في 11 آذار من عام 2011 تعرضت مدينة توهوكو اليابانية لزلزال عنيف ، أعقبه موجات تسونامي مدمرة ، ما أدى إلى خسائر جسيمة في الأرواح والممتلكات. وفي مواجهة هذه النكبة ضرب الشعب الياباني أروع الأمثلة في التلاحم والصمود ، ومن تلك الأمثلة صورة لجنود يابانيين امتدوا على أعمدة حديدية وجعلوا من أجسادهم جسرا يعبر عليه أطفال المدارس الصغار .
حينها ضجت وسائل الإعلام العربية والعالمية تشيد بمواقف اليابانيين الإنسانية ، وترتفع بهم إلى أقصى درجات السمو والتضحية ، وتدعو كل الناس أن يقتدوا بهم وبمواقفهم العظيمة وبصبرهم في مجابهة الكوارث والتحديــــــــــات. وانبرى الكتاب والمحللين الاجتماعيين يبحثون في شخصية الفرد الياباني ليتعرفوا على جذورها ، ويكتشفوا خصائصها وسماتها التي ميزت اليابانيين عن بقية الأعراق والأجناس.
لكن وسائل الإعلام هذه غضت النظر وأصيبت بالعمى عن مواقف الشعب العراقي الإنسانية ، الذي لم يتعرض لضربة الطبيعة الغاضبة الصماء في مدينة واحدة ، كما حدث في اليابان ولمدة بضع دقائق ، بل كان ومنذ أكثر من ثلاث عقود والى يومنا هذا ، عرضة لضربات ونكبات وويلات وحروب ومجاعات لو تعرض لجزء منها أي شعب في العالم لتلاشى واندثر وأصبح نسيا منسيا .
إن من أهم الأهداف التي يسعى لتنفيذها تنظيم داعش الارهابي ودوائر المخابرات العالمية التي تقف خلفه هو تحطيم الروح العراقية الأصيلة ، وتشويه كل قيمها الإنسانية الراقيـــة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا . ما يريدونه هو سحق القيم الإنسانية وترسيخ الكراهية والحقد بين أبناء الشعب الواحد ، وبث اليأس في نفوسهم ، وتلويث أفكارهم بأمراض الطائفية والعنصرية .
غايتهم وضع بذرة العداء في نفوس العراقيين ، ونزع الثقة فيما بينهم ، وان تحل الكراهية بدل المحبــة ، وان تتبلد المشاعر والأحاسيس وتموت قيم النخوة والشهامـــة ونكران الذات . لكن ما حصل ويحصل ورغم بعض النجاحات التي حققها دواعش الخسة وأسيادهم ، وتمكنهم من نفوس هي أصلا مهيئة لاستقبال كل دنس وخبث ، إلا إن العراقيين بصورة عامة لم يفارقوا سماتهم ولا خصائصهم الأصيلة التي تميزهم عن بقية الشعوب ، فما زالت قيم النخوة والطيبة والشهامة والشجاعة واضحة جلية في تصرفات الأغلبية ومعاملاتهم ، بارزة في اشد الظروف قسوة ومرارة ، لاسيما في الظروف التي يُمتحن فيها صدق الإنسان بقناعاته ومبادئه المعلنة فأن هذه القيم تبرز متحديـــة كالسيل تجرف أمامها ما يعيق اندفاعها ، وتعلن للعالم اجمع بان العراقي هنا ، ما زال إنسانا بمعنى الكلمة ، لم تحطمه النكبات ولم تقصم ظهره الضربات الموجعة ، بل زادتـــه قوة وصلابة .
قبل فترة وجيزة تحررت ناحية العلم في صلاح الدين من قبضة الدواعش ووقف ابن الجنوب مع أخته ابنة الغربية ليهزجا معا ويرقصا فرحا بالنصر ، لم يكن بينهما موعد سابق ولا تخطيط ، ولم ينتبها إلى تلك الكاميرا التي وثقت رقصتهما ، لقد عبـــرا بصدق وإخلاص عن الروح العراقيـــة التي يريد الآخرون تدميرها ، وإفراغها من أي مضمون إنساني . لكن الأمل باق في نفس كل عراقي شريف يعمل بجد وإخلاص من موقعه ، ويكون مثالا للآخريــن وقدوة لهم في الصدق والأمانــة والطيبــة ، وبذلك يتم الحفاظ على سمات شخصية الإنسان العراقي وروحه المتساميــة .