وداعا ايقونة العصر مانديلا
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

في واحد من المواقف المؤثرة، شاهد العالمُ زعيم الأقلية البيضاء السابق في جنوب إفريقيا، دي كليرك وهو يصلي من اجل أن يتمتع الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا بالصحة.. قائلا للصحفيين انه “يخشى غياب الرجل العجوز الذي يشكل وجوده ضمانة لكل سكان هذه البلاد بكل ألوانهم وطوائفهم”.
لعل التجربة السياسية لزعيم جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا تستحق من كل الساسة في العالم وأولهم حديثو التجربة في العراق أن يطالعوها، فالرجل الذي أمضى نصف عمره في زنزانة انفرادية،
توقع المقربون منه أن خروجه من السجن يعني أن لحظة الثأر قد حانت، لكنه لم يحقق لهم مبتغاهم ودعا الجميع إلى نسيان الماضي مؤكدا أن “الإنسان الحق هو ذلك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه”.
يبدو الحديث عن مانديلا هذه الأيام أشبه بالحديث عن حلم عاشه رجل في زنزانة ضيقة وحين أطلق سراحه عمل جاهدا على المحافظة على بلد متماسك بكل ألوانه، كان الأمر في البداية أشبه بالمستحيل، فالكل يشحذ سكاكينه، والكل يتهيأ لحرب الانتقام، وكان أمام العجوز الذي خرج منهكا من المعتقل خياران، الأول أن يبدأ حرب الانتقام ضد البيض الذين عذبوه لأكثر من ربع قرن، وحكموا مواطنيه الأفارقة بقوانين تساويهم بالحيوانات، والخيار الثاني ان يحافظ على امن وسلامة البلاد وروحها، فاختار الطريق الثاني وهو ألاّ يلغي مواطنة البيض الذين استقروا في هذا البلد منذ أكثر من ثلاثمئة عام إلى جانب السكان الأصليين ليفاجئ العالم بسياسة اليد الممدودة، وعقاب المخطئين بمحاكمات الاعتراف العلنية لتطهير النفس بديلا للانتقام والقتل.
وحين كان له الخيار في نائبه كأول زعيم إفريقي في بلده لم يذهب خياره إلا لزعيم الأقلية البيضاء، دي كليرك، فكانت روعة تناقض الألوان، من أجل أن يصل هذا الزعيم الاستثنائي إلى لون واحد من أجل شعب، مؤكداً إن الإنسان الحق هو ذاك الذي لا يكرر خطأ الظلم الذي ناضل كي يرفعه.
مانديلا علامة التسامح والغفران في عالم يجنح إلى التعصب والتحامل والعنصرية، استطاع أن يطوي صفحة سوداء ويفتح طريق المستقبل للمواطنين المتعددي الأعراق والأديان. وكانت مواقفه رمزاً لهذا المستقبل حين شكل حكومته الأولى من مظلومين وظالمين.
التسامح والغفران يتطلبان إيماناً بأن الأفكار مثلها مثل الأشياء تتحول وتتغير، أما عدم التسامح والعجز عن الغفران فهما دليل تعصب وجمود، وبسبب مانديلا الذي عمم مفهوم التسامح فإن جنوب أفريقيا اليوم أهم وأكثر دول القارة استقرارا ونجاحا.
في كتاب جديد يحمل اسم “حوار مع نفسي”، وهي نصوص كتبها مانديلا البالغ اليوم من العمر 93 عاما، يظهر الوجه الشخصي لهذا الرجل الذي تحول رمزا عالميا للمصالحة في القرن العشرين.
يكتب الرئيس الاميركي باراك أوباما، في مقدمة الكتاب تحية لحياة مانيلا “المناقضة للعبث وللاستسلام للقدر الشائعين في عالمنا”. مضيفا أن “مانديلا عاش في غابة السياسة، وكان له نصيبه من الضعف الإنساني، وفيه العناد والكبرياء والبساطة والاندفاع، ووراء سلطته وقيادته الأخلاقيتين كان يخفي دائماً سياسياً متكاملاً وقد ارتكزت منجزاته العظيمة على براعته وإتقانه السياسة بمعانيها العريضة الواسعة”.
في حوارات مانديلا نكتشف أن قصيدة من الشعر ألهمت الزعيم الإفريقي ليقاوم، القصيدة كتبها الشاعر الانكليزي وليام هانلي “1849- 1903″ تقول كلماتها :
من آخر الليل الذي يضعني في كفنه.. كما لو كنت في هوة سحيقة
من قطب لآخر، اشكر الإلهة.. التي وهبتني نفسا لا تقهر،
حتى حين سقطت في قبضة الأسر .. فلم أجفل، ولم اصرخ
رغم كل ما كان يعصف برأسي.. حين كنت أرى خارج هذا المكان
الغضب والدموع، يلوحان في الأفق.. تحت رعب الظلال، لكني بعد هذه السنين الطوال
لم اعد خائفا، وما زلت ابحث.. ولم يكن مهما كيف كان الباب ضيقا
كما لم يكن يعنيني، كم كلفتني العقوبات، .. فانا سيد قدري، وأنا قائد روحي
من منا سيقرأ سيرة مانديلا جيدا ليتعلم أن السياسة هي فن المحافظة على الشعوب، لا فن التلاعب بأقدار الناس، وان الحكم لا يعني أن أقول للآخرين إننا حصلنا عليه –الكرسي– ولن نتخلى عنه ابد الآبدين.

  كتب بتأريخ :  الخميس 05-12-2013     عدد القراء :  1492       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced