حول بداية علاقة المحرمات الجنسية بالجانب الديني بقلم : د. كاوة محمود العودة الى صفحة المقالات عنـدما بـدأ الإنسان البدائي, تنظيم نفـسه بشكل مجموعات بـشرية, واجه مهمتـين رئيسيتيـن في إطار أشكال التشكيلات والتجمعات الاجـتـمـاعية السائدة, والتي اختـلـفت من مـرحـلـة تاريخية لأخرى، بحسـب مـتـطـلبـات الحــياة اليومية وضرورات الإستمرارية. وتـتلخص هـاتـان المـهـمتـان فـي مسـألة تـهـيـئة الموارد الاقتصادية, لضمان استمرار الحياة، وكذلك استمرارية البقاء من الـنـاحية الـبـيـولوجية, وبـمـا يـضـمن اسـتـمرار الـنـسـل البشري. وقـد ترسخـت بمـرور الزمـن, وبدخول الإنسان مرحلة التحضر, ممـارسـات اجتماعية اتخذت شكل تقاليد حددت التشريع الأخلاقـي لجماعة معينة. ومــن خلال طرق معيشة الإنسان وتعامله مع الموارد الاقتصادية اللازمة لاستمرارية الحياة, وتكدس تلك الموارد، ومن خلال أداء الإنسـان مـهمة استمرارية البقاء من الناحية البـيـولوجية, ظهرت الحاجة إلــى تـنظـيم الـعلاقـات والممارسات الجنسية ,لكون تلك العلاقات و الـممارسات مصدرا للتـوتر و النزاع, وذلك ارتباطا بمسألة الملكية، والتوارث كأســــاس و مـصـدر رئـيـسـي لـنـقـلـها. وقد حددت المرحلة التاريخية, وتطورها ,وشكل علاقات الملكية السائدة, مهمة القيم الأخلاقية ودورها في تنظيم العلاقة الجنسية، وإضافةً إلى الجانب الاجتماعي في تحديد الأمر، ينبغي أن نشير إلى دور الغريزة الجنسية التي دفعت الإنسان إلى أشكال متعددة من العلاقات, قبل الزواج، وأبانه وبعده أيضاً. وأزعم إن الإنسان القديم واجه شكلا من أشكال التناقض في التعامل مع قضية العلاقات الاقتصادية و الاجتماعية السائدة, في إطار محددات الملكية، التي تتطلب فرض قيود وتحديد أسس في العلاقات بين الأفراد بشكل عام، وبين الأسر التي تشكلت منها العشيرة أو القبيلة من جهة , وبين قضية التعامل مع الغريزة الجنسية, و نزعة الفرد إلى عدم التقيد في العلاقات الجنسية من جهة أخرى، لكون الإنسان يتميز أساسا بالشهوة، بعكس الحيوان، حيث ترفض أنثى الحيوان الذكر إلا في فترة السفاد . لقد تطلبت العلاقات الاقتصادية والاجتماعية السائدة تحديد الممارسات الجنسية وتقييدها عبر إضفاء المشروعية على البعض منها وتحريم البعض الآخر، لحماية ملكية الإنسان، واصطدمت بالجانب البيولوجي عند الإنسان، و النازع إلى الإطلاق. وساهمت القيم الأخلاقية السائدة، الناشئة أساسا من حاجات الإنسان لوسائل العيش، وطرق حصوله عليها وأشكال توزيعها في تحديد و تنظيم العلاقة الجنسية من خلال إضفاء الجانب الاجتماعي على مسألة الغريزة البيولوجية. لقد تجسدت الصورة الأساسية للتنظيم الجنسي في المجتمع بشكل الزواج, الذي كان اتحادا بين عشيرين للعناية بالنسل. وتحددت المحرمات الجنسية في المجتمعات المختلفة من خلال عملية تطور تاريخي, حيث لم تكن هذه العملية وليدة ليلة وضحاها. لقد شددت الحضارات القديمة على الجنس ورموزه, انطلاقا من كون الجنس علاقة كونية اجتماعية مستمرة, تضمن استمرارية الحياة، وتقدر هذه العلاقة أيضا على استيعاب شوق الإنسان و حنينه وقلقه ومشاعره الغامضة، وتلبي حاجاته البيولوجية. كان الخصب هما كبيرا من هموم الإنسان القديم، سواء في الأرض أو في النسل والمواشي، ونجد أن أبرز الطقوس الدينية، هي تلك التي ارتبطت بالخصب و الجنس. أن قضية الجنس وعلاقتها بالدين، قديمة قدم الحضارات الإنسانية, ونجد تجليات هذه العلاقة في قيام الأديان القديمة بإضفاء الشرعية على علاقات جنسية معينة, وتحريم علاقات جنسية أخرى, حسب تطور الظروف و حياة الإنسان, وانعكس هذا التصور في ميثولوجيا الشعوب من ملاحم و أساطير سائدة, وكذلك في تماثيل الآلهة التي مثلت رموز الخصب. ويمكن القول أنه لم يكن هنالك فصل في تلك المجتمعات بين قواعد الدين و القواعد الأخلاقية, بل كانت القواعد والقيم الأخلاقية جزءاً أساسياً ومكوناً رئيسياً للقواعد الدينية. نشأت أقدم الحضارات الإنسانية في آسيا الجنوبية الغربية وعلى مقربة من حوض البحر المتوسط . وقد ازدهرت حضارات قديمة, حضارة بلاد ما بين النهرين, السومريون, الآشوريون, البابليون..الخ, وحضارة مصر الفرعونية والحضارة الهندية,حيث شكلت شعوب هذه المنطقة الواسعة دولا آهلة ومكتظة بالسكان، و نشأت الزراعة والتجارة، وتم صك النقود, وتطورت الأعراف الاجتماعية، ووصل الأمر إلى تشريع القوانين، التي نظمت الحياة الاجتماعية ككل, الحياة الجنسية والأسرية على وجه التحديد.   كتب بتأريخ :  الجمعة 20-12-2013     عدد القراء :  1617       عدد التعليقات : 0