ألف كلمة صادقة إلى الصديق عبد القادر العيداني
بقلم : جاسم المطير
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

قرأت اليوم ما كتبه عني السيد ( عبد القادر العيداني)   احد نزلاء   سجن نقرة السلمان .   كان ما كتبه بالأصل هو الفصل الاخير من كتابه المعنون   ( من أعماق السجون قيود تحطمت) الذي اعاد نشره على موقع الانترنت ، رغم انني كنت قد اوضحت عتابي له وضرورة التبصر الاخلاقي الدقيق والقياس الصحيح والادراك العميق فيما يقول ويكتب عني . ( انظر موقع الناس 2 – 4 – 2014 ).

وقد وجدت في اعماق كتابته توحّداً برغبة بعيدة الغور في الاساءة لي ولتاريخي النضالي في الحزب الشيوعي من خلال إصراره على إبقاء قلمه وعقله في ممرات ضيقة داخل مسالخ التعذيب  التي كنتُ قد مررتُ بها في زمن الحرس القومي ولم تستطع أن تثنيني عما كنت ولا أزال مصمماً ، لحظة بلحظة ،عن الايمان بنفس مبادئ النضال من اجل الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والسير في نفس التصميم ، بالبقاء في  صفوف المناضلين من اجل حقوق الفقراء والكادحين، إلى آخر يوم من حياتي.

لقد قدّم اكثر من محاولة مبلبلة عنّي محاولا ان يجد  مدخلا  لنهوضه من النوم عند الظهيرة وليس عند الصباح   لمنح نفسه صورة خاصة وصفات خاصة -  وهو حر في ذلك -  لكن ليس بطريقة ايذاء (الاخر) والختم عليه بكلمات غير بريئة  او بطريقة اللعب على كلمات معينة  بمعنىً وردي طري مرة وبمعنىً ضبابيٍ مرة اخرى، مما نتج عنها الصاق اشياء مغلوطة تهجمية وهذه طريقة لا تنتج عن أخلاقية ثورية  ولا هي اسلوب لتأليف الكتب وليس هكذا يتكون الكاتب او يكسب (شرف) الكتابة.

.

لا ادري  لماذا وكيف انبعثت  اساءة  لي من تلك الايام من عام 1963 التي ارتعشت ارضها تحت اثقال الجرائم التي ارتكبها الحرس القومي حيث كانت مخاضا  لآلاف  المناضلين الشيوعيين الذين وجدوا انفسهم امام امتحان عسير بوجه مخالب وحوش لا تحب البشر. لا ادري لماذا وكيف انبعثت هذه الاساءة من يد الحاج عبد القادر العيداني نفسه المفترض فيه ان يكون على مستوى عال من الاخلاقية، لما يدّعيه من حسن  عقل وحسن فضيلة، الصفتين اللتين ينبغي ان يتسم بها كل مناضل شيوعي أو وطني. لكن السيد عبد القادر لم يكن يعلم – مع الأسف - ان الاخلاق تقتضي من الانسان الشريف ان لا يسترسل في كلامه او كتاباته بصورة عبثية  لأن قول الكلام والاتهام جزافا هو نوع من الجريمة الاخلاقية، التي يخشاها كل مناضل شريف. أقول ثانية – مع الأسف – أن العيداني  لم يرتجف خوفا من قيامه بتنصيب نفسه ، من دون وعي، بمهمة شاقة حين يجبره تفكيره على ان يصور نفسه   بوظيفة: (المفتش العام ) بعد نصف قرن من الزمان  ليجعل من نفسه بدون ان يدري محققا بوليسيا جديدا  مخضلا قلمه بنوع من الحبر الاسود  دون ان يستعبر مهنة واخلاقية (الكاتب الحر) الذي ينبغي عليه ان يتنفس ( الصواب) و(العدل) و(ألدقة) و(الوثيقة) في ما يقول ويكتب وأن لا يغطي نفسه بعجاج الذات والنرجسية ، محاولاً كسر مصباحي الذي حملته شخصيا في دهاليز الحرس القومي لمدة 8 اشهر كاملة ، وكنت المُعذب  الوحيد الذي قضى مثل هذه المدة الطويلة في اقبية الحرس القومي البشعة . كنت فيها معلقاً بين لحظة الحياة ولحظات الموت  . لم يتوقف تعذيبي إلا بدخول  القوات العسكرية إلى زنزانتي الانفرادية بعد أن   احتلت المقر الفاشي  ضحى يوم سقوط الحرس القومي في 17 – 11 – 1963   حيث كنتُ قد  حافظت فيها على شعلة  المصباح الثوري المنير بيدي وصدري طوال هذه المدة القاسية بكتم كل سر من  اسرار الحزب الذي انتميت اليه ، حباً وطوعاً.

أقول للسيد عبد القادر العيداني مذكراً و ناصحاً أنه ليس من اخلاق السياسي الشريف ان يسلـّي نفسه بالعدوان على سمعة (الآخر)  أو على تاريخه السياسي أو على مواقفه النضالية. كما أنه ليس من أخلاقية الشيوعي أن يخرّ على (منصة واهية) ليصنع من نفسه بطلا ويصنع من الاخرين  متخاذلين، كما هو حال مجتمعنا السياسي الهش في الزمن الحاضر.  ليس من اخلاقية السجين السياسي الذي قضى شطرا من حياته في ابشع سجن صحراوي على وجه الارض  (نقرة السلمان ) مع آلاف المناضلين الآخرين أن يظن نفسه  قصيدة من قصائد النضال المزهر . بينما يحاول بذات الوقت ان يجعل       ( الآخر) بيتاً شعرياً ناقص الوزن والقافية في القصيدة النضالية،  المشتركة،  الطويلة.

ربما كان السبب هو  قصر  البصر حين قرأ مذكراتي فلم يجد غير كلمة واحدة  وضعتها في سطور مذكراتي صادقا إلى أعلى حد من الصدق الشيوعي  حين قلت أن (ضعفي الوحيد) يوم اعتقالي من قبل الفاشيين كان نتيجة تصوري  الذي لم تكن بمكانه في إمكانية  استغلال صداقتي لبعض العناصر القيادية في الحرس القومي بالبصرة لوقف انتهاكاتهم الوحشية ،  وقد قدمت تفسيرا تفصيليا عن موقفي الأمين على حفظ أسرار حزبي  أمام  التعذيب والتحقيق  لكنه استغل (الكلمة الصادقة) ليضع عليها  عقله النرجسي المضطرب  ليفبرك  من  ظلام هذه الدنيا القاسية   شيئاً  يسيء  به إلى تاريخي النضالي  عام 1963 وخلاله ،وما بعده حتى اليوم، ليصورني  منهارا في التحقيق أو غير ذلك من مواقف (الضعف) وهذا كله مخالف للحق والواقع أقدم عليه العيداني    في وقت لا يعرف فيه انه يغوص في عتمة العدوان على الصدق وعلى الحق بعدوانه  عليّ وعلى تاريخي ، ربما بدون ان يدري ان وميض النضال يبقى باهرا مهما وُضع عليه ستار كثيف  .  لا اظن ان  عبد القادرالعيداني    متعمد  في ان يضرب، هنا وهناك ، عنق قصيدة أخيه او رفيقه او زميله كما يسميني . المفروض ان كل مناضل يشدّ يديه إلى يد المناضل الاخر كي تهطل كلماتهما معاً نحو هدف واحد.

حينما دخلت سجن نقرة السلمان أوضحت بمذكراتي المنشورة رغبتي في ايقاف نسيج عملي الحزبي، التنظيمي،  لكي  أوالف قيثارتي على موهبتي الادبية – الثقافية وحدها   كي لا تتقطع  ولم يكن من بد امام منظمة الحزب داخل السجن  غير القبول برغبتي ومع ذلك ظلت صلتي بها أقوى من علاقتها بسجناء آخرين كثيرين  بعد أن صرت اسبح في تيار الحرية الابداعية ، ألاطفها وتلاطفني حتى اليوم مع بقائي متموجاً بنفس الماء الذي يستحم فيه رفاقي المناضلون، الوطنيون والشيوعيون، حين انغمرتُ داخل السجن بسيول العمل الثقافي (عضو اللجنة الثقافية في السجن)  والصحفي (محررا نشيطاً في جريدة السجن)  . لم يكن هناك شيء يفصلني عن دمي وجذوري سواء داخل السجن او خارجه بشهادة العشرات  والمئات من رفاقي المناضلين الاوفياء منهم الراحل  صالح دكلة وهمام المراني (مقيم في امريكا) وعبد الواحد كرم (مقيم في السويد) ولويس فرنسيس (المقيم في استراليا)  وصاحب الحكيم( مقيم في بغداد) وكاظم فرهود (مقيم في السويد) وصالح الشايجي الراحل اخيراً.

من المؤسف حقاً أن العيداني  لم يتراجع او يتراخى من تهجمه عليّ رغم انني اصدرت  ايضاحا في  بداية عام 2014  وعتابا  له عن اخطائه بحقي، لكنه أصر بما نشره يوم امس أيضاً،  مبرهنا انه بتجاهله إيضاحي إنما  يعزل نفسه عن (الحقيقة) التي يبحث عنها ، عن حقيقة المناضل الاصيل .. هذا ما لا أتمناه له. وإلا كيف يمكن تفسير (الإصرار) على الإساءة لشخصي وإلى من  يمشون بثقة وايمان على جسور الرفقة والصداقة والزمالة . أقول لهذا الصديق ، الرفيق، الزميل : كن بسيطاً كما أنت .. تواضعْ  وتراجعْ.... راجيا لك أن تتخلى عن الكراهية ..!   فأنا ، ليس كما تتوهم، فقد كنت و سأبقى  وجوداً مضيئاً، وفياً ، مهما لفحتْ وجهي رياح الحاقدين والحاسدين من الذين استغلوا كتابتك لصبّ جام حقدهم على الشيوعية من خلال صبّ حقدهم عليّ..؟  أرجو أن تفكّر جيدا بالمقولة: إذا مدحك  السيئون  فذلك يعني أنك على خطأ عظيم.

ختاماً أدعو صديقي وزميلي ورفيقي واخي عبد القادر الى الابتعاد عن طريق  (المكابرة) لأن (المكابرة) قرينة الضعف وليس القوة.  المكابرة تمويه وليس حقيقة،  أملي ان تتخلص من طريقتها ومن اساليبها فأنا ادعوك من خلال كل ما تقدم الى البحث عن حقائق أصدق واكبر من كلمة واحدة ومن لفظ واحد،   فربّ ايمان في كلمة كافرة ، وربّ كفر في صلاة مؤمن .

وليس بالعدوان على الاخرين تشفى جراحاتنا،

لكن بالحب وحده تبرأ.

كما قال شاعر شيوعي عظيم.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-01-2015     عدد القراء :  2046       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced