المرأة العراقيــة وآثار الحروب
بقلم : طارق الربيـــــعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أود ان أقول في البداية ان مقالتي هذه ستثير حفيظة النساء المتزوجات ، ولن أنال منهن إلا الدعاء بالويل والثبور على شخصي ، وربما أكون موضع سخرية واستهجان للكثير منهن . لكنها قد تجد القبول عند بعضهن من منطلق إنساني وديني ، وسيتفهمن الفكرة برحابة صدر ، ومهما كانت ردود الفعل فأن المقالة تبقى مجرد رأي قابل للمناقشة والرد عليه ودحضه والإتيان بأفكار وآراء أخرى كلها تصب في صميم الظاهرة الخطيرة التي سأتطرق إليها في هذه المقالــة .

اختل التوازن العددي بين الرجال والنساء في المجتمع العراقي بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1980، وأصبحت العوائل العراقية تودع أبناءها إلى جبهات القتال الملتهبة وهي تدرك انهم قد لا يعودون إليها مجددا إلا وهم جثامين محمولة على الأكتاف . فالحرب آفة مسعورة تعتاش على دماء الرجال، والعراق بلد انهكته الحروب منذ أن استولى النظام البعثي الدكتاتوري على السلطة.

التهمت الحروب رجاله وشبابه، ويتمت أطفاله، ورملت نساءه، وبددت ثرواته الهائلة…فمن حرب الثمانية أعوام إلى حرب غزو الكويت، ومن ثم الحصار الاقتصادي الظالم المفروض على الشعب العراقي، وصولا إلى الحرب التي أطاحت بنظام البعث الصدامي في عام 2003 بقيادة الولايات المتحدة الأميركية .

فهل تنفسنا الصعداء، وارتحنا كبقية خلق الله المرتاحين في أوطانهم، وصرنا نطمئن على أبنائنا في ذهابهم وإيابهم، وهل التأم شمل العائلة العراقية وهي ترفل بالأمان والحب، وبالحنان الأبوي الذي لا يعوض؟.

لم يحدث شيء من ذلك، فقد اجتمعت كل قوى الشر الظلامية بمختلف مسمياتها، بعدما خرجت من كهوفها العفنة، وحشدت وحوشها، وكشرت عن انيابها المسمومة، وتحالفت مع فلول البعث المنهار، لتفترس شعبا اعزل لم تلتئم جراحه النازفة بعد.

لم يترك الإرهابيون الأنذال وسيلة من وسائل القتل والدمار والترويع إلا وارتكبوها، كانت وما زالت سياراتهم المفخخة تنفجر في كل مكان، وبهائمهم الانتحارية تطلب الجنة بدم الأبرياء، عبواتهم الجبانة مزروعة في الشوارع، وقذائف هاوناتهم تتساقط على الناس الآمنين في بيوتهم … والنتيجة كانت مزيدا من الضحايا، ومزيدا من الآلام .( فقد قدرت منظمة الأمم المتحدة لرعاية الأمومة والطفولة” اليونيسيف ” عدد الأيتام في العراق بأكثر من 5 ملايين طفل يتيم، وأكدت دراسة أجرتها الأمم المتحدة ومراكز أبحاث أخرى أن عدد الأرامل في العراق قد بلغ 3 ملايين امرأة ) . إن هذه الأرقام ليست دقيقة بسبب عدم وجود قاعدة بيانات موثقة لدى الجهات الرسمية العراقية، ومع ذلك فهي تعطي إشارة واضحة عن حجم الكارثة الاجتماعية التي تهدد كيان المجتمع العراقي، فإذا أضفنا لعدد الأرامل اللائي فقدن أزواجهن جراء العمليات الإرهابية عدد المطلقات المتزايد، وعزوف الشباب عن الزواج بسبب البطالة، كانت الكارثة أكبر.

تحديات ومشاكل كثيرة يواجهها الشعب العراقي وحكومته المنتخبة، وما اتساع ظاهرة الأرامل والمطلقات إلا واحدة من تلك التحديات . فكيف يمكن التعامل مع هكذا كارثة اجتماعية لها تداعياتها الخطيرة على المجتمع العراقي في المستقبل القريب والتي لا تخفى على احد.

وزارة العمل والشؤون الاجتماعية تخصص منحة مالية بسيطة للأرامل، لكن الفساد المالي والإداري والافتقار للإحصائيات الدقيقة لهذه الشريحة المظلومة تحول دون توزيعها بشكل عادل وشامل لكل المستحقات لها. فضلا عن ان هذه المنحة لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا يمكن الركون إليها كحل نهائي .إن الدين الإسلامي جاء بالكثير من المبادىء الإنسانية والأحكام الخاصة والعامة والنظم التي تهدف إلى تنظيم الحياة الروحية والاجتماعية للناس، وخلق الإنسان السوي، والمجتمع السليم من الأمراض والعاهات الاجتماعية والأخلاقية .

إن نظام تعدد الزوجات الذي شرعه الإسلام وحدد ضوابطه، وبين ايجابياته، يبدو لي انه سيساهم مساهمة فعالة في ذلك . ليس لدي الكثير من التفاصيل في ما يخص هذا الموضوع، لكنني على يقين تام بأن الحكومة، أو أية حكومة في العالم، إذا وجدت في أمر ما مصلحة لشعبها وصيانة لقيمه وعاداته الايجابية واستقراره وحفظا لأخلاقياته فهي قادرة على تحقيقه. لما يتوفر لها من إمكانيات وقدرات هائلة .إن بمقدور الحكومة العراقية تفعيل نظام تعدد الزوجات وطرحه كثقافة مقبولة عند النساء المتزوجات وفي المجتمع بصورة عامة، خاصة في ظل الظروف الحالية التي يمر بها العراق، من خلال الاستعانة بالمفكرين والكتاب وخطباء المعابد ووسائل الإعلام المتنوعة .

النساء الأعضاء في مجلس النواب يتحملن مسؤولية مضاعفة تجاه شريحة الأرامل والمطلقات، فهن الأكثر تحسسا من سواهن لآلامهن ومعاناتهن، لذا فهن ملزمات أيضا بالبحث عن انسب التشريعات والقوانين التي تصب في مصلحة بنات جنسهن، والاّ يجعلن أكثر همهن منصبا في أمور السياسة وأزماتها وتجاذباتها التي لا تنتهي، فما لدينا من سياسيين يكفينا وزيادة للخوض في تلك الأمور .

المرأة الأرملة والمطلقة ليست بحاجة إلى بضعة دنانير من برنامج شبكة الحماية الاجتماعية، إنها بحاجة إلى أكثر من ذلك، إنها تحتاج إلى الرعاية الزوجية والحب والحنان، والى الخيمة التي تستظل بها وتحميها من مجتمع ذكوري ما زال ينظر إليها كمخلوق من الدرجة الثانية، فإذا لم تسع الدولة وبجميع مؤسساتها، وإمكانياتها المادية، ومراكز بحوثها الاجتماعية في مؤسساتها العلمية، وتتضافر جهود الجميع لوضع الخطط والستراتيجيات التي تحد من خطر وتداعيات ظاهرة اتساع نسبة الأرامل والمطلقات والعوانس في المجتمع العراقي، فعلينا ألاّ نتفاجأ بما ستتمخض عنه الأمور مستقبلا، وان نتقبل كافة النتائج المرعبة .

  كتب بتأريخ :  الخميس 07-05-2015     عدد القراء :  1644       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced