(النهوة ).. ظاهرة تبحث عن تشريع قانوني رادع
بقلم : بشير خزعل
العودة الى صفحة المقالات

تقليد عشائري ينتهك حرية المرأة

(منال) الفتاة الحالمة بمستقبلها في كلية الصيدلة وبعد عناء ومجهود مضنٍ قضته على مدى سنوات الدراسة في المرحلة الاعدادية، أصبح يلاحقها شبح زواجها الإجباري من ابن عمها الذي لم يكمل دراسته المتوسطة، أختها التي تصغرها بسنتين وهي طالبة في كلية العلوم،هي الأخرى يلاحقها ابن عمها الآخر، ولم يستطع الأب المغلوب على أمره بسبب تهديدات إخوته الأربعة من فعل شيء سوى أن يرفض كل من يتقدم لخطبة بناته، فكلمة واحدة فقط كانت تجبر الخاطب على التراجع بسرعة ( انت منهي)، ثلاث سنوات مضت على تخرج منال، ولم تستطع أن تختار شريك حياتها حتى بعد أن تزوج ابن عمها.

بلا حماية
يقول جبارعبد الحسن والد منال : لايوجد قانون يحمينا من تلك العادات والتقاليد البالية التي مازال يتمسك بها البعض بسبب فشلهم على الاندماج في الحياة المدنية وبقائهم أسرى لأعراف كانت تعمل بها العشائر لبساطة حياتهم وتفشي الأمية لعصور مضت، فلم تكن المرأة متعلمة ولاعمل لها سوى الاعمال المنزلية وان تكون زوجة من دون أن يؤخذ رأيها، فغالبا ما تهدى او تعطى مقابل إمرأة أخرى يتزوجها شقيقها او ابوها وكان هذا الزواج يسمى (كصة بكصة)، واضاف عبد الحسن منذ اكثر من ثلاث سنوات وانا لاأستطيع أن أزوج بناتي الثلاث، فقد هددني أخوتي بقتل كل من يقترب منهن طالبا الزواج، وتراجع اكثر من اربعة كانوا قد تقدموا لخطبة بناتي، الأول كان يعمل صيدلانيا، والآخر كان مهندسا، واخر كان طالبا في مرحلة الماجستير، في حين ان جميع ابناء اخوتي لم يكملوا تعليمهم الاعدادي ويعملون بأعمال يومية في البناء (العمالة)، وبين والد منال : انه ذهب لتقديم شكوى في مركز الشرطة ضد إخوته بسبب تهديداتهم له، لكن الضابط  أخبره ان شكواه ستكون بخصوص التهديد فقط ولايستطيع أن يتدخل في شؤونهم العشائرية والعائلية اويجبر الطرف المعتدي على ترك مطلب (النهوة)، فلايوجد قانون ينص على التعامل مع مثل هذه الحالات .

كابوس
لم يكن من السهل التحدث مع فتاة كانت تبكي طيلة فترة لقائنا بها، فمنال المجتهدة ترى بعد تخرجها من كلية الصيدلة ان مستقبلها اصبح مهددا ولاتستطيع ان تفعل شيئا أمام سطوة أعمامها، مبينة انها تعيش كابوسا مرعبا كلما طرق بابهم أحد الأقارب أو أحد عمومتها، تقول منال : لايمكن أن أتزوج من أي شخص لا أرغب العيش معه، لاسيما اذا كان غير متعلم ولاتوجد مشتركات بيننا، من حقي أن أختار الانسان الذي اعيش معه حياتي ولا أريد أن أكون مجرد إمراة لاتجيد غير الطبخ وإرضاء رغبات زوجها الذي لايفقه شيئا في الحياة، لأنه لم يقرأ كتابا في حياته .

تجاوز
حسن عاتي (65) عاما احد وجهاء العشائر في بغداد اشار الى حصول تجاوزات متكررة من قبل الأشخاص الذين يمارسون هذا التقليد العشائري، فقد حدث قبل شهرين تقريبا اطلاق نار على بيت أحد الأشخاص الذين تقدموا لخطبة فتاة بعد أن هدد ابن عمها بقتل كل من يتقدم لخطبتها، بالرغم من انه متزوج ولديه ثلاثة اطفال، ويضيف عاتي : تدخلنا مع بعض شيوخ ووجهاء العشائر لفض النزاع بين الطرفين ( الخاطب وابن عم الفتاة) وانتهى الامر باعتذار الاول عن اطلاق النار، لكن مصير الفتاة ظل معلقا (فالنهوة مازالت سارية) ولايستطيع أحد أن يمنعها سوى صاحب حق ( النهوة) . حق غير مشروع

سعد عبد الرضا شاب في الرابعة والعشرين من العمر لم يكمل دراسته المتوسطة، وبعد تركه الدراسة عمل  ميكانيكيا في تصليح السيارات، لم تساعده ظروفه المادية على الزواج من اية فتاة غريبة، ولذلك وجد ان ابنة عمه التي تخرجت من الدراسة الاعدادية وحصلت على معدل أهلها للقبول في قسم اللغة الانكليزية بجامعة بغداد، فرصة مناسبة للحصول على زوجة جاهزة وغير مكلفة (فهي ابنة عمه) كما يقول : لاتستطيع الزواج من غيري وكل شخص يقترب منها ( منهي) وسيكون مصيره القتل إن تمادى أو تجاهل تحذيري، وأضاف رضا متباهيا بعد سؤاله عن ضرورة ان يكون هناك قبول من قبل الفتاة على الزواج من أي شخص  ليس مهما وستتعود على الحياة معي وستنشغل بأطفالها وبيتها وهذا احسن وافضل من ( لغوة المدارس ومشاكلها).

وجهة نظر متطرفة
يقول الشيخ ناصرحسن الكاظم (55) عاما : (النهوة) تقليد عشائري متعارف عليه منذ مئات السنين فهو موروث من عصر ماقبل الاسلام وبعده، ومن حق ابن العم أن يتزوج من ابنة عمه اذا كان راغبا بها، ولايحق لأحد آخر أن يزاحمه عليها، وعلى الخاطب الغريب أن يحترم هذا ( الحق) ويتراجع، واذا تجاوز الحدود وتعرض لأذى أو قتل، فان العشيرة غير ملزمة بدفع الدية او التعويض إلا من باب ارضاء أهل القتيل وعشيرته، وهذه ( السنينة) معروفة لدى جميع العشائر العراقية، فالمنهي في حكم ( المهدور دمه) اذا تجاوز الحدود واصر على خطبة الفتاة، وعن قبول الفتاة ورأيها في اختيار شريك حياتها، أجاب الشيخ حسن هذا لامر ليس مهما في عرفنا العشائري : فانا لم أر زوجتي الا في ليلة الزفاف: ونعيش مع بعضنا منذ 35 سنة ولدينا ستة اولاد، الأهل أعرف وأدرى بمستقبل ابنتهم، ولايمكن أن نترك الأمور لرغبات صبيانية قد تؤدي الى فضائح كما نرى ونسمع في ايامنا هذه.

زواج غير مشروع
رجل الدين الشيخ محسن النصراوي خطيب احد المساجد في مدينة الشعب قال: الدين الاسلامي الحنيف لم يشرع مثل هذه الزيجات ولم يقر بها، وقد نهى عنها مرارا وتكرارا، لأن الاسلام ليس دين اكراه، العشائر هي من أوجدت هذه العادات والتقاليد البالية التي تعود لأيام الجاهلية، فقد كرم الدين المحمدي المرأة وجعل لها منزلة رفيعة في المجتمع، لكن الجهل والتخلف اللذين كانا سائدين في عصور متتالية مرت على شعوب الاسلام هما اللذان اوجدا مثل هذه الأعراف غير الجائزة شرعا، فلايمكن أن يزوج الأب ابنته مالم تكن على رضا وقبول تامين من الشخص الذي ستقضي معه بقية حياتها، حتى اننا كرجال دين نسأل عند عقد القران لاي فتاة ان كانت قد قبلت من الشخص المسمى لها بأن يكون زوجها وإن امتنعت فلايحق لرجل الدين أن يعقد القران او حتى يسألها عن السبب، لكن اغلب الزيجات قد تتم تحت تهديد الاهل وخوف الفتاة ولذلك يكون قبولها شكليا، واضاف النصرواي: لقد نهى الله ورسوله عن زواج الاكراه، ومسألة (النهوة) غير جائزة شرعا ومحرمة في الدين الاسلامي، ولذلك لابد من تشريع قوانين مدنية تحد من استفحال مثل هذه الممارسات بين أوساط المجتمع العراقي، ولا أريد الخوض في الأحاديث والتشريعات الدينية التي قد يعترض عليها البعض وتتحول الى محل خلاف ومساجلات لافائدة منها، لأننا في عصر يختلف عن العصور التي عاشها اسلافنا، والمهم أن نعمل على تقويم المجتمع واصلاحه من العادات والتقاليد التي لاتنتنج غير التفكك والتشرذم الأسري الذي يؤدي الى ضياع الأسرة واستفحال المفاسد.

رأي القانون

المحامي علي الجابر متخصص في قضايا الأحوال المدنية قال :
بعد قرابة عام ونصف على قيام الحكم الجمهوري في العراق، وبتاريخ الرابع عشر من تموز العام 1958، صدر قانون الأحوال الشخصية رقم 188، بعد جهود فقهية وقانونية مضنية، بذلها قضاة ومصلحون منذ نهايات العهد الملكي، كانت غايتها تحقيق الاستقرار في الحياة الاسرية وانهاء الارتباك والتناقض في احكام القضاء الشرعي، وقد استند الى احكام الشريعة الاسلامية، مستمزجا فقه المذاهب الاسلامية من دون تحيز، الا ان القانون لم يبق على حاله بل طرأت عليه تعديلات كثيرة، كان اولها في العام 1963.
ثم توالت التعديلات في السبعينيات والثمانينيات، اضيفت بموجبها مبادئ جديدة، أغلبها ينصف المرأة، باستثناء ما كان منها ذا طابع سياسي، ومن المستغرب انه بعد ستة واربعين عاما على صدور هذا القانون، وبعد أن نشطت التوقعات صوب مزيد من الحقوق للمرأة واستقرار العائلة، يفاجأ العراقيون بصدور قرار رقم 137 من مجلس الحكم يقضي بالغاء قانون الأحوال الشخصية ويعيد العمل بالقضاء المذهبي، وان كان هذا القرار الغريب قد الغي بعد صدوره بفترة وجيزة في العام 2004 الا ان مفاعيله ظهرت مجددا في نصوص الدستور الذي اقر باستفتاء شعبي.

مزايا القانون
وأضاف، صاحب  في الأسباب الموجبة لقانون 188، لم تكن الأحكام الشرعية للأحوال الشخصية قد شرعت في قانون واحد يجمع من أقوال الفقهاء ما هو متفق عليه والاكثر ملاءمة للمصلحة الزمنية، وكان القضاء الشرعي يستند في اصدار احكامه الى النصوص المدونة في الكتب الفقهية والى الفتاوى في المسائل المختلف عليها والى قضاء المحاكم في البلاد الاسلامية.
وقد وجد ان في تعدد مصادر القضاء واختلاف الاحكام ما يجعل حياة العائلة غير مستقرة وحقوق الفرد غير مضمونة، فكان هذا دافعا للتفكير بوضع قانون يجمع فيه أهم الأحكام الشرعية المتفق عليها، ومنها مايمنع ظاهرة الاكراه او كما يطلق عليها (النهوة ) في الأعراف والتقاليد العشائرية، فهي متى ما وجدت قانونا يمنعها ويحاسب العاملين بها  ستتلاشى حتما ويجد ممن يعانون منها ملاذا  قانونيا يلجؤون اليه من تعصب واستفراد القوي بالضعيف، لاسيما لدى الفتيات اليتيمات او من لايقوى أهلها على ردع المطالبين بهذا الحق
المغلوط .

علم النفس
الدكتور رحيم الشمري استاذ علم النفس في جامعة بغداد تحدث عن هذه الظاهرة قائلا: كثيرة هي حالات الزواج في الاكراه، لاسيما تلك المتعلقة بزواج ابن العم من ابنة عمه عنوة  لصلة القرابة التي اتاحت له حق غير مشروع  بسبب مستوى التخلف الثقافي الذي انتهجته بعض المجتمعات العشائرية حتى تلك التي تعيش في المدن منذ عشرات السنين، مثل هذه الزيجات لم ينجح اكثر من 70بالمئة منها، ولأسباب كثيرة، أهمها عدم القبول بالآخر الذي فرض نفسه بالقوة، ولذلك فان مستقبل هذا الزواج يكون محفوفا بالمخاطر المتنوعة التي قد تصيب الاسرة، واخطرها انتقام الزوجة بطرق ووسائل شتى، ونشوء أسرة غير متوازنة ومفككة، وقد سجلت المحاكم العراقية حوادث كثيرة تبين بعد البحث عن خلفياتها، انها ناتجة عن زواج بالاكراه أما ( نهوة) او (فصلية)،  وفي أحد الحوادث  وجد أن إحدى الزوجات كانت تخون زوجها فقط لأجل الانتقام من شرفه بسبب زواجه منها بفرض ( النهوة) عليها طيلة اربع سنوات ثم تزوجها قسرا بعد أن تراجع عن خطبتها أكثر من ثلاثة أشخاص بسبب التهديد من قبله، واضاف الشمري لابد من تشريع قوانين جديدة تحد من بعض الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي تخرب منظومة القيم الاخلاقية للأسرة والعشيرة، خصوصا مع تغيير نمط الحياة واتساع مجالاتها أمام المرأة، وعلى المشرع القانوني ومنظمات المجتمع المدني أن يأخذوا في الحسبان خطورة عودة بعض التقاليد والعادات البالية التي أخذت تزداد وتتسع في بعض مناطق بغداد والمدن العراقية الأخرى، خصوصا المجتمعات العشائرية في القرى والأرياف.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 12-11-2013     عدد القراء :  1590       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced