داروين.. هل قرأه الناقمون بلغته!
بقلم : رشيد الخيون
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

فاز كتاب «ملحمة التَّطور البشري» لمؤلفه السُّعودي سعد العبدالله الصّويان بجائزة الشَّيخ زايد للكتاب، لهذا العام (النَّاشر دار مدارك 2013). طرأت في خاطري فكرة هذا المقال خلال حفل الجائزة وإعلان الكتاب فائزاً، فما قرأت منه، وهو من الضخامة، سوى المقدمة وفصل «الرئيسيات المعاصرة»، وما طمأنني أن المؤلف قد اختص في هذا الموضوع متابعاً دراساته فيه وحوله منذ 1971.

سألت الصويان ملاطفاً: هل نعد كتابك هذا رداً على من سخروا من داروين أو أفتوا ضده؟ قال: لم أرد على أحد، ولم أتبن نظرية إنما معلومات سطرتها. في تلك اللحظة كنت أقصد ما دار داخل بلاده بخصوص هذا الموضوع، مثلما دار جدل ساخن داخل العراق، بعد ترجمة بحث تشالز داروين (ت 1882) إلى العربية.

يومها اتُخذ داروين عنواناً لعداوة الدِّين، واجتمع عليه العلماء من مختلف الأديان، على أنه يقدم نظرية تعارض الكتب المقدسة عن أصل البشرية (آدم وحواء). ما يخص سؤالي للصويان هو كتاب سفر الحوالي «العِلمانية»، وما بيدي طبعته الأولى (1982)، وكان رسالة للدكتوراه من جامعة أم القرى. قصد الحوالي تفنيد العلمانية بإطارها السياسي والاجتماعي، فتضمن فصلا عن «نظرية التطور».

إذا كان الصويان قد اعتمد في ملحمته على الأصول، فالحوالي نقد النظرية، وفندها معتمداً على ما كُتب عنها عربياً، وحتى كتاب «أصل الأنواع» المترجم أشار إليه ولم يعتمده مصدراً. فبنى نقده للعلمانية على الترجمات، وهذا غير كاف لتبني نقد فكرة لم يطلع على أصلها، ومعلوم كم مِن التحوير يحصل في الترجمة وفي ما يُقتبس مما قيل عنها.

يُذكرنا هذا بنقد محمد باقر الصدر (أُعدم 1980) للماركسية في «فلسفتنا» بما كُتب عنها عربياً، وليس النصوص الأصل. فجاء كأنه ردة فعل على مواجهات سياسية حصلت بعد ثورة 14 تموز 1958 مع الفكر اليساري، وحسب طالب الرفاعي فإنه جاء بتحريض منه، فالرجل قال له: ليس عندي مصادر (أمالي طالب الرفاعي)، وعزاه محمد مهدي الحكيم (اغتيل 1988)، حسب مذكراته، إلى تشجيع والده المرجع محسن الحكيم (ت 1970).

كذلك اعتمد الصدر في كتابه «اقتصادنا» على النصوص المترجمة، وهو يحاول تفنيد نظريات كبار فلاسفة الاقتصاد الرأسمالي والاشتراكي، إضافة إلى ضرورة قراءة الأُصول أنه عِلم يحتاج إلى تخصص دقيق كي يُتمكن مِن دحضه، فصار هذان الكتابان مصدراً للنقد، وهذا علمياً لا يصح.

يتصل هذا بما فند به أبو حامد الغزالي (ت 505) آراء الفلاسفة في «تهافت الفلاسفة»، و«مقاصد الفلاسفة»، و«المنقذ من الضلال»، ومع عدم اتفاقنا مع ما وجهه من تكفير وتحريض، إلا أن الرجل تحدث عما قرأه عند الفلاسفة الذين كتبوا بلغته، فقال: «إنما مصدر كفرهم سماعهم أسامي هائلة كسقراط وبقراط وإفلاطن وأرسطاطاليس» (تهافت الفلاسفة).

فعندما يكون التأليف بقصد النقض أو النقد فلابد من الأصل، وإلا لا يؤخذ بجد. كذلك الذي يؤلف مؤيداً الداروينة أو الماركسية، يبقى تصنيفه غير جاد إذا لم يعتمد الأصول، وكم من كتب ظهرت مع وضد بينما مؤلفوها لا يعرفون لغات من يؤيدون أو ينقضون. أقصد الذي يعتبر نفسه ناقضاً لا مطلعاً أو مستشهداً، لأنها مسؤولية وهو يسري على من انتقد الإسلام أو تحدث عن كتاب القرآن وهو يقرأ ما تُرجم وليس الأصل. وكم أُخذت مواقف وربما نزفت دماء والقاتل والقتيل لم يقرؤوا الأصل.

لهذا نقول: إن ما رد به علماء الدين على «نظرية أصل الأنواع» لم يرتق إلى مستوى العلم: أولا لأن الناقدين لم يقرؤوا داروين في أصله، إنما قرؤوا ما ألفه شبلي شميل (ت 1971) «النشوء والارتقاء»، وثانياً واجهوه بنصوص دينية، وهو أمر يقدر عليه كل من له باع بحفظ وقراءة تلك النصوص. لكن ما كتبوه أشار إلى زمن غلب فيه الحوار على الفتوى القاتلة.

كان أبرز الرادين على داروين جمال الدين الأفغاني (ت 1897) قال: «ورأس القائلين بهذا القول داروين، وقد ألف كتاباً في بيان أن الإنسان كان قرداً، ثم عرض له التنقيح والتهذيب في صورته بالتدريج على تتالي القرون الطويلة» (الرد على الدهريين). وتستغرب من الأفغاني وهو الموصوف بالحكيم أن يقول بوجود كتاب بالعنوان المذكور، وأن يظهر منه كلام بسيط كهذا: «وعلى زعم داروين هذا، يمكن أن يصير البرغوث فيلا بمرور القرون» (المصدر نفسه).

بعده رد الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (ت 1954) على داروين، قال: «الداروينية وعُباد الطبيعة لا يرون الإنسان إلا خلايا مضمة وأجزاء مجتمعة» (الدين والإسلام). كذلك رد الشيخ محمد رضا الأصفهاني (ت 1943) ناقداً نظرية داروين، وكان قد طبع «نقد فلسفة دارون» في مطبعة ولاية بغداد 1912. بعدهما جاء رد الشيخ محمد جواد البلاغي (ت 1932)، ضمن «الرحلة المدرسية والمدرسة السيارة»، تولت طباعته المطبعة الحيدرية بالنجف 1928، وقد خصص الجزء الثاني لعنوان «مذهب داروين في أصل الأنواع».

كانت نظرية داروين حاضرة في الخطب الدينية والمجالس الحُسينية، لكن لا أحد من الخطباء وقراء المجالس قد قرأها، إنما أُخذت على الشائع عنها. أفتى العلماء السعوديون، متأخرين على السابقين، رداً على سؤال يتعلق بالنظرية: «نظرية التطور المعروفة بنظرية (داروين) مخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولإجماع أهل العلم والإيمان، فقد ثبت في القرآن والسنة ما يدل على خلق آدم من تراب، وخلق زوجه حواء منه» (فتاوى اللجنة الدائمة، التطور والارتقاء نظرية داروين، رقم: 2872). وجاء في جواب مختصر على مستفتٍ آخر: «زَعْم أن أصل الإنسان قرد كذب وتقَوُّل على شرع الله، وإنما أبوه وأصله الأول آدم عليه الصلاة والسلام، وآدم خُلق من طين» (المصدر نفسه، حقيقة أصل الإنسان، من فتوى رقم: 8139).

كم شغلتنا أفكار داروين (ظهرت 1859)، وكم شغلت قارته أوروبا، حتى شاعت من قبل خصومها قبل مؤيديها. مضى صاحبها ولم يعلم أنه أثار كل هذا الجدل، من قبل من قرأه ومن لم يقرأه. حتى صارت عنواناً للنور والظلام في الفكر، فأخذ تداول اسمه يثير الرعب، يكون حال المجادل في تلك النظرية حال الفقيه الحنبلي علي بن عقيل (ت 513هـ)، لما وجدوا في داره كتباً تُذكر المعتزلة (ابن قُدامة، تحريم النظر في كُتب الكلام). وللكلام صِلة.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 28-05-2014     عدد القراء :  4485       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced