توظيف المفاهيم
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

للمفاهيم دور كبير في توضيح الأمور وبذلك يرسم صورة واقعية للأمور وكلما كان المفهوم مطابق الواقع كلما يكون الانكشاف تام للواقع فيكون تعامله مع المفهوم بدون حيرة او تردد او شك او توهم وكلما كان المفهوم غامضا او مبهما او مجملا يكون غير مطابق للواقع فيكون الإنسان أكثر وقوعا بالحيرة والتردد والشك .

والمفاهيم تارة تصدر من قبل الله وان مساحة الكشف للواقع من قبل الله واسعة لان لله تعالى له الانكشاف التام والكامل فتعتبر تلك المفاهيم مصداق حقيقي للواقع وهي عين الواقع والمناط في صدق وكذب أي قضية هي موافقة الواقع ولكن المشكلة في هذه المفاهيم تظهر من الإنسان نفسه فكلما كانت الآلية في فهم تلك المفاهيم صحيحة يكون التعامل صحيح بدون أخطاء وكلما كان الفهم خاطئ او ناقص كلما ساهم في التوسعة والتضييق في دائرة الخير او الشر او الصدق والكذب والفضيلة والرذيلة والحسن والقبح والحلية والحرمة وهنا تحدث المشكلة فيحصل اختلاط بالمفاهيم وتحصل الشبهات والاختلافات ثم الصراعات والأزمات ويكون حب الذات الذي يمثل جانب كبير في تغير المفاهيم لان الذات الإنسانية تحاول ان تضيف ما تحب من رغبات وأهواء الى تلك المفاهيم مما يسبب خلل بفهم المفاهيم .

المفاهيم بين السلب والإيجاب

في تعامل الإنسان مع المفاهيم تارة تكون تلك المفاهيم من إبداعات العقل فقسم منها تعبر عن حقيقة الواقع الا ان القسم الأخر قد يكون بعيد عن الواقع وتارة هذه المفاهيم لها مداليل سلبية والمداليل اللفظية يكون نفس اللفظ بما يعبر عن المعنى فله تأثير سلبي على النفس وعلى الآخرين وهناك مصطلحات ومفاهيم كثيرة تستعمل منها العنصرية والتعصب والطائفية والدكتاتورية والاستبداد والصهيونية والاستعمار وغيرها كثيرا فمجرد سماعها تكون لها مداليل سلبية للسامع وكلما كان الإنسان على اطلاع على حقيقة تلك المفاهيم أكثر كلما كان أكثر تفهما لحقيقة تلك المفاهيم وكلما كان الإنسان له سوء فهم فقد تتحول الى معنى ايجابي له لأنه لا يعرف حقيقتها بسبب كشفه الجزئي والمحدود.

وهكذا في المفاهيم والمصطلحات الدينية كما في التعبير عن الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش والنواصب والرافضة والخوارج والردة والكفر والشرك والبدعة فان الكثير من تلك المفاهيم تستبطن مداليل سلبية فالحروب الصليبية تستبطن حالة الحروب والكره والبغض والاقتتال بين المسلمين والصليبين مما يعني مع ذكرها في الكلام قد تعطي مدلول سلبي وتزيد من فاعلية التوتر وان كلمة النواصب حيث تستبطن العداء لأهل البيت عليهم السلام حيث تكون لها دلالة حين استعمالها بأنها عبارة عن العداء والكره لأهل البيت من قبل الاخر فكلمة الناصبي تستبطن التخوين له بحق اهل البيت عليهم السلام وهكذا بكلمة الرافضة فهي تستبطن حينما يسمعها الشيعي يشعر انه خائن بينما الأخر يستعملها لأجل بيان تخوين الشيعي من حيث يشعر او لا يشعر وهكذا في كلمة مرتد تستبطن الكفر فمجرد اطلاق كلمة على شخص معناه اظهار الاخر بأنه قد خرج عن الملة وهكذا كلمة الكفر تستبطن عدم شرعية الأخر وان الاخر ليس له رؤية ايجابية للوجود بل سلبية وهكذا كلمة المشرك اتهام الاخر بصفة جعل لله شريك.

الا ان تحديد المفهوم الصحيح لهذه المفاهيم يزيل الغموض وان الفهم الخاطئ للبعض والفهم الناقص للإسلام يساهم بسوء فهم لهذه المفاهيم وبالتالي حين استعمالها يكون لها مردود سلبي كما في استعمال البعض كلمة الكافر والمشرك والملعون والملحد وعدو الله وعدو الرسول والزنديق والفاسق والفاجر وغيرها من الكلمات التي تعبر عن الضحالة في الفكر والخلل في المنظومة الفكرية وهي التعبير عن العجز عن مقاومة الاخر بالحجة والدليل فهي أساليب الضعفاء والتي لم تكن الأدوات الكافية له لنقد أفكار الآخرين من خلال ضحالة الخزين الفكري والا صاحب الخزين الفكري لا يحتاج الى استخدام هذه الألفاظ لأنه يستعمل الأساليب النقدية والعلمية في نقد أفكار الآخرين خصوصا اذا كان يملك من الأدوات الفكرية والفلسفية والمنطقية .

وكلما كان الفهم واقعي للإسلام مما يجعل الإكثار من استعمال المفاهيم الايجابية لا السلبية في أفكاره ومواقفه وآراءه وتصوراته والفضل يعود الى التوافق بين النص والعقل وعدم إلغاء دور العقل سوف يجعل تداول المفاهيم الايجابية الصحيحة كما في الوحدة والإخوة فيحصل الحوار والتعارف وان المشكلة لدى الكثير ان احداهما لا يفهم الاخر ومع الحوار سوف تزال كل التشنجات والصورة السلبية للأخر وهناك الكثرة من الطرفين من يملك الإخلاص للإسلام الا ان الصورة السلبية التي يحملها كل طرف عن الاخر هي التي تجعل الحواجز النفسية والاجتماعية والسبب الاول والأخير هو ان أطراف من هنا وأطراف من هناك نتيجة لسوء الفهم للإسلام والتشبث بأمور لا تخدم الإسلام.

واليوم الساحة الإسلامية تشكو من حال القطعية بين الاطراف الإسلامية بسبب وجود فئات لا تفهم الإسلام فهما حقيقيا وبالتالي يجعل البعض ان يختزل الحقيقة له بينما في الحقيقة لا بد ان تكون كل فكرة او تصور او مفهوم مطابق للواقع فلا يمكن الاختزال الحقيقة لأحد بل الشيء الاول والأخير هو الواقع أي كا يجب ان تكون القضية في الواقع ولكن البعض حينما تتحدث معه وتقول له الأساس الواقع يعتبر اعتقاده يساوي الواقع وحينما تقول له لو قال الله يوم القيامة بأنك على خطأ وان فهمك خطأ فماذا ستفعل ؟ يقول لا ان فهمي هو فهم رسول الله وهذا الخطأ الكبير حيث يتصور ان فهمه للنص يوازي فهم رسول الله وهذه الحالة موجودة لدى الكثير فهم يختزلوا الحقيقة لهم فقط ولا يجعلوا مساحة ولو صغيرة بأنه من الممكن ان يكون فهمهم وتصوراتهم خاطئة.

وهناك بعض المفاهيم الايجابية ولكن المشكلة من البعض يجعل دلالتها محدودة وضيقة بينما لو توسع في دلالتها لسوف تكون لها بعد أعمق وأوسع واشمل كما في مفهوم العبادة والطاعة والتقوى والزهد والصبر والتوكل والرزق وغيرها من المفاهيم فان البعض يجعل مفهوم العبادة مفهوم ضيق كما في قوله تعالى (وما خلقت الجن والإنس الا ليعبدون ) فيجعل العبادة لها مفهوم ضيق ومحدود بينما العبادة قد يكون المقصود منها هو المفهوم العام وهو أعمار الأرض وإصلاحها وبناء القيم والمثل العليا هذا المفهوم يعطي للإسلام بعد إنساني واجتماعي وهناك معنى خاص يقصد في العبادة العبادات المعروفة وان كانت هي الأساس وإهمالها يعتبر تجاوز على ارادة الله تعالى لكن لا بد من ذكر المعنى العام والخاص للعبادة.

وهكذا في مفهوم التقوى ليس معناه الابتعاد على مخالطة الناس كما لدى المتصوفة الذين جعلوا التقوى لها دلالة سلبية بخلاف ذلك الإنسان الذي يملك قوة معنوية تعصمه من الانحراف مهما يلاقي من مغريات فالتقوى مفهوم عام في كل تصرف وسلوك وموقف وليس مقتصر على مدلول محدود وسلبي كما يفهمه بعض المتصوفة وهكذا في مفهوم الزهد الذي قد يتبادر الى البعض الدلالة السلبية والضيقة له من خلال عدم التملك فالإنسان الزاهد حسب زعمهم هو الذي لا يملك شيء بينما المفهوم الصحيح هو ان لا يكون خاضع خضوع تام للأشياء المادية بحيث تسلب ارادته فالزهد لا يعني الإنسان لا يملك شيء بل لا يكون له خضوع للأشياء بحيث تسلب ارادته ومواقفه في الحياة وهكذا في مفهوم التوكل لا يعني ان الإنسان ان يوقف عقله في التفكير والتدبير في الأمور ويجعل توكله فقط على الله تعالى مع الانقطاع عن العمل فالذي يريد شيء ولا يسعى بالعمل يحصل له تواكل وليس توكل.

وهكذا في مفهوم الرزق الذي يتبادر لدى الكثير هو الرزق بالمال فقط الذي هو أكثر مصاديق الرزق بينما قد تكون الزوجة الصالحة رزق والابن المطيع والصالح رزق والجيران الذي لا يؤذي جاره رزق والأصدقاء المخلصين رزق اذن دلالة الرزق لهما مدلول واسع وبالإضافة الى الرزق المعنوي يكون أعظم واجل فقد يربح الإنسان ربحا ماديا ولكن الربح المعنوي انفع وادوم.

توظيف المفاهيم

بعد ان عرفنا الدلالات السلبية والايجابية للمفاهيم تأتي مسألة مهمة أيضا هو توظيف المفاهيم لإغراض ومصالح شخصية او حزبية او دولية وفي عالمنا اليوم هناك كثير من الدراسات والأبحاث يقوم الباحثون بها في سبيل توظف كثير من المفاهيم لخدمة أصحاب رؤوس الأموال وشركات وأحزاب وانتخابات وكل شيء أصبح يوظف وقد تتحول الهزيمة الى نصر اذا وظف كما في الأحداث التي نراها في عالمنا اليوم.

ان مفهوم الإرهاب الى يومنا الحالي لم يجعل له تعريف معين وذلك ليكون هذا المفهوم يوظف لتحقيق أهداف بعيدة المدى وتحقيق جملة من الأمور التي تخدم الدول الكبرى فقد يكون الشخص المقاوم والمجاهد والمدافع عن قيمه ومبادئه يدخل ضمن دائرة الارهاب اذا ما اريد من قبل البعض ذلك وانه بالرغم من اختلافنا مع بعض التصرفات السلبية التي تصدر من البعض الا انه لا يمكن ادخال البعض ضمن دائرة الارهاب مع كون الشخص مقاوما او مدافعا عن الحق والعدالة والفضيلة.

وهكذا بالنسبة لمفهوم الديمقراطية التي يوظف لخدمة اظهار الحضارة الغربية انها تحمل أفكار الخير للجميع باعتبار الديمقراطية حلم من الأحلام الا ان هذه التي تنادي بهذه الأفكار كانت هي السبب الأساس في مآسي ثلاثة قارات في العالم وسلبت خيراتها وهي التي أسست الأحزاب ودعمت تلك الأحزاب وكذلك رؤساء كثير من الدول لخدمة المصالح الغربية وهكذا في كثير من المفاهيم الأخرى كما في مفهوم المواطنة والانتخابات والليبرالية والتقدمية والحداثة وما بعد الحداثة وكل هذه الأفكار تعبر عن عملية تسويق وتوظيف للأفكار والقيم الغربية الى تلك الشعوب لا حبا بتلك الشعوب الا انه لتكريس لثقافة معينة وشعور من هذه الدول انها لا يمكن ان تحافظ على مصالحها ما لم تزرع تلك القيم.

وهكذا الإسلاميين يعملوا على توظيف كثير من الأفكار والقيم كما في مصطلح الرافضة والذي يستبطن التخوين وكلمة النواصب التي تستبطن العداء الى اهل البيت وكلمة الكافر والتي تستبطن الموقف السلبي من الوجود وبالتالي عدم شرعية هؤلاء في الحياة ما يترتب على ذلك وجود فتاوى جاهزة للقضاء عليهم وهكذا المشرك التي تستبطن الخضوع والخنوع للأصنام وعدم صفاء العقيدة لدى الاخر وهكذا في الفرقة الناجية التي تمثل اختزال الحقيقة لكل من ينادي بها وإلغاء الأخر والمجوس التي تستبطن عدم الاعتقاد الصحيح للأخر وعدم اعتقاده بالإسلام لان يريد ان يقول ان أفكار المجوسية لا زالت قائمة عنده وهكذا كثير من المصطلحات التي لها دلالات سلبية.

وهكذا بالنسبة لمحاولة البعض من تشويه الأخر كما هو بالنسبة للبعض كإظهار التطبير كأن الشيعة الامامية لا تعرف عن الإسلام الا البكاء واللطم وبينما الشيعة الامامية والنسبة الكبيرة ترفض هذه الممارسات وهي تكافح في سبيل إنهاء هذه الممارسات او تهذيبها وفي نفس الوقت يجهل الكثير عن تصورات وأراء الفكر الامامي حيث وصل اليوم الى مراحل تألقه ونضجه في الجوانب الفقهية والعقائدية والفلسفية والكلامية والاخلاقية ولا زال يتقدم ويتطور بفضل فتح باب الاجتهاد الذي يعتمد أساسه على النقد اذ لا يسلم أي فقيه من نقد أفكاره.

وهكذا بالنسبة للطرف الشيعي كما حال البعض من أصحاب الفهم التقليدي الذي يتمسك ببعض الروايات الضعيفة ويحاول ان يؤسس عليها أفكار وهمية وان يظهر جملة من الأمور كما في تظلم الزهراء وكسر ضلع الزهراء وتضخيم المشكلة وكأنما هي مشكلة الإسلام الأولى والأخيرة وهذه القضية عبارة عن توظيف لاتهام الأخر وهذا الأمور لا يجادل بها الا من فهم الإسلام فهما خاطئا ومتخلفا والا أصحاب الفهم الواقعي والذي يجمع بين دور العقل والوحي وبين مكتسبات العقل البشري ومكتسبات الدين يرفض كل أنواع التوظيف السلبية ويعتبر ان قضية الإسلام لا يمكن ان تختزل بقضايا جزئية تجعل القطعية والفرقة والكره والبغضاء وما على الإنسان الواعي ان يزيد من فعالية قيم الخير والجمال والحب والإخاء والتعاون والتعارف .

تسويق وتوظيف المفاهيم

في وسائل الاعلام هناك استخدام مفاهيم معينة في الفكر الإسلامي لها دلالات ايجابية الا ان وسائل الاعلام خصوصا الغربية تحاول ان تغير من دلالتها بحيث تتحول من الدلالة الايجابية الى دلالات سلبية كما في مفهوم المقاومة والشهيد والجهاد اذ تحاول ان تزيل جانب القدسية من خلال جعله يدل على مدلول سلبي فالمقاومة تضحى تدل على الإرهاب والشهيد يعني الشخص الذي ينتحر او تدل على كونه إرهابي بالإضافة الى ذلك تسويق وتوظيف وسائل الاعلام جملة من المصطلحات منها تسويقهم مفهوم محور الشر.

  كتب بتأريخ :  الأحد 03-05-2015     عدد القراء :  2439       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced