زواج القاصرات
بقلم : المحامية: منال داود العكيدي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

المحامية: منال داود العكيدي - العراق - خاص بـ " وكالة أخبار المرأة "

تتكون عرى البنيان الاجتماعي من جملة من العناصر الحتمية وهي الارادة الاجتماعية  والدين والثقافة والعرف الاجتماعي وهي في تطور ديناميكي ايجابي  حسب الظروف والمعطيات الواقعية التي تفضي الى تلاشي بعضها وتعديل البعض الاخر او ظهوره بلباس جديد  وابرز مثال على ذلك هو عصر الرقيق الذي امتد عبر سنوات طويلة حتى تم القضاء عليه بفعل الحركات الاجتماعية المناوئة له او هكذا نتصور !! فاليوم ونحن في ظل الزعيق السياسي وعدم الاستقرار الامني الذي ادى الى افراز الكثير من المشاكل المجتمعية التي رزحت تحت نيرها فئات معينة بذاتها ولاسيما تلك الفئات المستبعدة و المهمشة والتي كانت كبش فداء لتلك الظواهر الا وهي المراة ..

ورغم ان بعض تلك المشاكل تتوارى في مجاهل المجتمعات او خلف الابواب المغلقة الا ان دخانها بدا يتصاعد وباتت تتحول الى اوبئة تقض مضجع الكيان الاجتماعي وتقوضه بل وتشكل جريمة ضد الانسانية فقد عاد عصر الرقيق والاتجار بالبشر متلفعا بشرعية زائفة لوأد انسانية فتيات مازلن في مقتبل العمر بسكين الزواج المبكر وهدر لدماء طفولتهن البريئة ..                        

لقد كنت أعتقد أن زمن جدتي قد ولى حيث كانوا يزوجون الفتيات في سن التاسعة وما فوقها تحت ذريعة ان تزويج الطفلة ستر لها ولأهلها وقدر حياتها وهذا ظاهر الامر الذي في حقيقته هو دعوة لتجارة القاصرات وعقد صفقة رابحة من وراء عقد نكاح طفلة في العاشرة أو أقل بكهل متصابي بواسطة أب جشع يبيع فلذة كبده بثمن بخس لا يساوي ما ستعانيه الطفلة المسكينة من عذاب كيف لا  وهي لا تعرف بعد ماهية الحياة الزوجية ؟! فتجد نفسها تنتزع من احضان والدتها وتقذف في احضان كهل ليغتصب براءتها بكل وحشية ، وتوئد طفولتها لتصبح فجأة أم لأطفال وهي لم تزل  في سن الطفولة فكيف ترعى طفلة أطفال مثلها وكيف تعايش رجلا يفوق والدها عمرا !!

وجهة النظر الدينية

في الوقت الذي ولت فيه فكرة كون الفتاة عورة وزواجها المبكر هو الستر الواقي لعارها ، جاءت ثورة النت لترتطم بقوى الجهل الظلامية الداعية الى تزويج القاصرات بدعم ومباركة دينية شرعية والتي تستند على أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، تزوج السيدة عائشة، رضي الله عنها، وهي في التاسعة من عمرها، رغم اختلاف راي الفقهاء  حول السن التي دخل بها  وبأنها كانت قد بلغت الثانية عشر من العمر. وربما يعزى ذلك الى انه  في ذلك الوقت كانت تلك هي السن التي تتزوج فيها الفتيات حتى في المجتمعات الأخرى، فلا محل للمقارنة بزواج السيدة عائشة رضي الله عنها، لعدم تطابق الظروف  والمناخ كما ان للرسول الاعظم خصوصية وهناك حكمة ربانية من زواجه هذا لا يعلمها الا الله وهو الذي لا ينطق عن الهوى   كما خصه الله بالعدد، ثم إن هناك أمورا من الاولى أن يقتدى بها مثل عادات الرسول ومعاملته للنساء وما أوصى به.

وإذا كانت وجهة نظر البعض من  ان زواج القاصرات هو صيانة لهن من باب سد الذرائع  ، فإننا نرى أن درأ المفاسد أولى من جلب  المصالح، فقد اثبتت الدراسات العلمية أن زواج الفتيات في سن صغيرة يكتنفه خطورة على صحتهن وحياتهن ، فتزيد نسبة احتمال الوفاة  بسبب مشكلات الحمل و الولادة،  فحرص الإسلام الحنيف على التبكير بالزواج لتحقيق الاستقرار النفسي للشباب والفتيات لا يتعارض مع الدعوات العقلانية للتاني فيه فتحديد سن الزواج هو امر  شرعي و فسيولوجي. من هنا فان الدين الإسلامي لم يضع سناً معيناً للزواج، وإنما اشترط البلوغ وصول المرأة إلى درجة من النضج الجسدي لتؤدي وظيفتها في  حفظ النوع الذي هو غاية الزواج وهدفه  ...

موقف القانون

اشترطت الفقرة (1) من المادة السابعة من قانون الاحوال الشخصية المعدل رقم 188 لسنة 1959 لعقد الزواج  تمام اهلية الزواج، و اكمال الثامنة عشرة. الا انها في المادة الثامنة في فقرتيها (1) و (2)  اجازت "لمن اكمل الخامسة عشرة من العمر، ان يطلب الزواج، للقاضي ان يأذن به، اذا ثبتت له اهليته وقابليته البدنية وبعد موافقة وليه الشرعي، وللقاضي ان يأذن بزواج من بلغ الخامسة عشرة من العمر اذا وجد ضرورة قصوى تدعو الى ذلك " . ويشترط لاعطاء الاذن تحقيق البلوغ الشرعي والقابلية البدنية.

ومن خلال تدقيقنا للنصوص اعلاه نرى ان المشرع العراقي قد اعتبر شرط تمام الاهلية للزواج العقل، واكمال الثامنة عشرة، اما استثناء وهي حالة طلب زواج من اكمل الخامسة عشرة فللقاضي متى ما ثبتت له اهلية طالب الزواج وقابليته البدنية وموافقة وليه ان يأذن له بالزواج .

اما بالنسبة لقانون العقوبات العراقي فقد عالجت المادة (329) بفقرتيها (2،1) من قانون العقوبات المعدل رقم (111) لسنة 1969 حالات القيام  بعقد زواج القاصرات خارج المحكمة خلافاً لاحكام قانون الاحوال الشخصية المشار إليها اعلاه فقد جاء حكم فقرتي المادة (329) من قانون العقوبات، بان يعاقب بالحبس وبالغرامة، او باحدى هاتين العقوبتين كل موظف او مكلف بخدمة عامة ، وحيث ان من يقوم بابرام عقد الزواج هو مكلف بخدمة عامة وذلك لتمتعه بصفة خبير في القضايا الشرعية ومنح هوية خبراء بهذا الصدد من محاكم الاحوال الشخصية استناداً لقانون الخبراء رقم (163) لسنة 1964.

وبالتالي فان مثل هذا الخبير (السيد) يقع تحت طائلة حكم المادة (329) عقوبات ويمكن تحريك الدعوى الجزائية في محاكم الجزاء ضده، ويستطيع ذلك كل من الادعاء العام و اية منظمة من منظمات المجتمع المدني، وكل من يصيبه اذى من هذه العقود غير القانونية وغير الشرعية.

ان ما عالجته المواد القانونية اعلاه يتعلق بزواج القاصرات خارج المحكمة خلافا لنص  القانون الذي حدد سن التزويج بالنسبة للقاصر من ( 15 – 18 ) سنة  بيد ان  ما نعالجه هنا هو عقد زواج لطفلة بعمر عشر سنوات و خارج المحكمة وهو لا يقع هنا تحت مفهوم زواج قاصرة خارج المحكمة للسبب المتقدم ولا يمكن اعتباره زواج بالاكراه ذلك ان القانون المدني العراقي النافذ قد عرف الاكراه في المادة (112) مدني  بأنه(إجبار الشخص بغير حق على إن يعمل عملا دون رضاه) وفي الحالة المطروحة اعلاه لا يوجد اكراه في عقد الزواج ابتداءا لان الطفلة المتزوجة والتي  هي بعمر ( 10 سنوات ) لم تدرك ماهية الزواج ليتسنى لها الاعتراض عليه لذلك فلا اكراه وقع عليها لان المكره ( بفتح الراء )  عادة يجب ان يدرك ماهية التصرف الواقع عليه ليعلن اعتراضه من عدمه فهي من وجهة النظر القانونية ( صبي مميز ) وتبدأ هذه المرحلة ببلوغ الصبي السابعة من عمره حتى بلوغ سن الرشد، ويعد الصبي في هذه المرحلة ناقص التمييز فكيف لناقص التمييز ان يتبين عواقب التصرفات وخصوصا عقد الزواج الذي يرتب الحقوق والالتزامات على الطرفين .. فأذن الامر اخطر من مجرد زواج قاصر خارج المحكمة او زواج تحت تاثير الاكراه انه جريمة ضد الانسانية بل هو نوعا جديد من انواع الاتجار بالبشر تحت عباءة الزواج فهو لا يختلف كثيرا عما يحدث في بعض الدول الاسيوية مثل الهند حيث يقوم الاب ببيع ابنته التي مازالت بعمر عشر سنوات او اكثر بقليل لرجل يكبرها بعقود تحت غطاء الزواج مقابل مبلغ من النقود  فالزواج المبكر للصغيرات يعد انتهاكا صريحا للمواثيق الدولية التي تنص على حماية الطفل من الاستغلال بكل أنواعه، وخصوصا الاستغلال الجنسي، وزواج القاصرات فيه استغلال جنسي، واغتصاب لطفولتهن وحرمانهن من مواصلة تعليمهن وعيشهن الطبيعي لمراحل حياتهن وهو خرق لقانون الطبيعة قبل القانون الوضعي؛ فلكل مرحلة عمرية احتياجاتها وفهمها للواقع الذي تعيشه. وهي لا تعي تبعات الارتباط فجسمها غير مكتمل وعقلها غير ناضج لتفهم ماذا يريده الشريك وهذا ما يؤدي بالتالي إلى الطلاق المبكر ويخلف جيشا من المطلقات الصغيرات مما يزيد المشكلة سوءا و تعقيدا ، فضلا عن الاثار النفسية والصحية المؤلمة، بسبب ابتعادها المبكر عن أحضان عائلتها التي ترعاها، فتجد نفسها وسط عائلة جديدة يترتب عليها مسؤوليات كبيرة مما يصعب عليها التعايش والتاقلم معها .

ان معالجة ظاهرة زواج القاصرات التي باتت تهدد مئات الآلاف من الصغيرات، يتوجب  تشريع وتطبيق قوانين رادعة تمنع مثل هذا الزواج وتحت أية ذريعة كانت واعتبارها جريمة من الجرائم الكبرى ضد الانسانية بعيدا عن النصوص الهزيلة في قانوني الاحوال الشخصية والعقوبات مع إلالتزام باجراء الزواج في المحاكم ومنع عقد الزواج خارجها واغلاق المكاتب الشرعية التي تتخذ من هذا العمل تجارة رائجة  و كذلك تبني حملة تثقيفية وتوعوية عن الأخطار الصحية والنفسية الناجمة عن زواج القاصرات، وتصحيح الفهم الخاطئ المتوارث عن دور المرأة في المجتمع، وهذا يتطلب من منظمات المجتمع المدني التي من أهدافها حماية حقوق الإنسان بشكل عام و الطفل بشكل خاص، أن تلعب دورها الحقيقي وتتبنى موقفا واضحا من هذه القضية والدفاع عن الحقوق المغتصبة للقاصرات الصغيرات.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 17-06-2014     عدد القراء :  3000       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced