أنت من في الغربة ..كلكامش هذا العصر ..!
بقلم : نوفل كريم جهاد
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

هنا في الغربة نعيش أكثر من عشرين عاما .. فتركت فينا بالغ الأثر.. تركنا نحن الوطن وتركنا أحب البشر.. تركنا هناك قلوب متكسره ونفوس متحسره ..والغربة صدقوني من الخطايا التي قد لا تغتفر.. تركنا لحظات حياة لن تعود ولا تتكرر.. وانت يا من في الغربه تتعطش دوما للمحبه لأن في المحبه سر غريب لا نعرف عمقها الا عند الفراق او السفر ..

تسير بك الغربة وكأنك محكوم بالركض المؤبد و تحمل على ظهرك صخرة سيزيف الى الأبد ..

تلهث وراء المستحيل.. أو الوهم و السراب وتنشد حنجرتك بكل حزن أنشودة الرحيل .

في الغربة اي حقيقة نحيا واي اقدار تحكمنا والحياة هناك لاتزال تجرفنا .

في الغربة تشعر بقبضة شديدة الأحكام تشل الانسان وتربك عقله وتعصر الوجدان ,فأي قوة تلك التي تقتل ارادة الانسان ؟ وفاقد الارادة لا يختلف عن فاقد الحياة بشئ إلا في اختلاف المكان ..!

في الغربة تَحن الى كل شئ قد مضى وكان ، حنينا عجيبا تصحبه مرارة موجعة تسخر من الانسان .. وكأنك تقف بكل خشوع عند مذبح الزمان..

في الغربة أنت تحن الى ما لم تكن تراه أو حتى تلتفت اليه يوما , ترى أشياء بسيطة و لحظات مدفونة في الوجدان تصرع مشاعرك وتهزم صمودك بوجه الحياة وقد تسخر منك أو حتى تبعثر الكيان .

في الغربة يقودك الحنين الى أشياء لم تهتم بها يوما ولم تكن تتصور انها ستخطر على بالك لتمس مشاعرك في الصميم وتتجمد تلك الدمعة بصمت صارخ يملاء المكان !

فماذا يعني تذكرك لون باب البيت الذي ولدت فيه مثلا , اليست هي فكرة تافهة حقا ؟

و إنها لكذلك .. او ماذا يعني حتى التفكير بنخلة في الحديقة القديمه او ضحكة مع صديق الطفولة ؟ قد لا تعني شيئا تلك اللحظات في حينها , لكنها الان هنا في الغربة تعني شيئا وشيئا كثيرا بالطبع ..

وأنت يامن في الغربه تعيش بالروح في دروب الماضي وترى حين تغلق عينيك وجوه الماضي .. وقلبك مليئ بالذكرى والغصه والأشتياق للعودة بالزمن لتعيش اليوم كما كنت في الماضي .. أنه الشوق، نعم الشوق الذي يعصر القلب ،أنها الفكرة التي تأسر العقل .. بل هي البراكين، ولكل انسان في الغربة براكينه ! !

في الغربة تجد نفسك في حوار دائم مع من تركت .. تتحدث الى الذين يعيشون معك .. أنهم في عالم أخر غير الواقع الذي تحيا.. لكنهم يعيشون معك بالروح في الاعماق .. تتحدث مع الأم والأب والعائلة وكل الاحبة ..وتسمع حقا صوت الأم ينبع من القلب ..نعم من القلب ويناديك بأسمك بهمس مسموع بكل عذوبة وسلام ..

وتمر في رأسك الوجوه والكلمات وتستعيد كل تلك الضحكات وحتى الهمسات كالمجنون .. بل و تجد نفسك أيضا في حوار مع من قد رحل عن هذه الدنيا ومات ..

فأي جنون هذا وأي ألم .. وأي لذة تلك في هذا الألم ..؟!

وبعد .. في الغربة انت قد تؤمن حتى بالمعجزات .. وبأي عصى تشق أنت البحر ..وكيف تخطو أنت على الماء .. أو بأي براق تعتلي أنت السماء ... و بأي دعاء تُرجع أنت الشمس الى الوراء ..

لكن ولى زمن المعجزات ..و أنتهت قصص الأنبياء ...!!

وها انت الأن وحيدا في الغربة تستذكر كلمات طرقت مسامع كلكامش في بحثه عن سر الخلود والحياة ، حيث تقول تلك الكلمات :

الى أين أنت ماض يا كلكامش .. إن الحياة التي تبغي لن تجد .. فالألهة العظام حينما خلقت البشر قدرت لهم الموت وأستاثرت هي وحدها بالحياة .. فأي عبث مؤلم هذا الذي نحيا .. وأنت يا من في الغربة .. كلكامش هذا العصر ...

  كتب بتأريخ :  السبت 25-04-2015     عدد القراء :  1881       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced