المالكي متذرعاً بالصبر والحكمة: الحريات تشجّع على الفساد والشعب لا يحب الحكومة..!
بقلم : فخري كريم
العودة الى صفحة المقالات

في إطلالة خطابية، باتت تتكرر كما لم يفعل رئيس جمهورية أو رئيس حكومة قبله، حشّد السيد رئيس مجلس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة، أبو احمد المالكي، طاقته البلاغية ليفسر أسباب تدهور الوضع السياسي، واستشراء الفساد المالي والإداري، وانهيار الوضع الأمني. وكعادته منذ "تلبسّته" اغواءات السلطة ومفاسدها، وجرّأته على تسفيه كل معارضة أو رأي مخالف، راح يستطرد في الكيل بمكاييله المغشوشة، معرِّضاً بالشعب هذه المرة، متنطعاً لتقييم حالة البلاد، وأوضاعها المتردية، بمنظار المراقب المحايد، المبُرّأ عن المسؤولية.
ومما يلفت في الخطاب، إن المسؤول الأول عن حالة الدولة المتصدّعة، والعملية السياسية الموشكة على الانهيار، لا يوحي بأدنى شعور بالمسؤولية، او استعدادٍ للمراجعة والنقد حيال الاخطاء والخطايا التي يرتكبها فريقه كل يوم، ويتسبب بمزيد من التدهور والانفلات الأمني، والمصائب والضحايا والاستباحات التي يتعرض لها العراقيون، المغلوبون على امرهم.
وما يثير القلق المتزايد، ان هذا المتنفذ الاول في لا دولتنا، المترهّل بالمسؤوليات، لا يتّعظ كما يبدو، او يخالجه ولو أدنى شك في انه يتحمل "قسطاً بسيطاً" من المسؤولية "الأخلاقية" ان لم نقل السياسية، عما آلت اليه الاوضاع، وما تنذر بها المخاطر والتحديات، التي يعترف بأنها تزداد بوتائر متسارعة.
( 2 )
واول ما يتطرق اليه الوزير الاول بنحت جديد، ظاهرة الفساد التي يُقر بمرارة تظهر في شرحه المعاني، بأنها تستشري، ولا مصّد لها، لانها من فعل قادة كبار، متنفذين في العملية السياسية والدولة. والظاهرة رغم اتساع دائرة نفوذها والتواطؤ فيها والتغطية عليها، كما قال، "ناقصة الدليل"، إذ لا احد يتعاون في إكمال ملفاتها، مما يضطره لتقديم ملفاتٍ ناقصة الى هيئة النزاهة!
ومن حق الشعب "المسروق" أن يتساءل: وأين الملفات الكاملة التي بقيت تلوّح بها صبح مساء، وتهدد عبرها مناوئيك، الذين تختارهم بعناية أحياناً، وبعشوائية تدُل على العمى السياسي، وفقدان التوازن والكفاءة والحكمة والتبصر، في احيان اخرى؟
لقد تابع المواطنون طيلة الولايتين الكارثيتين للمالكي، تنابزاً بملفات الفساد لم يحصل في اي دولة فاسدة اخرى، سواءً في الصومال او نيجيريا او أفغانستان او غيرها من الدول التي "نتشرف" في ان نكون في مقدمة قائمتها، بدلالة الفساد ومستوياته ورموز الدولة الملوثين بأدرانه، لكن أياً من تلك الملفات التي جرى التلويح بها، حتى "بَلّتْ اوراقها" لم تظهر حتى لحظة القاء الخطاب الاحتفالي في "الأسبوع الأول للنزاهة"، ووجدها المالكي مناسبة للإعلان المخيّب للامال، بان ملفاته كلها ناقصة الادلة والاركان!
اذاً، هو "فسادٌ اداري" آخر اشد وطأة من اي فساد إداري، لأنه يتعلق بمسارات اعادة معافاة "الدولة"، وتخليص ميزانيتها ومواردها من النهب والاستنزاف على أيدي لصوص المال العام. وإذاً "مشدّدة" أخرى، فان رأس الدولة الفاسدة، كان يكذب على العراقيين طوال سنوات حين زعم بأنه يمتلك ملفات تخص "فساد ذمة" قادة كبار ومسؤولين في العملية السياسية وفي مجلس النواب، من شأن اضطراره الى إشهارها، قلب الطاولة على رؤوس جميع "المعارضين" والمناوئين لدولته الرشيدة..!
والكذب في الدولة ليس خطيئة أخلاقية تصم صاحبها بالقصور، بل جناية يحاسب عليها القانون، لأنها لا تقتصر على خداع الجمهور، بل تسبب إرباكات وتعقيدات في المشهد السياسي، وقد تهّز سوق المال والأعمال، مثل إلصاق تهمة باطلة بالشبيبي محافظ البنك المركزي، وتعمق الشكوك لدى المواطن وهو يتابع مصائر شخصيات سياسية، تتنقل من موقع الاتهام إلى مناصب عليا في الحكومة، دون خضوع للمساءلة القانونية او النيابية، كما هو حال السيد صالح المطلك وآخرين، ويمكن ان تدور طواحين المالكي عليهم ثانية، فتدفعهم إلى متاهات الاتهام والإدانة من جديد.
(3)
وفي استدراكٍ تتسلل منه "الدراية" الفلسفية والسياسية الحكيمة، يرى المالكي، الحاصل على الماجستير بفقه اللغة العربية من جامعة صلاح الدين في السليمانية، أن "دوافع الفساد، هي سوء التربية للفرد، وعدم وجود رقابة للمال العام" (قاصداً: على المال العام)، وهما كما يستنتج المالكي يشجعان على السرقة..!
ولا يتوقف استدراكه عند توجيه اتهامه الاعتباطي هذا الى الجميع، بل يغوص عميقاً في ظاهرة الفساد، ليصل الى اخطر استنتاجٍ له في توصيف الفساد ودوافعه وما يدخل في باب التشجيع عليه، اذ يرى ان ذلك ينعكس "في الحريات" التي كما قال، "تشجع على الفساد وتُستخدم للسطو على الآخرين"!
لم يُدرك ابو احمد المالكي، انه بمقولاته الفلسفية المبطنة دون عناية، حول الفساد، ارتكب للمرة الثانية، خلال اقل من شهرٍ واحدٍ "سقوطاً" آخر، وليس "كبوة" كما حاول تكييفها له مُريده الدكتور حسن السنيد، اختزل فيها ببضعة مفاهيم متسرعة، توجهه في الحكم، ونهجه الذي عمِل خلال سني ولايتيه على تكريسه، وفضح دواخله المعادية للديمقراطية والحريات العامة، والدستور وموجبات القانون الذي تتشدق كتلته بحمل رايتها، وهي تشكل بمجموعها، اساس اي نزوعٍ نحو التسلط والانفراد والدكتاتورية، وتشكل "لُب" الاختراقات التي ادت الى تدمير البُنى الرخوة للعملية السياسية والدولة المتصدعة.
وانسياقاً مع هذا الابتكار في مفهوم الفساد وبواعثه ودواعيه، الذي يسجل، كـ"استحداث مفهومي في علم الاجتماع، وقاعدة تشريعية" للمالكي، يمكن اعتبار كل الديمقراطيات المتطورة في العالم، بدءاً من الولايات المتحدة الاميركية ومروراً بالمملكة البريطانية واوربا، ووصولاً الى القارة الاسترالية، مجرد "مواخير ومباءات للفساد المالي والإداري"!
وانسياقاً مع هذا الهذيان السياسي، لابد من الاقتداء، بأكثر البلدان والأنظمة الشمولية الدكتاتورية، المعادية للحريات وحقوق الإنسان، باعتبارها فضاءاتٍ مضيئة، مترعةٍ بالنزاهة والنظافة والالتزام الأخلاقي!
إذاً، لماذا "جيّشنا" العالم ايها المؤمن الورع، لإسقاط أعتى دكتاتورية تسلّطت على رقاب شعبنا، المُبتلى بك أنت أيضاً؟
لماذا أسقطنا نظام صدام حسين، الذي تفضّلت بحكمة سياستك، وأجبرت المواطنين المتلوعين باستكبارك وتعديات أجهزتك، على الهتاف باسمه "على كراهة منهم" وإمعاناً في إهانة تجبرك، بعد عشر سنوات عجاف على إسقاطه، في كربلاء المقدسة بالذات، وليس في تكريت مسقط رأسه، او الأنبار!؟
(4)
ان التبصر في استدراكات رئيس مجلس الوزراء في العراق المنكوب بقادته وأولياء امره، يجعلنا امام نموذج لذلك الذي "فسّر الماء بعد الجهد، بالماء" في القراءة الخلدونية، اذ استنتج بحكمة لا يُحسد عليها، ان "المال السائب يشجع على السرقة"! وفي هذا السياق يربط المالكي، بين المال السائب وانعدام الرقابة، وهو بهما، يصيب كبد الحقيقة لا حواشيها.
والسؤال المر، هو عن أي رقابة يتحدث المالكي، بعد أن أجهز على كل الهيئات المستقلة، دون استثناء البرلمان، وأسقطها في حضنه الدافئ، او أحضان فريق مكتبه وولده؟
هل يتجاهل المالكي انه، وخلافاً لأي عُرف او قانون او دستور، قد جمّع خيوط الدولة كلها، بوزاراتها وهيئاتها، في مكاتب تخضع لسلطة مكتبه مباشرة، ولا احد له الحق في إقرار ما لا يتماشى مع رؤى متخلفة لا تخضع للاختصاص او الكفاءة او النزاهة المشهودة، سوى ائتمارها بإرادة دولته، والخاصة من المحيطين به؟
ثم أين الرقابة على الأموال الطائلة، من التخصيصات المقرة لرئاسة مجلس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة التي يشرف عليها شخصياً، وما هي أوجه صرفها، وبأيّ مسوغٍ تحدد بنودها، وهل من بين ذلك، باب "شراء الذمم"؟
وان لم يكن كذلك، فمن اين يموّل ابو احمد المالكي، وسائل إعلامه، من قناة فضائية وجريدة يومية ومواقع للتواصل الاجتماعي، وهبات توزع على إسكات معارضين ووسائل إعلام؟
قد اعرف بعضها: انه عقود حكومية ومشاريع يجري تلزيمها من وراء الستار..
وماذا عن تمويل حملات دولة القانون الانتخابية، التي تبلغ أرقاماً فلكية..؟
قد اعرف بعضها أيضاً: انه من تمويلات رجال الأعمال والشركات الصديقة، الحقيقية منها والوهمية.
السؤال المكّدر، دولة الرئيس: ما صحة الإشاعة التي تقول، ان مئة الف برميل من النفط يومياً، تهدر و تذوب بين الأرقام وتذهب الى حسابات اخرى او توضع تحت تصرف جهات لا يعلم بها غيرك، لان العدادات التي وعد بها السيد الشهرستاني، لم يستطع انجاز صناعتها بعد!؟
يا رب العراق، هل صحيح انك أدرت ظهرك لنا..!؟
يتبع... "الشعب لا يحب الحكومة"..!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 29-10-2013     عدد القراء :  1555       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced