غريب على "شاطئ اللصوص"
بقلم : علي حسين
العودة الى صفحة المقالات

يكتب ماركيز في ذكرى رحيل بورخيس: أن المتفردين لا يرحلون كأفراد.. يرحلون، كمرحلة بصموا على بدايتها وصار رحيلهم خاتمتها.. بدأ فؤاد سالم يغني للفرح والأمل والعشق وفرحة الطيور التي عادت الى أعشاشها ، وانتهى بعذابات المرض والغربة وحيدا في مستشفيات دمشق، لن يغنّي احد من بعده لدروب الحب التي تاهت في الغربة ، مثلما لن يكتب الشعراء من بعد ابن مدينته السياب قصيدة مثل "غريب على الخليج".. ولن يعاتب عاشق وطَنَه بمثل ما عاتب فؤاد سالم ومن قبله السياب:
البحر أوسع ما يكون و أنت أبعد ما تكون.. و البحر دونك يا عراق
بالأمس حين مررت بالمقهى، سمعتك يا عراق
وكنت دورة أسطوانة.. هي دورة الأفلاك في عمري.
لم يكن فؤاد سالم يُدرك أنه سيُبكي السامعين لأغنياته التي أرادها في بداية حياته مثل قوس قزح ملون بالفرح والبهجة. ومثلما نتأمل في مرارات السياب وذكرياته، ونتذكر تلك الجواهر من القصائد التي زين بها الشعر العربي، نتذكر ذلك الفتى الوسيم الذي حط الرحال من البصرة قاصدا مبنى إذاعة بغداد في الصالحية ليلتقي بجودة التميمي ومحمد نوشي..الأول كتب له أغنية "سوار الذهب" والثاني لحنها، ومعها "موبدينة" التي تنبأ فيها بان رحلة الوداع ستستمر أعواماً وأعوام .. الشاب الذي وقف أمام الميكرفون جاء يحمل فقر الحال وغنى الأحلام ليصوغ منهما صورة لوطن جديد، الأرض فضة وذهب والعمر لابد ان يضيع في مسرات وأفراح وأحزان الوطن.. جاء الى بغداد ومعه الفلكلور البصري وعود حميد البصري وضحكات شوقية وأحلام طارق الشبلي، وآمال قصي البصري، جاؤوا من مدينة تنام على ضفاف شط العرب، يحلمون بفجر جديد يبزغ من بغداد.
كانوا يحلمون بوطن بوسع القلب اسمه العراق فوجدوا عسكرا يريدون للغناء ان يهتف بحياة القائد الضرورة، جاؤوا ومعهم حلم السياب بان لايعيش غريبا على الخليج.. وان لايصرخوا سدى.. عِراقُ، عراقُ..ولا يردُّ سوى الصدى.
لم يحلموا بما لم يحلم به العراقيون من قبل بأكثر من حياة كالحياةِ، وأن يموتا على طريقتهما، و " بأكثرَ من يدين صغيرتين تصافحان غيابنا".
فؤاد كان مغرما بما يغني ، يعتقد ان اللحن والشعر سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، و مجتمعاً امناً لا تقيد حركته خطب وشعارات ثورية، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة... ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة.، عاش فؤاد سالم أسير أحلامه، متنقلا في الألوان، من "أرد اوكف،"، الى "بعدك صغيرة"، ومن "مشكورة،" الى،"ردتك تمر ضيف"، لينتهي وحيدا يئن على بلاد تنكر أبناءها لانهم لايمارسون الخديعة، ولا يحملون صور مختار العصر، ولا يهتفون في الساحات " بعد ما ننطيها ".
مات فؤاد سالم، وقبل نصف قرن وفي مثل هذه الأيام رحل ابن مدينته السياب وفي عيونهما عتاب، فبغداد استبدلت ثوب الحياة برداء مقزز لساسة كارهين لكل ما حولهم، لا يرون جمالاً ولا خيراً ولا سعادة إلا في سرقة أحلام الناس وسعادتهم، أغمض فؤاد عينيه وهو يودع حبيبته البصرة وقد استولى عليها سياسيون يفرضون كثيرا من الكآبة على الحياة معززين ثقافة الظلام، يبددون الأمل ويحاصرون التفاؤل، يأمرون الناس بالكف عن ممارسة الفرح الذي لم يعد مهنة العراقيين بعد أن سادت مهن جديدة مثل العصابات والميليشيات وفرق الموت والعلاسة والحواسم وأمراء الحرب الطائفية والسياسيين المأجورين وكل هؤلاء يتبارون في كيفية ذبح السعادة والفرح ووأدهما في مقبرة الظلام.
نصف قرن على رحيل السياب " من اجل لا شيء.. وأربعة عقود على غربة فؤاد سالم ونحن نعيش سنوات من الأسى والخراب، فيما خيول داحس والغبراء منشغلة بنزاعات الثأر والطائفية، من البصرة الى بغداد والأنبار والموصل وميسان وصلاح الدين، يصر ساستنا الأشاوس على نقل المعركة من اجل العدالة الاجتماعية والقانون والرفاهية والمستقبل الى معركة ختمها المالكي بانها معركة "المصاحف" ثم حرب من اجل المناصب والمغانم، لا أمل ان يعلو فيها صوت الغناء والموسيقى، فلا صوت يعلو على صوت المعركة.. وطبول الحرب.. وأهازيج النصر،
نتذكر فؤاد سالم مثلما نتذكر إنَّ الشعرَ والغناء تجربَةٌ ومنفى،
" توأمان ونحن لم نحلُمْ بأكثر من.. حياة كالحياةِ، وأن نموت على طريقتنا: عِراقُ.. عراقُ.. ليس سوى العراقْ "...

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 25-12-2013     عدد القراء :  1649       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced