لا زالــت وسائــل الإعــلام علــى صعيــد الصحف والمحطــات التلفزيونيــة ومواقــع الحاسوب ( الكوبيوتر) تتابع الأزمة المتولدة من ارتفاع مستوى انتاج النفط . ونجمت هذه الحالة بإقدام اميركا والسعودية على رفع ضخ النفط الخام بكميات مرتفعة في الأسواق العالمية ، مما ادى الى انفخاض كبير في سعر البرميل الواحد . وانعكس هذا بشكل سلبي على الدول المصدرة للبترول من دول منظمة اوبك ودول اخرى خارج المنظمة .
وقد كان رد الفعل لهذه العملية عند إيران قوياُ ، ما جعلها تندد رسمياً بهذه الخطوة ، محملة اميركا والسعودية مسئولية الحاق الأذى باقتصادها ، وكان للعملية ايضاً مردودأ قوياً في هبوط قيمة العملة الروسية بشكل كبير . مما ترك لهذه الخطوة رجعاً ( صدى ) قوياً يشير الى أن ليس هناك دافع لرفع كميات تصدير النفط سوى مؤامرة محبوكة ، لتدمير اقتصاد إيران وروسيا ، كونهما يقفان في موقع واحد بوجه امريكا والسعودية ، بالنسبة للمشاكل والأحداث الدائرة في الشرق الأوسط .
لم يكن علينا الجزم بأن موقف اميركا والسعودية خـالٍ من مرامي الحــاق الأذى بإيـران وروسيا ، لأن كل شيء متوقع في هذه الظروف الدولية العصيبة الناتجة من تعكر النيات والتناطح بين الدول ــ الكبرى والصغرة منها ــ في المشاريع والأجندات . ولكن من الأنسب أن نبين وجهة نظر معاكسة ، تستند الى وقائع مشهودة وفيها ما يستحق التناظر به.
قبــل اسبوع تقريبــاً ، صــرح الرئيس باراك اوبامــا بالموافقــة علــى تصديــر النفـــط الأمريكــي ، رغم أنَّ بعض الشركات الأمريكية ، تتحمل كلفة باهضة في عملية استخراجه ، كان لها تأثير على سوق الأسهم في نيويورك الذي شهد هبوطاً بمقدار 300 درجة .
اميركا ليست دولة مصدرة للنفط ، لكي تزاحم الدول النفطية المنتجة ، وتؤثر في البورصة والتسويق . ولكن هناك حالة اضطرارية تفرض نفسها لمعالجة ازمات مالية ، تصيب الشعب الأمريكي نتيجة ارتفاع الأسعار لأسباب ملموسة تتطلب المعالجة . ومثال على ذلك : في عام 1979 ـ 1980 ارتفعت اسعار النفط بشكل كبير ، وكان المنتفع من ذلك ، شركات استخراج النفط في ولاية تاكسس التي اتخمها إثراء منقطع النظير آنئذٍ ، ولكن في الجانب الآخر ، انعكس ذلك الوضع بشكل سلبي على شركات صناعة السيارات في ولاية مشيغان التي كانت تـعــد المنتج الأكبر في هذا التصنيع ، حيث ادى ارتفاع اسعار المحروقات ، وخاصة في ذلك الوقت الذي كانت فيه صرفيات الوقود اعلى بكثير بالنسبة لجميع العربات ، صغيرة كانت ام كبيرة ، وذلك لثقلها وكبر حجمها وصخامة مكائنها . أدى الى تدهور القوة الشرائية عند معظم سكان هذه الولاية الأمر الذي دفع بالناس للهجرة الى ولاية تكساس ، هرباً من الكساد والعوَز ، وبحثاً عن العمل في تلك الولاية الغنية .
قبل عقد من السنين والى اسابيع قريبة ، حصل ارتفاع في اسعار المحروقات بشكل متواصل في جميع الولايات الأمريكية ، مما اثقل كاهل الطبقة الأمريكية الوسطى وجعل الشارع الأمريكي يتململ تحت طائلة هذا الإرتفاع الذي سبب زيادة في اسعار جميع المواد الغذائية وجميع المعدات واللوازم بمختلف انواعها ، وحتى تذاكر الطيران والقطارات وكل وسائل السفر . وحدث ذلك والحكومة الأمريكية في مواقف حرجة امام انهيار الحالة الإقتصادية التي ضربت اطنابها في معظم المؤسسات والشركات والبنوك ، وسببت التضخم والبطالة في جميع انحاء البلاد .
وإزاء هذا الوضع ، ألا يحق للولايات المتحدة أن تقنن في استرادها للنفط وتسد حاجتها من مخزونها البترولي .؟ وبنفس الوقت تكون قد وفرت مبالغاً طائلة ، تدخل في جانب من جوانب معالجة اقتصادها المتضرر. إذا شئنا التسلّم بما يدور عنه ، بأن تخفيض اسعار النفط هو مؤامرة امريكية ـ سعودية لتوجيه ضربة الى الإقتصاد الروسي والإيراني ، علينا أن نعي حقيقة اخرى لهذه الخطوة ، هي انعكاسها ( الخطوة ) بشكل ايجابي واضح على الشارع الأمريكي بإنخفاض اسعار المحروقات التي كان يعاني منها المواطن العادي والمعامل وشركات النقل وشركات الطيران وغيرها ، وانعشت مدخول الملايين من اصحاب العربات التي تضج بهم الطرق والشوارع الأمريكية ، بعد انخفاض اسعار الوقود من البنزين والكاز الى النصف . وتم كذلك كبح التململ عنــد المواطن الأمريكي الشاكي من الضائقة المادية التي كان احد اسبابها صرفيات الوقود .
ثمة الكثير من الأصوات والأقلام ، تدين اميركا بأطماعها في نفوط الدول العربية ، وتُفسَّر علاقاتها مع دولة مع هذه الدول ، بأنها تهدف الى الإستحواذ على نفطها . واليوم تتعرض اميركا الى إدانة حتى بتصرفها في مخزونها من النفط الخام على ارضها ، أي في اللجوء الى الأستفادة منه ، لربما بقصد التخفيف عن المواطن وطأة إرتفاع اسعار الوقود . ولكن في جانب آخر ، تفسر هذه العملية بأنها إعتداء وتآمر بصورة خاصــة على إيــران وروسيا . وكـلا الدولتيـن باستطاعتهمـا رفـع انتاجهما ، للتخيف مـن اضرار انخفـاض اسعـار البتـرول على اقتصاديهما . اليست 50 دولاراً للبرميل ثمناً مناسباً ، توفر للمستهلك ما كان يذهب الى خزائن الشركات ، وينهك الملايين من ذوي الدخول الواطئة .!؟