهودية زنيا, نجد أن الطبري يشير في تفسيره ان الرسول حكم على يهودي ويهودية زنيا، بالرجم لمعرفته بحكم الزنا في التوراة.
والحالات التي حكم الرسول فيها بالرجم حالات معدودة جداً لا نعرف تاريخها بالضبط
الآية الثانية من سورة النور:
قال تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدة منهما مائة جلدة}.
ويأتي ظاهر هذه الآية على العموم لتشمل كل زانية وزان. لكن حكم هذه الآية خصص بكون الزانية حرةً, لأن الأمة يستوجب عليها نصف العقوبة حسب الآية 25 من سورة النساء {فأن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب} أي الأمة تجلد نصف المائة وهو خمسون. وتخلق هذه القضية اشكالية لرأي الداعية بالرجم كعقوبة للزناة المحصنين، حيث لا يمكن توقيع نصف العقوبة في حالة العبد أو الأمة الثيب فالعقوبة هي الموت رجماً ولا يمكن توقيع نصفها.
ومن الجدير بالذكر ان الاسلام أوجد شروطاً معقدة لاثبات المحرم الجنسي. منها توفر أربعة شهود يرون العملية الجنسية كالميل في المكحلة. وحتى في حالات اقرار الأشخاص بالعملية وهي الحالات التي أوقع فيها النبي العقوبة، فإن النبي سمع الاقرار في ثلاث جلسات مختلفة. وقال عدة مرات للفاعل لعلك قبّلت أو لمست. ويحق للشخص المقر أن يتراجع عن اقراره عند توقيع العقوبة عليه.
إن ما نستخلصه من هذه الحجج العقلية هو أن القرآن ذكر بالتفصيل كل ما يتعلق بالزنا, فليس من المنطق العقلي أن لا يذكر عقوبة الرجم بصورة واضحة أو ينسخ تلاوة آية ويبقي حكمها في قضية حساسة ومهمة كالزنا, تحدث عنه بالتفصيل.
وأرى إن القصص الواردة حول تطبيق عقوبة الرجم ليست سوى حوادث محدودة جرت بعد حديث عبادة حول الرجم وابتدأت بقصة رجم الرسول لليهوديين.
كما أتصور عدم وجود حالات للرجم في عهد الرسول بعد نزول الآية الثانية من سورة النور، التي تعتبر برأي العقوبة النهائية والوحيدة للزنا في حالة توفير أركانه.
أما القضية المهمة التي يجب أن نشير اليها فهي هل يجوز للشخص أن يقتل قريبته أو زوجته أو أحد أفراد عائلته بنفسه لقيامها بالزنا؟ أن الشواهد الاسلامية واضحة في هذا المجال. فالحديث النبوي يمنع هذا الأمر.
فعن عبادة بن الصامت قال ناس لسعد بن عبادة: يا أبا ثابت قد نزلت الحدود لو أنك وجدت مع امرأتك رجلاً, كيف كنت صانعاً. قال: كنت ضاربهما بالسيف حتى يسكتا. أفأنا أذهب فأجمع أربعة شهداء فإلى ذلك قد قضى الحاجة. فانطلقوا فاجتمعوا مع رسول الله فقالوا: يا رسول الله ألم تر إلى أبي ثابت قال كذا وكذا. فقال رسول الله : كفى بالسيف شاهدا.
وفي رواية أخرى أن النبي قال لعبادة لو فعلت لعاقبتك بالقصاص.
ان ما نستنتجه من الاشارة الى مفهوم المحرم الجنسي وعقوبته في الشرائع السماوية وخاصة في الاسلام، هو عدم جواز قتل النساء بذريعة تطبيق النص القرآني المقدس. وحتى في حالة أشد وأثر التفسيرات محافظةً للنصوص الدينية، فأن ولي الأمر أي السلطة هو المكلف بتوقيع العقوبة بعد التثبت منها وفق الشروط المعقدة التي أشرنا اليها. فهل يصح ما يدعيه مقترفي جرائم "الشرف" وغسل العار، بأنهم يطبقون التعاليم الدينية؟!

مواجهة جرائم غسل العار
تعتبر جرائم غسل العار شكلاً من أشكال العنف الموجه ضد المراة. والعنف هو أي عمل أو تصرف عدائي أو مؤذ أو مهين يرتكب بأية وسيلة وبحق أية امرأة لكونها امرأة، يخلق معاناة جسدية وجنسية ونفسية وبطريقة مباشرة أو غير مباشر، من خلال الخداع أو التهديد أو الاستغلال أو التحرش، أو الإكراه أو العقاب، أو إجبارها على البغاء أو أية وسيلة أخرى ، وإنكار وإهانة كرامتها الإنسانية، أو سلامتها الأخلاقية أو التقليل من أمن شخصها ومن احترامها لذاتها أو شخصيتها أو الانتقاص من إمكانياتها الذهنية والجسدية. ويتراوح ما بين الإهانة بالكلام حتى القتل.
أن لكل شكل من أشكال العنف طرقاً محددة في مواجهتها، ولا بد من آليات خاصة لمواجهة جرائم الشرف، ومنها تشديد العقوبة ضد مقترفي هذه الجرائم، والغاء المواد القانونية الواردة في أغلب القوانين العقابية في المنطقة العربية الاسلامية التي تدعو الى تخفيف العقوبة اذا ما ارتكبت جريمة القتل لاسباب ودوافع شريفة، بعكس دعوات بعض المنظمات الانسانية التي تدعو الى مساواة المرأة مع الرجل وشمولها بالتخفيف، لأن الواقع العملي يشير بأن مقترفي الجرائم من الرجال هم المستفيدون الوحيدون من هذا التخفيف, وان القضاء الذي يتسم بالطابع الذكوري بشكل عام في مجتمعاتنا، يستفيد من أي مجال للتخفيف لتخفيف العقوبة على مقترفي هذه الجرائم وكلهم من الرجال.
ولكن الاجراءات المتعلقة بمواجهة جرائم غسل العار لا بد أن تأتي في سياق استراتيجية عامة لمواجهة العنف ضد المرأة بشكل عام. وفي مجتمعاتنا لا تكتمل الصورة، ولا يمكن تحقيق النتائج الإيجابية دون وجود مشروع شامل للتغير الاجتماعي بمعناه الفلسفي الشامل. مشروع مبني على التنوير والتقدم والديمقراطية في كافة المجالات، وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة القانونية بين الجنسين.
وضمن الاستراتيجية العامة لمواجهة العنف لا بد ان ندعو الحكومات لوضع برامج لمكافحة العنف ضد الفتيات والنساء ، والتعاون ما بين الجهات الرسمية المختصة والمنظمات الدولية والمنظمات النسائية غير الحكومية والتركيز على مايلي:
ـ رسم السياسات والآليات لحماية ورعاية النساء والفتيات ضحايا العنف.
ـ إنشاء مركز لحماية وتأهيل النساء والفتيات ضحايا العنف بالتعاون ما بين الجهات الرسمية المختصة والمنظمات النسوية.
ـ إعداد الدراسات والبحوث لمعرفة الدوافع الحقيقة للعنف والإيذاء.
ـ اعداد الدراسات والبحوث حول العوامل المسببة لعدم إبلاغ الضحايا من النساء والفتيات عن جرائم العنف التي ترتكب ضدهن.
ـ دعوة الجهات الحكومية إلى سرعة النظر في الإجراءات القانونية في التعامل مع قضايا العنف ضد النساء والفتيات.
ـ توعية النساء والفتيات بحقوقهن القانونية عن طريق الندوات والمحاضرات والنشرات الإعلامية، وذلك بالتعاون فيما بين المؤسسات الرسمية والمنظمات النسائية ووسائل الأعلام المختلفة.
ـ توعية وتدريب العاملين في أجهزة العدالة الجنائية ( الشرطة، القضاة، المدعين العامين، الأطباء الشرعيين، أجهزة المؤسسات العقابية ) بكيفية التعامل مع الصور المختلفة للعنف ضد النساء والفتيات.
ـ تغيير المناهج التربوية في المدارس والجامعات بما يعزز قيم احترام الذات والاحترام المتبادل ، والتعاون بين الجنسين.
ـ دعوة كافة الجهات إلى الاهتمام بإصدار كافة الإحصاءات الرسمية في كافة المجالات مصنفة حسب الجنس لتسهيل الحصول على المعلومات الدقيقة التي تتعلق بالمرأة.
ـ تأمين الدعم الفني والمالي لإجراء الدراسات الاستقصائية حول حجم مشكلة العنف ومدى انتشارها وأسبابها وآثارها.
ـ دعوة الجهات الرسمية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان للسعي لوضع البرامج والآليات الوقائية والعلاجية لمعالجة مشكلة العنف الأسري بشكل عام والعنف ضد المرأة بشكل خاص.
ـ مراجعة شاملة لكل القوانين والأنظمة والتشريعات والتعليمات المتعلقة بحقوق النساء والفتيات، بهدف إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وحمايتها، وإجراء التعديلات اللازمة والتي تكفل المساواة بين الرجل والمرأة.
ـ إدخال مفهوم الصحة النفسية للمرأة الى جانب الصحة الجسدية في القوانين والأنظمة المعمول بها.
ـ تعيين طبيات شرعيات متخصصات في الطب الشرعي لفحص ضحايا جرائم العنف المتهمات بجرائم" الشرف" إلى جانب تعيين أطباء وطبيبات للفحص النفسي للمرأة قبل تعرضها للفحص الجسدي ، مراعاة لوضعها وظرفها غير العادي.
ـ تدريب وتشجيع المنظمات النسائية غير الحكومية على إدخال خدمة "الخط الساخن" لإرشاد النساء وتوجيهيهن إلى الجهات المعنية بشكواهن، وإرشادهن إلى افضل الطرق لحل مشاكلهن، مع العمل على تدعيم هذه المنظمات بالكوادر الفنية المتخصصة والكفوءة.
ـ معالجة آثار العنف السياسي الموجه ضد المرأة والطفل وبخاصة العنف الجسدي والجنسي والنفسي واللفظي والعاطفي الناجم عن سياسات الديكتاتورية الحاكمة في العراق.
ـ برنامج توعية وتعليم مستمر وكيف يجب أن يكون التعامل والأدوار الأسرية وطبيعة العلاقات، وكيف يمكن أن تحل المشاكل بالهدوء والحكمة بدل العنف والقسوة ( مفهوم الأسرة، مفهوم العنف، تعريفات اجتماعية).
ـ برنامج قانوني متنقل لمحو الأمية القانونية، وشرح حول قانون الأحوال الشخصية.
ـ حلقات البحث والإرشاد للمتعرضين للعنف في حضور مواصلة حملات القضاء على الأمية القانونية.
ـ إدراج مادة حقوق الإنسان في الكتب المدرسية، وتدريس مادة حقوق النساء في كليات الحقوق في الجامعات العراقية.
ـ عمل محاكم ومراكز شرطة خاصة بالنساء (مراكز تأهيل).

  كتب بتأريخ :  الجمعة 25-10-2013     عدد القراء :  1970       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced