كنتُ قد أشرتُ في مقالي الأخير " حان وقت الركون إلى صمت مهيب ـــ صوت العراق " إلى نيتي للتوقف عن الكتابة في المجال السياسي و التفرغ للكتابة في مجالات ثقافية و إبداعية أخرى ..
و قد التزمتُ بوعدي فعلا حتى الآن و توقفتُ حقا عن نشر عمودي اليومي منذ فترة ليست بالقصيرة ـــ وهو العمود اليومي الذي دأبتُ على كتابته يومياـــ مع بعض الانقطاع الإجباري ــ منذ أيام نشري في موقعي " إيلاف " و فيما بعد في " كتابات " ــ لاستقر نهائيا و منذ زمن بعيد عند موقع " صوت العراق "لمواصلة نشر المقالات بشكل دائم و متواصل ..
فكم سررتُ بعد مرور أيام من وقت إعلاني عن التوقف في كتابة عمودي اليومي ، لأن ثمة رسائل كثيرة من قراء لم تصلني في هذه المرة لتحثني أو تطالبني بمواصلة الكتابة للعمود اليومي مثلما فعلوا سابقا مرارا و تكرارا ..
و كان ذلك أمرا جيدا ومبعث ارتياح ..حقيقة ..
ربما لأنهم أرادو أعفائي من الإحراج ، أو بالأحرى ، و بتعبير أدق لم يُعد يهم الناس ما نكتبه ، ربما لأنه بات أشبه بعملية نفخ في قربة مثقوبة أو جلب الماء من النهر بالغربال ، طبعا عبثا و هباءا ، و خاصة من ناحية عدم تأثير ما نكتبه على وعي الناس إلا على نطق ضيق و ضئيل ، بدليل إن غالبية المواطنين قد عادوا ليصوّتوا لنفس الوجوه و الأحزاب الكاسدة و الموغلة عمقا بالمظاهر الفاسدة التي أوصلت العراق إلى هذا الوضع الهزيل الواهن و الحضيض الراهن !..
إذاً فلماذا ومِن أجل مَن توتير أعصابنا يوميا ، و سفح نورعيوننا دائما ، إذا كان كل ما نكتبه ما هو سوى صرخة ضائعة في برية أو عفطة عنزة في حظيرة ؟!..
ولا اكتم سرا إذا قلت إنني استمتعتُ بهذه " الإجازة " و الاستراحة مبتعدا عن أخبار التفجيرات وبقع الدماء المنتشرات و أكاذيب الساسة و الائتلافات ومظاهر السرقات ، و بعض الكتابات " و المقالات " الرديئة و السخيفة ، مستمتعا طوال الوقت بقراءة مجموعة كتب وروايات مستعارة ، كانت تنتظر دورها في القراءة والاسترخاء حتى الاستغراق ، إضافة إلى كتابة بعض نصوص و كتابات ذات منحى ثقافي بحت ..
غير إن ذلك لم يستغرق طويلا ، فزميلنا العزيز أنور عبد الرحمن رئيس تحرير " صوت العراق " كان لي بالمرصاد ــ طبعا بالمعنى الأخوي و الصداقي للكلمة ـــ من خلال رسالته التي تسلمتها البارحة مساء ، حيث يتضح من بين سطورها بإنه على يقين تام بأن :
<< .. حضرتك لك مكانتك وجمهورك وقراءك ودائما الاصدقاء يتحدثون عن مقالاتك والله شاهد عليه ....لا اريد ادوخك وصوت العراق غير ممكن بدون مهدي قاسم << ..
و هذا يعني بأن الزميل العزيز الأستاذ أنور عبد الرحمن يعطينا مكانة مرموقة مميزة في صوت العراق ، ومن خلال ذلك يعوّل علينا ، ربما انطلاقا من رسائل القراء ــ مثلما نوه هو مرارا في رسائله السابقة ــ و لهذا فانطلاقا من المحبة الكبيرة و كذلك للمكانة البارزة اللتين أكنّهما للزميل العزيز أنور عبد الرحمن ، و تقديرا لهذا التقييم والاهتمام سأعود لمواصلة عمودي اليومي و أن كنتُ ـــ حقيقة ــ لستُ فرحا أو مسرورا كثيرا لذلك ..
و ذلك و بكل بساطة :
إننا لسنا مِمَن يتركون أصحابهم و أصدقائهم الأوفياء ، بسهولة و بلا مبالاة أو بعدم اكتراث ..
سيما عندما يتضح بأن ثمة تعويلا علينا في هذا الصدد ..