تعدد الزوجات شكل من اشكال العنف ضد المرأة
بقلم : د. كاوة محمود
العودة الى صفحة المقالات

الجزء الاول
أشارت الفقرة الرابعة من المادة الثالثة من قانون الأحوال الشخصية العراقي الى أنه:
"لا يجوز الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن تحقق الشرطين التاليين:
أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة أكثر من زوجة واحدة.
أن تكون هناك مصلحة مشروعة."
وتشير الفقرة الخامسة من نفس المادة الى أنه "إذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي".
وحدد المشرع عقوبةً في حالة الاخلال بالفقرتين الرابعة والخامسة من المادة الرابعة. فحسب الفرة السادسة "كل من أجرى عقداً بالزواج باكثر من واحدة خلافاً لما ذكر في الفقرتين 4 و5 يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عل سنة أو بالغرامة بما لا يزيد على مائة دينار أو بهما".
وتشير الفقرة السابعة الى " إستثناء من أحكام الفقرتين 4 و 5 من هذه المادة يجوز الزواج بأكثر من واحدة إذا كان المراد الزواج بها أرملة".
ذكر المشرع العراقي في الاسباب الموجبة لصدور قانون الأحوال الشخصية الوجهة التي اعتمد عليها في صياغة موقفه من مسألة تعدد الزوجات. فقد ورد في الأسباب الموجبة "رأت اللجنة أن قوانين البلاد الإسلامية قد ذهبت في حكم تعدد الزوجات مذهبين فمنعه التشريع التونسي بصورة مطلقة وعاقب عليه (المادة 18) منه وقيد التشريع المغربي المنع بالخوف من عدم العدل (ف-30) فإختارت اللجنة مذهباً وسطاً بينهما فمنعت بالمادة الثالثة الزواج بأكثر من واحدة إلا بإذن القاضي ويشترط لإعطاء الإذن أن تكون للزوج كفاية مالية لإعالة ما زاد على واحدة وأن تكون هناك مصلحة مشروعة ومنعت الزواج بأكثر من واحدة إذا خيف عدم العدل وتركت ذلك لتقدير القاضي كما إنها نصت على عقوبة الحبس لمدة سنة أو بالغرامة مائة دينار على من يخلف ذلك".
على الرغم من أن القانون يقر بشكل عام بمبدأ وحدانية الزواج، ويضع عقوبة في حالة التعدد، عدا الاستثناءات المتمثلة في أخذ موافقة القاضي في حالة توفر شرطي الكفاية المالية للاعالة، ووجود المصلحة المشروعة، والاستثناء المتعلق بالزواج بالارامل، وهو تعديل جرى في زمن النظام الديكتاتوري أثناء الحرب العراقية الايرانية، فان المادة المتعلقة بتعدد الزوجات بحاجة الى تعديل جدي، انطلاقاً من الأسباب التالية:
ـ عدم امكانية تحقيق مفهوم العدالة بشكل عملي وقد أشارت الفرة الخامسة من المادة الثالثة الى انه "إذا خيف عدم العدل بين الزوجات فلا يجوز التعدد ويترك تقدير ذلك للقاضي".
تستند هذه الفقرة على مفهوم العدالة المتعلقة بحالة تعدد الزوجات الواردة في القرآن الكريم. وقد ترك لنا التراث القانوني والفقه الاسلامي ذخيرة كبيرة حول مسألة تعدد الزوجات. وتتمحور جملة هذه الآراء حول تفسير الآية الثالثة من سورة النساء، ( وان خفتم ألا تقسطوا في اليتامى، فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو مالكت أيمانكم، ذلك أدنى أن لا تعولوا).
وتشير الآية 129 من سورة النساء ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمُعلقة. وإن تصلحوا وتتقوا فان الله كان غفوراً رحيما).
لقد سعى الفقهاء الى نفي التعارض الموجود بين الآيتين وفق القيم الاجتماعية السائدة في مجتمع تخيم عليه العقلية الذكورية السائدة على اعتبار أن الحديث عن العدل المطلوب هو العدل في الكسوة والانفاق، لا العدل في الميل والمحبة. ويشير عدد من رجال الدين المعاصرين ضمن هذه المدرسة الى "أن العدل المطلوب هو العدل الظاهر المقدور عليه وليس هو العدل في المودة والمحبة، فإن ذلك لا يستطيعه أحد".
وجملة هذه التفسيرات تنطلق من منهج يجرد النص الديني من واقعه المتمثل بعلم أسباب النزول الذي أعطى للنص الديني حيويةً كونه يعبر عن ظرف تاريخي.
ينطلق هذا المنهج التقليدي في وجهة نظره إلى المرأة ككائن داخل مؤسسة الأسرة، وظيفته في الدرجة الأولى الحمل والولادة لحفظ النسل الإنساني. في حين يقوم الرجل بالاعمال الاجتماعية الكبرى.
وحسب رأي محمد مجتهد شبستري " لم يكن في ذهن هؤلاء أبداً فكرة أن تقوم المرأة بالخروج من إطار الأسرة لتجد دوراً لها في المجتمع. وبحسب الواقع فإن هذا التعريف لدور المرأة كان يتطابق مع البناء السياسي الاجتماعي للمجتمع آنذاك. فلم تكن المرأة شريكة حياة للرجل ، بل كانت وظيفتها التخفيف من ضغوط ومشاكل الحياة الإنسانية والسير بالحياة لتوفير الظروف لرجل الأسرة للقيام بالدور الكبير الملقى عليه.
وعلى خلاف هذا الرأي أشار فقهاء آخرون الى أن الشريعة الاسلامية "أباحت للرجل الاقتران بأربع من النسوة، أن علم من نفسه القدرة على العدل بينهن، وإلاّ فلا يجوز الاقتران بغير واحدة".
ظهر التناقض الفعلي بين النصوص المتعلقة باباحة التعدد في بداية الاسلام والتي كانت تنسجم مع قيم العدالة في ذلك الظرف التاريخي على اعتبار ان تحديد الزواج بأربع نسوة تحديد بشكل معين للتعدد غير المحدود السائد في الحزيرة العربية قبل الاسلام، وارتباطاً بالمسائل المتعلقة بالمهر والنفقة وهي مسائل لا يمكن النظر الى ماهيتها دون الاعتماد على منهجية تاريخية النصوص، وبين الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السائد في الوقت الحاضر بشكل يجعل من الصعوبة التعامل بمفهوم تجريد النص من تاريخيته في الأمور المتعلقة بشؤون المرأة والأسرة عموماً، ارتباطاً بالمشاركة الفعلية والجادة للمرأة في كل ما يخص بناء المجتمع في تشكيلة اجتماعية اقتصادية وسياسية معاصرة تختلف قطعاً عن ظروف نشأة النصوص التي تعامل الفقهاء "التقليديون" بتحريد عالٍ.
وضمن محاولات التكييف مع النص تعامل الفقيه الاصلاحي الامام محمد عبدة مع حالة تعدد الزوجات وعبر عنها من الناحية الاجتماعية بأنه " لا يعذر رجل يتزوج بأكثر من امرأة، اللهم إلا في حالة الضرورة المطلقة، كأن أصيبت امرأته الأولى بمرض لا يسمح لها بتأدية حقوق الزوجية.. أقول ذلك ولا أحب أن يتزوج الرجل بأمرأة أخرى حتى في هذه الحالة وأمثالها، حيث لا ذنب للمرأة فيها، والمروءة تقضي أن يتحمل ما تصاب امرأته من العلل، كما يرى من الواجب أن تتحمل هي ما عساه كان بصاب به" .
وباستثناء هذه الحالة، وحالة عقر المرأة لا يرى محمد عبدة تعدد الزوجات "إلا حيلة شرعية لقضاء شهوة بهيمية، وهو علامة تدل على فساد الأخلاق واختلال الحواس وشره في طلب اللذائذ".
لم يبق رأي الامام محمد عبدة في هذا الاطار فقط، فقد سعى لمنع التعدد من خلال تناول المسألة ضمن علم أصول الفقه والاعتماد على معيار المصالح كمصدر للأحكام الشرعية في الفقه السني، وكون المقصود بتشريع الأحكام تحقيق المصالح للناس بجلب المنافع لهم ودرء المفاسد عنهم، وأن المصلحة التي شرعت من أجلها التعدد لا يتحقق في الوقت الحاضر.
وبهذا الصدد أشار الى أن " غاية ما يستفاد من آية التحليل إنما هو: حل تعدد الزوجات إذا أمن الجور. وهذا الحلال هو كسائر أنواع الحلال تعتريه الأحكام الشرعية الأخرى من المنع والكراهة وغيرهما بحسب ما يترتب عليه من المفاسد والمصالح، فإذا غلب على الناس الجور بين الزوجات، كما هو مشاهد في أزماننا، أو نشأ عن تعدد الزوجات فساد في العائلات وتعدِ للحدود الشرعية الواجب التزامها، وقيام العداوة بين أعضاء العائلة الواحدة، وشيوع ذلك الى حد يكاد يكون عاماً، جاز للحاكم، رعاية للمصلحة العامة، أن يمنع تعدد الزوجات بشرط أو بغير شرط، على حسب ما يراه موافقاً لمصلحة الأمة".
كما أشار في مجال آخر الى أن شرط التعدد هو التحقق من العدل، وهذا الشرط مفقود حتماً.
لم برق أفكار هذا الفقيه الكبير حول تعدد الزوجات وغيرها من مواضيع اجتماعية تتعلق بالموقف من المرأة للكثير من الباحثين السلفيين.
فقد اعتبر البعض "بأن الشيخ محمد عبدة قد خالف نص القرآن والسنة النبوية وعمل الصحابة واجماع الأمة الاسلامية الى عصره باباحة التعدد. لذلك يعتبر قوله مردوداً باطلاً".
على الرغم من رأي السلفيين في هذا المجال فان رأي الامام محمد عبدة حول المسألة يبدو أكثر منطقياً وانسجاماً مع المقاصد الكلية للشريعة الاسلامية وطبيعة المرأة، وعدم تحبيذ المرأة وولي أمرها حتى في بداية صدر الاسلام، قبول مشاركة امرأة أخرى في الزوج.

الجزء الثاني
حاول المسلمون الأوائل تجاوز حالة التعدد فيما يخص بناتهم من خلال وضع الشروط في عقد الزواج. وقد روى البخاري ومسلم في صحيحهما أن النبي قال: (إن أحق الشروط أن توفوا ما استحللتم به الفروج).
وقد أبدى النبي عدم موافقته على أن يتزوج ابن عمه علي بن أبي طالب من امرأة أخرى لكي لا تتأذى ابنته فاطمة التي كانت زوجة علي بن أبي طالب. و لو أنّ العدل كما يزعم البعض ، في الجوانب المادية فقط لما رفض رسول الله أن يتزوّج علي ابن أبي طالب زوجة ثانية مع ابنته فاطمة الزهراء لمّا جاءته باكية ، فقالت : يزعمون أنّك لا تغضب لبناتك . و قد أدرك أبوها ما تريد.
وقد روي أنه "سُمع رسول الله على المنبر يقول: إن بني هاشم بن المغيرة استأذنوني أن ينكحوا ابنتهم من علي بن أبي طالب، فلا آذن لهم، ثم لا آذن إلا أن يريد ابن ابي طالب أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم، فنما ابنتي بضعة مني يُريبُني ما أرابَها، ويؤذيني ما أذاها".
أما ما أورده السلفيون في بطلان رأي الامام محمد عبدة حول حق الحاكم، رعاية للمصلحة العامة، أن يمنع تعدد الزوجات بشرط أو بغير شرط، على حسب ما يراه موافقاً لمصلحة الأمة، فإن السوابق في الاسلام تدحض آراء السلفيين.
لقد التفت الخلفاء الراشدون الى "تعليل الأحكام رعايةً للمصلحة ودرءاً للمفسدة. وعلى هذا الأساس لم يطبقوا بعض الأحكام المنصوص عليها لزوال علتها أو لعدم تحقق شروط تطبيق الحكم، وان كان قد يرى ظاهرياً أن هذه الشروط متحققة، أو لغرض الردع والزجر عن الوقوع في المفسدة".
ومن الأحكام التي وردت بها نصوص صريحة في القرآن وفي الحديث النبوي، ولم يطبق في عهد الراشدين، سهم المؤلفة قلوبهم. فقد ورد في القرآن الكريم ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب...) . والمؤلفة قلوبهم منهم المسلم الضعيف في ايمانه، ومنهم غير المسلم الذي يخشى شره أو يرتجى اسلامه.
وفي زمن عمر بن الخطاب لم يعط شيئاً من الزكاة لمن كانوا يسمون المؤلفة قلوبهم لعدم توفر شروط تطبيق الآية. وقد فعل الخليفة الثاني الأمر نفسه عندما أوقف حد السرقة رغم وجود آية واضحة تدعو الى قطع يد السارق. وأمر الخليفة الثالث بالتقاط ضوال الإبل رغم عدم التقاطها في زمن النبي وفي خلافتي أبو بكر وعمر لوجود حديث صريح بعدم جواز التقاطها. وفي خلافة علي جعل لضوال الابل مكاناً خاصاً لاطعامها وسقيها الى أن يظهر صاحبها. كما أوقف عمر بن الخطاب تطبيق ما وردت به السنة وهو جعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلقةً واحدة.
لقد تعامل الفقهاء مع نصوص القرآن والحديث بهذا الشكل المرن في حين لم يمض عقد أو عقدان على وجود تلك النصوص، فانطلاقاً من المتغيرات وحاجات الناس، ومن المقاصد الكلية للشريعة التي تؤكد تحقيق المصلحة ودرء المفسدة، جرى ايقاف العمل بآيات وأحاديث واضحة، في حين يعيق العاملون التقليديون في مجال الفقه في الوقت الحاضر كل مسعى في التعامل مع النصوص من خلال منهج تاريخيته، والاستجابة الى طابع العصر والمتغيرات الحالية.
تأسيساً على مر يمكن القول بأن من حق السلطان أو الحاكم المتمثل اليوم بالعقل والارادة الجماعية للناس في أجهزتهم التمثيلية المنتخبة (البرلمان) منع تعدد الزوجات بسبب المفسدة المترتبة عليه من جهة، وعدم توفر شروط تطبيقه المتمثل بالعدالة، التي لا تعني حسب معايير اليوم الكسوة وتوفير السكن، بل المشاعر والمحبة والرحمة والرفق الواجب توفرها في عقد الزواج.
وحسب رأي محمد مجتهد شبستري "لا بد من تعريف العدالة في كلّ عصر، فلا نملك تعريف ثابتاً لها، ليس في ما يرجع إلى أحكام الرجل والمرأة فحسب بل للنظام السياسي والاقتصادي أيضاً. إن تعريف العدالة في كل عصر موكول إلى الإنسان ولا بد له من تحديده، واقصى ما يمكن أن يقال هو أن العدالة هي إعطاء كلّ ذي حق حقه. ولكن هذا التعريف عام. فلا بد في كلّ عصر من النظر إلى أن أي نوع من النظام الاقتصادي ، الأسري ، السياسي يمكنه أن يقدم لأفراد المجتمع حقوقهم. وبعبارة أخرى، أن يضع الفرص أمام الجميع بشكل متساو ، وفي نظام الأسرة الأمر أيضاً كذلك. ووظيفة أصحاب الرأي الآن البحث لمعرفة مواطن عدم المساواة. فلا بد لهم ـ وعبر التوسّل بالأدلة ـ من تحديد موارد عدم المساواة، وبهذا يتمكن أصحاب الرأي في المجتمع من الاقتراب من تعريف العدالة".
تناولت مجلة الأحوال الشخصية التونسي مسألة تعدد الزوجات انطلاقاً من هذه الوجهة. فقد منعت المجلة تعدّد الزوجات في ( الفصل 18 ) منها " تعدّد الزوجات ممنوع ، كلّ من تزوّج وهو في حالة الزوجية وقبل فكّ عصمة الزواج السابق يعاقب بالسجن لمدّة عام وبخطيّة قدرها مائتان وأربعون ألف فرنك، أو بإحدى العقوبتين ، ولو أنّ الزواج الجديد لم يبرم طبق أحكام القانون".
ويعاقب بنفس العقوبات كلّ من كان متزوّجا على خلاف الصيغ الواردة بالقانون عدد 3 لسنة 1957 المؤرّخ في 4 محرّم 1377 ( أوّل أوت 1957 ) والمتعلّق بتنظيم الحالة المدنية ، ويبرم عقد زواج ثان ويستمر على معاشرة زوجه الأولى.
لقد اعتبر المشرع التونسي بأن الفصل (18) من هذه المجلّة لا يتعارض مع الإسلام في منعه تعدد الزوجات، لأن الإسلام لم يفرض التعدد. و إنما وجد ظاهرة منتشرة بلغ فيها عدد الزوجات عشرين زوجة، فعمل على تهذيبها فحددها في أربع زوجات ، ووضع شروطا يستحيل معها التعدد بنص الآية 3، والآية 129 من سورة النساء. وبالتالي فإن ما قامت به تونس، و تضمنته مجلة الأحوال الشخصيّة يساير الإسلام، و حال التعدد كحال العبيد، هل يعقل اليوم أن نعيب تحرير العبيد. إضافة إلى أن منع التعدد في تونس يتناسق مع منطق الدستور التونسي الذي ينصّ الفصل السادس منه على المساواة وعبارته " كل المواطنين متساوون في الحقوق و الواجبات و هم سواء أمام القانون".
اما في المغرب فلم تلغ مدونة الأسرة ظاهرة تعدد الزوجات بل أدخلت عليها تقييدات كبيرة حيث سيكون بإمكان المرأة أن تشترط من زوجها قبل أن تتزوجه أن لا يقترن بزوجة ثانية. وقد اصبح للمرأة حق أن تشترط عند الزواج تعهدا من زوجها بعد الزواج من امرأة ثانية. ورغم أن مسألة تعدد الزوجات في المغرب لا تتجاوز 5% فقد اعتبرها الكثيرون من أهم النقاط الشائكة حيث ينص القانون الجديد على ألا تتم عملية التعدد إلا بعد رضا الزوجة الأولى وهو ما زاد من مخاوف التيار الإسلامي من الدخول بصورة هادئة في التجربة التونسية، بالرغم من أن الإحصائيات تؤكد وجود 35% من النساء المغربيات اللائى يحملن شهادات عليا نصفهن عازفات عن الزواج أو لم يجدن الزوج المناسب.
وقد جاء في ديباجة مدونة الأسرة المغربية فيما يخص تعدد الزوجات في البند رابعاً "فيما يخص التعدد، فقد راعينا في شأنه الالتزام بمقاصد الإسلام السمحة في الحرص على العدل، الذي جعل الحق سبحانه يقيد إمكان التعدد بتوفيره، في قوله تعالى: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة"، وحيث إنه تعالى نفى هذا العدل بقوله: "ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، فقد جعله شبه ممتنع شرعا كما تشبعنا بحكمة الإسلام المتميزة، بالترخيص بزواج الرجل بامرأة ثانية، بصفة شرعية لضرورات قاهرة وضوابط صارمة، وبإذن من القاضي، بدل اللجوء للتعدد الفعلي غير الشرعي، في حالة منع التعدد بصفة قطعية.
ومن هذا المنطلق فإن التعدد لا يجوز إلا وفق الحالات والشروط الشرعية التالية:
ـ لا يأذن القاضي بالتعدد إلا إذا تأكد من إمكانية الزوج في توفير العدل على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وأبنائها في جميع جوانب الحياة، وإذا ثبت لديه المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد.
ـ للمرأة أن تشترط في العقد على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقا لها، عملا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "مقاطع الحقوق عند الشروط". وإذا لم يكن هنالك شرط، وجب استدعاء المرأة الأولى لأخذ موافقتها، وإخبار ورضى الزوجة الثانية بأن الزوج متزوج بغيرها. وهذا مع إعطاء الحق للمرأة المتزوج عليها، في طلب التطليق للضرر".
تعتبر مسألة الاشارة الى الشروط المتعلقة بعقد الزواج وسيلة لتجاوز حالة التعدد. واذا كان الأمر في المغرب الذي يعتمد على الفقه المالكي في اطار محدود، قإن مسألة الاشارة الى الشروط الملحقة بالعقد أخذ بعداً آخراً في ايران الذي يعتمد على الفقه الجعفري الاثنا عشري كما يشير الدستور الحالي، وهذا يعني أيضاً عدم اعتماده على معيار المصالح كمصدر من المصادر التبعية في استنباط الأحكام الشرعية لعدم قبول علم أصول الفقه الشيعي بهذا المصدر.
ففي ايران جرى تشريع "قانون حماية الأسرة" في عام 1967 أي قبل الثورة الايرانية. وبموجب هذا القانون " يمكن للزوجة أن تطلب الطلاق... إذا اتخذ زوجة ثانية دون أذنها.. ولا تسمح المحكمة للزوج باتخاذ زوجة ثانية إلاّ أذا ثبت لها أنه قادر مالياً على القيام بذلك، وعلى تطبيق قاعدة العدل في معاملته كلتا زوجتيه. ولكب لا تكون هذه التديدات خرقاً للشريعة، أعلن القانون أنها ينبغي أن تدون في وثيقة الزواج بوصفها منح لها كتخويل لا رجعة فيه من زوجها. ووفقاً لذلك تعين على الزوج أن يقبل كشرط تعاقدي ثانوي حصول زوجته بوصفها وكيلها المخول على حق تطليقه عن طريق المحاكم".
عارض رجال الدين المحافظين قانون حماية العائلة واعتبروا ذلك خرقاً للشريعة. وقد كتب الامام الخميني في كتابه (توضيح المسائل) تحت الجواب 2836 "بأن النساء اللاتي تطلقن بناء على أحكام المحاكم لم يحصلن على طلاق نافذ وينبغي اعتبارهن متزوجات، وإذا ما تزوجن مرةً أخرى، يكّن زانيات".
وبسبب النشاطات النسوية والشكاوى المقدمة من قبلهن الى الامام الخميني صاغ الجواب التالي كتابةً رداً على تلك الشكاوى إذ بيّن:
" لو اشترطت النساء عند عقد الزواج أن يكّن وكيلات مخولات (عن أزواجهن) في أمور الطلاق بشكل مطلق، أي أن لهنّ أن يطلقن متى شئن، أو وفق شروط نسبية، يعني عندما يسيئ الأزواج معاملتهن، أو يتخذون زوجات ثانيات، مثلاً، لن يعود ثمة عائق أمامهن، ويمكنهن أن يحصلن على طلاق"
وقد استخدم القانون الايراني الشروط التعاقدية الثانوية كوسيلة لتجاوز حالات عديدة تتعلق بالتعدد والطلاق وغيرها. لقد برزت الاشكاليات هناك لكون الفقهاء قد اعتبروا الأحكام المبيّنة في الكتاب والسنة التي صدرت في صدر الإسلام فيما يتعلق بنظام الأسرة ، هي أحكام دائمة لا تقبل التغيير اعتماداً على فرضية مسبقة البحث عن قانون أبدي. ولكن وبحكم الضرورة حدثت سلسلة من التغييرات الاجتماعية والثقافية، وأصبح من الواضح أن التمسك بطريقة التفكير القديمة أثار العديد من المشاكل، الأمر الذي أوجد مجموعة التدبيرات داخل النظام الفقهي الحقوقي لتجاوز الظلم الواضح للمرأة. لذا وضعت في وثيقة الزواج اليوم مجموعة من الشروط التي يرجع مضمونها إلى مراعاة بعض الحقوق التي ترجعإلى المرأة، غير أن الشروط التعاقدية الثانوية التي أتت في مجال محدود لا تستطيع معالجة تلك المشاكل، ولا بد من تدخل واضح للمجتمع في معالجة المشاكل الكتعلقة باباحة التعدد والضرر الناجم عنه.
واذا رجعنا الى اقليم كوردستان نرى ان البرلمان الكوردستاني تمكن من تعديل المادة المتعلقة بتعدد الزوجات في قانون الاحوال الشخصية العراقي، وهذا التعديل خطوة ايجابية من الناحية التشريعية، الا ان الكثيرين يستطيعون التحايل على القانون المذكور من خلال تسجيل الزيجات في المناطق الكوردستانية خارج حدود الاقليم الحالي، مما يثير اشكاليات تتعلق بالاختصاص المكاني لتطبيق القانون.
اما التعديلات فهي كالتالي:
يوقف العمل بالفقرات 4،5،6،7 من المادة الثالثة من القانون وتحل محلها ما يلي:
لا يجوز الزواج باكثر من واحدة الا بأمر القاضي. ويشترط لاعطاء الاذن الشروط التالية:
أـ موافقة الزوجة الاولى على زواج زوجها امام المحكمة.
ب ـ المرض المزمن الثابت المانع للمعاشرة الزوجية، والذي لا يرجى منه الشفاء، أو عقم الزوجية الثابت بتقرير من لجنة طبية مختصة.
ج ـ أن يكون لطالب الزواج الثاني امكانية مالية كافية لاعالة اكثر من زوجة واحدة، على ان يثبت ذلك بمستمسكات رسمية يقدمها للمحكمة عند اجراء عقد الزواج.
د ـ أن يقدم الزوج تعهدا خطيا امام المحكمة قبل اجراء عقد الزواج بتحقيق العدل بين الزوجين في القسم وغيره من الالتزامات الزوجية (المادية والمعنوية).
هـ ـ أن لا تكون الزوجة قد اشترطت عليها عدم التزوج عليها في عقد الزواج.
وـ كل من أجرى عقدا بالزواج خلافا للفقرات (أ، ب، ج، د، هـ) من ثانيا من هذه المادة يعاقب مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تزيد على سنة، وبغرامة قدرها عشرة ملايين دينار.
زـ لا يجوز للقاضي ايقاف تنفيذ العقوبات الواردة في (و) أعلاه.
ان التعديلات التي جرت في جوهرها تعديلات مهمة، غير ان الاشكاليات والتحايل على القانون لايزال مستمرا.
انطلاقاً من العرض المقدم ورغم التعديلات التي جرت أرى من الضرورة الاشارة بوضوح واجراء تعديل مفاده:
ـ لا يجوز تعدد الزوجات وفق أحكام هذا القانون.
كما ينبغي اتخاذ الاجراءات والآليات الكفيلة لضمان تطبيق القانون
المصادر
محمد مجتهد شبستري حوار أجرته مجلة (زنان) العدد 57 مع الشيخ شبستري، ونشرته في كتاب للمؤلف تحت عنوان (نقدي بر قرائت رسمي از دين) مؤسسة طرح نو.
محمد عبدة الأعمال الكاملة الكتابات الاجتماعية تحقيق وتقديم محمد عمارة ص 78
المصدر السابق ص 87
المصدر السابق ص 87
المصدر السابق ص 88
فتوى الشيخ محمد عبدة مجلة المنار عام 1927
جمال محمج فقي رسول الباجوري المرأة في الفكر الاسلامي (رسالة ماجستير) ص 262
صحيح مسلم / كتاب النكاح/ باب الوفاء بالشروط في النكاح / الحديث 1418 ص 558 دار النشر/ بيت الأفكار الدولية 1988
صحيح مسلم/ باب فضائل فاطمة بنت النبي (ص) / الحديث 2449 ص 993 دار النشر/ بيت الأفكار الدولية 1988
د. عبد الكريم زيدان المدخل لدراسة الشريعة الاسلامية ص2
الآية 60 من سورة التوبة
تفسير المنار ج10 ص 494
محمد مجتهد شبستري حوار أجرته مجلة (زنان) العدد 57 مع الشيخ شبستري، ونشرته في كتاب للمؤلف تحت عنوان (نقدي بر قرائت رسمي از دين) مؤسسة طرح نو.
مدونة الأسرة المغربية الصادر في 5 شباط 2004
د. أصغر شيرازي السياسة والدولة في الجمهورية الاسلامية ترجمة حميد سلمان الكعبي ص 318
صحبفة كبهان 30/10/1979

  كتب بتأريخ :  الخميس 28-11-2013     عدد القراء :  3562       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced