ما بين النص المقدس والضرورة الموضوعية
بقلم : د. كاوة محمود
العودة الى صفحة المقالات

تكمن قوة النص المقدس تاريخيا في علاقة النص بالواقع الذي ساهم في خلق وايجاد النص، واضفاء القدسية عليه من خلال منطق الضرورة.
تثير موضوعة دراسة النصوص القديمة وتحليلها وإجراء نوع من المقارنة بينها بالاعتماد على منهج تجريدي في دراسة تلك النصوص، اشكاليات حقيقية توصلنا إلى أنصاف الحقائق، وعليه لابدّ من دراسة تلك النصوص من خلال فهم الصلة بين النص من جهة، وبين الواقع الاجتماعي من جهة أخرى.
تقدم لنا النصوص المقدسة وكذلك تلك المتعلقة بالجوانب الفقهية والقانونية، مادة حيوية غنية عن نوعية العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة في ظرف تاريخي معيّن، على اعتبار كون تلك النصوص تعبيراً عن الحاجات الموضوعية، مع الأخذ بنظر الاعتبار تأثير السلطة والنوازع والميول السياسية في التعامل مع النصوص التاريخية والتراثية، وطبيعة علاقتها بالنصوص الفقهية، وارتباط كل هذه الأمور بحاجات العامة والسواد الأعظم من الناس.
والسؤال الاساسي في هذا المجال هو هل إن الالتزام بترك واجتناب فعل معين، أوشكل من أشكال العلاقة، وتحريمها، تم بالاعتماد على تأثير النص الذي تمتع بالبلاغة والإيجاز، أم إن هناك ظروف وعوامل أخرى حياتية مرتبطة بظروف المعيشة، قد ساهمت في تحديد الثقافة والقيم والأعراف السائدة ، وحددت قضية المحرًّمات، بل وساهمت في إيجاد نصوص قانونية وفقهية حول الموضوع؟
ان النصوص التي اكتسبت القدسية كانت بحاجة إلى وقت طويل وحقب زمنية مديدة، حتى تصبح متجذرة ومترسخة في أعماق معتنقيها. لقد تعاملت النصوص مع عادات وأنساق اجتماعية ذات طبيعة تراكمية، وامتلكت بسبب تلك الطبيعة جذوراً عميقة في ضمير المجتمع ووجدانه.
ولكون الحياة تطرح أموراً وحوادث جديدة ومتطلبات غير متناهية، في حين إن النصوص متناهية، ظهرت الحاجة الموضوعية إلى تفسير وتأويل النصوص، بهدف الإجابة على الأسئلة الجديدة التي طرحتها الحياة والواقع المعاش.
إن الغرض من الحديث عن العلاقة بين النصوص والواقع الاجتماعي، هو التأكيد بأن النص المقدس كان بحاجة إلى فترة طويلة لكي يؤثر في الواقع، وأسهم الواقع في الوقت نفسه في خلق النص عبر إيجاد الحاجة الموضوعية إلى ضرورته، وضرورة تفسيره استجابةً للواقع.
ولذا كان لابدّ من الرجوع إلى مصادر التاريخ والتراث، والبحث في المفردات الواردة حول الحياة اليومية للناس، وسبل معيشتهم، وارتباط تلك المفردات والسبل بممارساتهم الحياتية وتحديد المحرًّمات، وعدم الاقتصار على الكتب المقدسة، والكتب المتعلقة بتفسير تلك النصوص بمختلف مسمياتها للوصول إلى رؤية واسعة حول خلفية المواضيع التي نتناولها، ارتباطا بالحاضر ودراسة تأثير ذلك على مستقبل مجتمعاتنا .
المهم في مثل هذه البحوث عدم فصل العبارة الدينية عن مجالها التداولي، فالعبارة الدينية ليست نظاماً عقائدياً وإيمانياً، لا تداول فيها، أو أفكار تجريدية بحتة لا تستوفي شروط فهم الكلمات والألفاظ المكونة لها، بمستويات التداول والممارسة الحياتية، وعليه فأن الجانب التجريدي الموجود في العبارة الدينية، سيكتمل من خلال فهم الممارسات الحياتية اليومية.
ويبقى النص المقدس في المطاف الأخير معطى لغوي غير مؤهل للمزيد من التفسير والتأويل، ولا بد أن نرجع في المحطة النهائية الى الضرورة الموضوعية المتجسدة بالحاجات والمتطلبات الفعلية للناس، وتركهم أحرارا فيما يقررونه من ضرورات لتقرير طرق حياتهم وسبل تنظيم علاقاتهم الاجتماعية.

  كتب بتأريخ :  السبت 23-11-2013     عدد القراء :  1568       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced