في اعتراف خطير: وطبان التكريتي يدعو الى محاكمة سياسية وقضائية لقيادة حزب البعث!
بقلم : حسان عاكف
العودة الى صفحة المقالات

في واحدة من جلسات المحكمة الجنائية التي تقوم بمقاضاة أزلام النظام البائد، والمنعقدة في تشرين الأول الماضي، فاجأ وطبان التكريتي الأخ غير الشقيق لصدام حسين الجالسين في قاعة المحكمة، وكذلك متابعي بث وقائع الجلسة عبر فضائيتي العراقية والحرية، فاجأهم حين تحدث عن وجوب محاكمة قيادة حزب البعث في العراق سياسيا وقضائيا جراء الخراب والدمار الذي ألحقته تلك القيادة بالبلاد!!. وبدا لمشاهدي الشاشة البيضاء وكأن القاضي الذي كان يحاكم وطبان غير مصدق لما سمعه، لذلك سأل وطبان ان يعيد ما قاله مجددا "ليطمئن قلبه" ويُطمئن قلوب السامعين الآخرين. من جانبه أعاد وطبان مرة ثانية حديثه، و"بالفم المليان"،عن وجوب محاكمة قيادة البعث سياسيا وقضائيا!.
غير ان المفاجأة الأكبر من المفاجأة التي فجرها وطبان في قاعة المحكمة، كانت الطريقة اللاابالية العابثة وغير المسؤولة تماما التي تعاملت بها القوى السياسية من وطنية وديمقراطية وليبرالية ودينية، التي ذاقت الأمَرين من جرائم النظام المقبور وكانت الضحية الأولى لسياسات تلك القيادة البعثية التي طالب وطبان بمحاكمتها. هذا الأمر لا يمكنه الا ان يثير عشرات الأسئلة المرة والمخيبة للآمال بالعديد من السياسيين الحاليين. كان المتوقع ان تطير وسائل إعلام تلك القوى بهذا الاعتراف الخطير فرحا وتطيره عبر الأثير الى جهات العالم الأربع وتسخره الى ابعد الحدود في عملية فضح جرائم البعث التي طالت أعدادا هائلة من الضحايا، وتوظفه في معركتها المستمرة مع فلوله وبقاياه وفرسان الدفاع عنه، خصوصا أولئك المشاركين في العملية السياسية الذين يطلون برؤوسهم بين الحين والآخر عبر وسائل الإعلام مبررين جرائم تلك الحقبة السوداء وساعين الى تسويق قيمها وسقط متاعها. لكن شيئا من هذا التوظيف لم يحصل.
ورغم مرور قرابة الشهر على الأمر، وبحدود متابعاتي، لم اسمع ان أحدا أشار اليه. هذا الإهمال او الغفلة في التعامل مع هذا الكارت الرابح الذي قدمه وطبان، والذي غُيب في غبار التنافس على المغانم ودخان المعارك الانتخابية، يعكسان جانبا من الوضع المرتبك والمشوش الذي تسير فيه الأمور في بلادنا، ويعبران عن عبثية سلوك اعداد متزايدة من السياسيين داخل عديد من القوى السياسية التي كانت ضحية لنظام البعث، وانشغالها في حساباتها الضيقة ومصالحها الخاصة وفي خصوماتها وجدلها، كما حصل في الأشهر القليلة الماضية حول قانون الانتخابات، متناسين ان هذه القضايا مجتمعة هي اقل شأنا من هذا الاعتراف الخطير من وجهة نظر المصلحة الشعبية والوطنية العامة. الكثير منا يتذكر اعترافات علي صالح السعدي احد قيادي البعث الأساسيين في ستينيات القرن الماضي واحد مهندسي انقلاب 8 شباط المشبوه وجملته الشهيرة عن كيفية مجيء البعث الى السلطة في ذلك الانقلاب الأسود، "دخلنا العراق بقطار أمريكي". ونتذكر أيضا كيف ان القوى الديمقراطية العراقية، وفي مقدمتها الحزب الشيوعي العراقي، وظفت هذا الاعتراف الخطير لفضح ذلك الانقلاب المشؤوم وتعرية شعاراته القومية الزائفة وإدانة أصحابه ورموزه وداعميه بكل تلاوينهم، "فرسان معاداة الديمقراطية" أولئك الذين كشف بعضهم في أوقات لاحقة مستور البعض الآخر وفضح علاقاته بجهات مخابراتية مختلفة.
اعترافات وطبان لا تقل أهمية عن اعترافات علي صالح السعدي، بغض النظر ان كانت اعترافات الرجلين قد جاءت ضمن المسعى لتبرئة النفس من الدم العراقي وثقل الجرائم المرتكبة بحق العراقيين، أم للبحث عن حكم مخفف ومنفذ للخلاص من العقاب العادل، أو انها جاءت في لحظة خاصة من لحظات صحوة الضمير واستيقاظه، أو لهذه الأسباب الثلاثة مجتمعة.
على القوى والأحزاب السياسية قبل غيرها ومعها الجهات المعنية في الدولة، خصوصا تلك المكلفة منها بتنفيذ قانون المساءلة والعدالة والناشطة منها في وزارة الدولة لشؤون الحوار الوطني المعنية بالبحث عن آليات مصالحة وطنية حقيقية تفتح صفحة إنسانية جديدة تستوعب الجمهرة الواسعة من البعثيين الذين يميزون أنفسهم عن نظام البعث وجرائمه وتشكيلاته الحالية المحظورة، مصالحة وطنية تنصف ضحايا النظام السابق وتضمن حقوقهم، على هؤلاء جميعا ومعهم الداعون الى الاستفادة من تجربة جنوب افريقيا في المصالحة الوطنية والتسامح وطي صفحات الماضي ان يتقنوا الاستفادة من اعتراف وطبان التكريتي واعتذاره ودعوته لمحاكمة قيادة حزب البعث سياسيا وقضائيا.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 23-11-2009     عدد القراء :  2583       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced