الحقائق هي التي تتكلم والتشكيك مجرد تصورات
بقلم : فاضل پـولا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

ليس من المعقول التصور بوجــود دولــة تفـرَّط بمصالحهــا وتجعــل منها محض  صدقات تمنحها ــ لوجه الله ــ لغيرها من الدول ، بيد انها تتعامل دولياً وفق تبادل المصالح ليس الا . ولا تقدم على اي مشروع سياسي كان او اقتصادي مفرغ من ضمان مصلحتها. وهذا هو البروتوكول  السياسي السائـد بين جميـع الدول  ، وليس مقصـوراً على الولايات الأمريكيـة فحسب .

إن اقدام الولايات المتحدة على اسقاط النظام العراقي السابق ، لم يكن  بمثابة تلبية طلب لأية جهة سياسية في المنطقة ، ولا كان شعوراً منهـا بمـا يعانيـه معظـم الشعب العراقـي مـن القهــر والقمـع ، بقدر ما كان حرصها على مصالحها ومصالح الدول السائرة في ركابها في المنطقة من شرور نظام عاتٍ في العراق . فهذه بديهة استوجبت الإشارة اليها قبل الولوج في موضوع قراءات تثير الشكوك حول كل ما تفعله اميركا ، مهما كان ذلك الفعل ناصحاً . وكأن كل ما يقدم  اليه هذا البلد ، لا يحمل في طياته وغاياته سوى المكائد . ولا يضمن الاّ جـر الويلات على أهل واصحاب كل بلاد يتعامل معها . ومن هذا المفهوم ينطلق الكثيرون في التحذير من امريكا ومشاريعها .

ندخل في البحث عن مدى صحة التصاعد في التشكيك بالموقف الأمريكي ووصف غاراته الجوية على داعش مجرد خديعة ولعبة بعقول العراقيين . ويُرّوّج هذا الإعتقاد في ظرف دقيق يمـر بـه العراق ، والذي يتطلب منا  النظر الى الأحداث وحيثياتها بعدسة لامة ، للكشف عن الحقائق بشكل واضح لا لبس فيه  . وعند جلي هذه الحقائق ، تكون الصورة اكثر وضوحاً للحكم على الدور الأمريكي بدقة والوقوف عند مصداقيته أو عدمها في قيادة التحالف الدولي في قتال داعش .

ولكي نكون دقيقين في ذلك ، علينا العود الى بداية الوضع الجديد في العراق بعد سقوط النظام السابق ، لنكشف بأن الأحزاب الحاكمة التي تعَـدُّ مركز ثقل للعملية السياسية في العراق  تساندها          قطاعات واسعة من  الجماهير والشرائح الإجتماعية ، كانوا ينتظرون الرحمة من اميركا لإنقاذهم من الحكم الدكتاتوري البغيض . وتحقق لهـم ذلك . وفور تنفيــذ امريكا عمليــة اسقاط النظـام العراقــي ، كانت ايران تقف بالمرصاد لذلك الإجتياح ، الأمر الذي دفعها لتسريب كل ما امكن لها من قدرات  ، لبسط النفوذ على ارض الوطن الذي اشتبك حابله بنابله ، جراء ضعف الإرادة العراقية في اعادة بناء الدولة ، وذلك بسبب طغيان بعبع الطائفية المتولد من الموقف الشيعي المدعوم من ايران ، والموقف السني الذي وضع اساساً له ، البعث المهزوم  ومن ورائه  دول الجوار المعروفة .  

عملت اميركا بكل وسعها ووفرت كل ما امكن من مقتضيات تأسيس حكومة ديموقراطية ، تنهض بالعراق ، وتجعل منه مثالاً  للتعايش الإجتماعي في الداخل والتوجه العلماني لبناء دولة  لها قدرة على تنشيط الأسلوب الدبلوماسي ، واقامة علاقات ودية متينة مع جميع دول المنطقة التي كان النظام السابق قد وضعها في موقع العداء للعراق ، جراء تصرفاته الشائنة التي الحقت بالعديد من تلك الدول اضراراً بليغة .

وكانت اميركا طيلة تسعة عقود ، تعاني من الجهود العقيمة  لفرقاء  العملية السياسية  في بنائهم لدولة دستورية ديمقراطية . وتواصلت  ( امريكا ) في الدفاع عن هذا المشروع وسط خضم من التخبطات والصراعات على اشكالها ، لدرء اخطار المؤامرة الكبيرة من الطرف السني المتمرد الذي يقوده البعث وكتل اخرى مصابة بداء الطائفية المستشرية والمدعومة مناطقياً ، والتي سرعان ما تكورت ككرة الثلج لتضم قتلة وارهابيين من كل فج عميق ، يتلقون كل انواع الدعم والتأييد من النظام السوري آنذاك جنباً الى جنب مع دول الجوار الأخرى التي جرى ذكرها والإشارة اليها بكثرة .

كانت القوات الأمريكية في الداخل تبذل اقصى مساعيها في حماية الدولة الجديدة والشعب عبر تضحيات جسيمة بالأرواح والأموال .  ففي ذلك الوضع العصيب ، دخلت ايران من الطرف الآخر تستعدي الشيعة ضد الوجود الأمريكي وتشارك البعثيين في قتال ( المحتل ) من خلال مليشيات شيعية معروفة ، ونحن في غنى عن ذكرها . واخيراً ، تحقق لها دفع حكومة السيد المالكي لإجلاء القوات الأمريكية من العراق  ، وهو في حالة من التخبط في وضعه الأمني المتدهور  وسلمه الأهلي المرعب ، وبأمس  الحاجة الى بقاء تلك القوات مدة اطول ، لكبح جماح  العمليات الإرهابية التي باتت تستهدف الشارع العراقي والمؤسسات الرسمية للدولة .

تم جدولة  انسحاب  القوات العسكرية الأمريكية  من العراق ، وفق  معاهدة امنية ، وقعها الطرفان العراقي والأمريكي في نهاية عام 2008 وعلى ضوئها اقتضيَ ابقاء 50 الفاً من تلك القوات لحفظ الأمن في العراق . ولكن ايران مارست ضغوطها على القرار العراقي ، للتعجيل بدخول الإتفاقية حيز التنفيذ بانسحاب كلي للقطعات الأمريكية من جميع القصبات والمدن ومغادرة العراق  دون رجعة . وبدأ ذلك في 2009 وانتهى وجودها رسمياً في نهاية عام  2011

قدَّرتْ حصيلة الخسائر في صفوف القوات الأمريكية المنسحبة  التي كانت بتعداد 150 الف جندي     بـ (4405 ) قتيلاً . وعدد الجرحى ، يربو على   32  الفاً .

أما الخسائر في صفوف الجيش البريطاني ، قدرت بـ ( 179 )  جندي .

ولم تكتفِ ايــران بالتخلص مــن تلك القــوات ، بل دفعــت بالحكومة العراقيــة بقيادة السيد المالكي ، للوقوف ميدانياً الى جانب النظام السوري في قمعه الإنتفاضة .

وكما هو معلوم ، بأن نظام بشار الأسد ، ينطلق مع ايران من موقف معادٍ للمصالح الأمريكية  في المنطقة وخاصة في تهديد امن اسرائيل وامن ولبنان . وبالنتيجة يتراصف مع كتلة روسيا والصين وايران ضد دول الحلف الأطلسي .

اميركا لبت طلب الحكومة العراقية في قتال داعش جواً فقط . وتم الإعلان رسمياً في الأخبار العسكرية المنقولة عن مدى اهمية ذلك العون ، ولكن قيل عنه وبتقدير العسكريين من عراقيين وأمريكان ، بأنه سوف لن يكون حاسماً في هزيمة الغزاة . ونقرؤ اليوم بأن النتيجة المتوقعة يُحمَّل الجانب الأمريكي وزرها . وينبىري من يقارن النتائج التي حققتها امريكا في تصديها للقوات العراقية واكتساحها وهزيمتها على ارض الكويت بوقت قياسي ، مع نتائج غاراتها الجوية على داعش ، ليتهم اميركا بافتعالها  الجدية في توجيه ضربات موجعة للعدو . والمراد من هذه المقارنة ، هو تبرير ضلوع امريكا في المساومة مع داعش في مشروع  اذلال  العراق .!

ولمجرد رجوع  اي قاريء الى احداث حرب ( عاصفة الصحراء ) التي قادتها امريكا في حرب الخليج الثانية ( تحرير الكوت ) يحس بعدم صحة هذه المقارنة .

لماذا ..؟ لأن القوة البرية التي تم زجها في تلك الحرب ، كان تعدادها ما يقارب المليون من المشاة ، ونصف تلك القوة كانت امريكية . والحملة تلك ، كانت مسنودة بعدد كبير من مختلف انواع المجنزرات .. من الدبابات والعربات المدرعة وحاملات الصواريخ والراجمات والهاونات وكل ما تيسر من عدة القتال البري ، وجميعها تحت غطاء جوي بعدد كبير من الطائرات والسمتيات .

فأين صدقية هذا التشكيك بالموقف الأمريكي ، وايران تحذر بشدة من خطورة عودة قطعات امريكية للحرب على ارض العراق . وهي التي ( ايران ) كانت مصدر الضغوط على السيد المالكي نفسه ، لطرد آخر جندي امريكي من ارض وطنه . ولما دخل طيرانها على الخط في كبح جماح مقاتلي داعش ، انبرت ايران تصرح بعدم جدوى هذه المساعدة التي سعت اليها الحكومة العراقية نفسها ..!!  

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 03-03-2015     عدد القراء :  1956       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced