آخر العشاق
بقلم : طارق الربيـــــعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في زمن تلبدت فيه سماء العراق بسحب سوداء ، واحاطت به من كل الجوانب ضباع الدواعش حاملة رايات الكراهيــة والخراب ، وفي ظروف سياسية واقتصادية غاية في الاضطراب القت بظلالها على الحياة الاجتماعية للناس ، إنكفأ الكثير من المبدعين على أنفسهم ، وجفت اقلامهم من حبر الابداع ، مؤثرين الصمت والعزلـــة ، بعدما اختلت لديهم الموازين ، فلم يعد باستطاعتهم الوقوف بوجه ذلك التيار الجارف ، فأنسحبوا معلنين الهزيـــمة . وهنا تتجلى اصالة المبدع الحقيقي الذي لم يتخلى عن رسالته ، وواصل نهجه بكل ثقة وعزيمة ، متخذا من قدرته الإبداعية سلاحا يشهره بوجه كل من يريد للحياة أن تتوقف في العراق . ومقالتي المتواضعة هذه عن شاعر عراقي معاصر ، استمد أصالته من جذور بابل ذات الحضارة العريقة ، ومن سعة اطلاع على آداب التراث العربي وثقافات الأمم الأخرى ، كونه مترجما من الطراز الأول ، أتحف قراءه بالكثير من النصوص العالمية شعرا ونثرا ، ومن تلك وهذه نما إبداعه الشعري وترعرع ، ليشكل علامة فارقة بين معاصريه ، وليضع بصمة راسخة في سجل حياته الأدبية . ذلكم هو شاعر الغزل العراقي حامد خضير الشمري .

ومحض اسمكِ حشد من ملائـــكةِ

يخطُ بالبرق آيات على السحبِ

يبقى اللسان شذيا حين ألفظه

والقلب من شوقه إن يستطع يثبِ

قد ذبتِ في الروح حتى صرتِ توأمها

وانسبتِ كالضوء بين الجفن والهدبِ

في قصائد الغزل الشمري احتفاءُ مهيب بالمرأة ، وسـمو بها إلى فضاءات روحية مقدسة ، من خلال جملته الشعرية المهذبة التي لا تتعامل مع المرأة بإبتذال واسفاف وإستغراق في وصف مفاتنها الحسية ، أو إتـخاذها كسلعة للمتاجرة كما فعل ويفعل بعض الشعراء . فشاعرنا الشمري عاشق ، أعطى تجربته الوجدانية أبعادا أكثر شمولية ، متجاوزا بذلك ما هو شخصي ، إلى ما هو إنساني ، وفرق كبير بين شاعر يحترف نظم الشعر وآخر عاشق ، نلمس ذلك بوضوح في نصوص الشمري فمن قصيدة بعنوان (أقداس البنفسج ) نقرأ:

مالي نبي عدا عينيكِ أتبعه

ولا إله سواكِ اليوم أخشاهُ

ففوق ثغركِ آيات أرتلها

وعند شهديكِ فجرا يشرقُ الله

كأن قلبي إذا ناغاكِ مبتهلا

قيس يخرُ على أقدامِ ليلاه ....

نلاحظ بوضوح في هذه الأبيات رقة التصوير ، وتدفق المشاعر ، وحلاوة الألفاظ ، مع قوة وتماسك للجملة الشعرية التي تنساب كالجدول العذب ، يروي قلوب عطشى ، ويبث الحياة في نفوس كاد التصحر أن يفنيها . مع جرس حلو الإيقاع يشد القارئ نحو النص ليندمجا معا في عالم واحد من الصور المجازية والبلاغية والإيحائية التي تضفي على النص مزيد من العمق والتأثير . وما يميز الغزل الشمري أيضا إنه يتكئ في معظم الأحيان على التناص مع المقدس ، مستثمرا الفضاء الروحي الذي امتاز به من خلال دلالاته التي يوضفها الشاعر بحكمة في نصوصه لتسمو بتجربته الشعرية ، وتمنحها طاقة معنوية أكثر تأثيرا في النفس . ولا ننسى إنه بذلك يعبر عن نواياه الصادقة ومشاعر العفة والطهر تجاه المحبوبة عندما تكون هي والمقدس في إطار واحد . فمن قصيدة بعنوان (أميرة الحور) نقرأ هذه الأبيات

وإن جلسنا نأى الشيطان منخذلا

كأن جبريل فيما بيننا حضرا

أميرة أهلها أبهى ملائكة

قد صاهروا الحور حتى أبهروا البشرا

وإنما وجهها والوردُ مُزدهيا

توائم أسعدت من حُسنها النظرا

لو إنها قدمت في جيش إبرهة

لم يرسل الله طيرا تحمل الحجرا ....

وهكذا هي نصوصه الشعرية تتميز بلغة حية متدفقة بالقوة والشباب ، لا يجد القارئ أمامها ومن فرط تأثيرها عليه إلا أن يقرأها بصوت عال ، أو يترنم بأبياتها كأغنية تطرب لها مسامعه ، وتهتز منتشية بها أوتار قلبه الذي بُعثت فيه الحيــاة . ان شاعرنا العراقي الشمري مؤمن بالحب كأصل للحياة ، وكعامل فاعل في ديمومتها وإنعاشها وجعلها أكثر جمالا وإشراقا ، وكدافع محفز لإنتشال الناس من براثن اليأس والقنوط والتشاؤم ، وإخراجهم إلى عوالم أكثر سموا ورحابــة . إنه يبث الحياة في نفوس قد فارقتها الحياة ، ولا اقصد بذلك الموت المادي الفسيولوجي ، وإنما تقوقع النفوس في كهوف التعاسة المظلمة ، وشل قدرتها على التواصل والانطلاق ، إنه لا يكتب الشعر لمجرد الشعر ، بل يحمل رسالة كما الأنبياء ، لا سيما في هذا الزمن الذي نحن بأمس الحاجة فيه إلى الأمل والتشبث بالحياة والإصرار عليها ، وهذه هي رسالة الشمري .لقد منح المرأة مكانتها اللائقة ، وأضفى عليها من روحه المتسامية ما منحها القدرة على الارتقاء إلى عالم المثل دون إن يسلبها طبيعتها الأنثوية .ولنقرأ من قصيدة بعنوان (آخر العشاق)

لو أن حبي كان حبا لانتهى

لكنه وحيُ لعرشكِ يصعدُ

ما كنتِ بين الغيد في روض الهوى

إلا ووجهكِ فوقهن الفرقدُ

لي من طيوفكِ حين يعبق ضوعها

عوض لما قد ضاع أو ما يفقدُ

الشركُ بالمعشوق كفر والذي

يهفو إلى غير الحبيبة ملحدُ

أنا آخر العشاق فالحب إنتهى

لم يبق إلا أسمه يترددُ

الدهر يُفني كل شيء في الدُنـى

إلا هواكِ فأنه يتجددُ

كتبت إحدى صديقات الشاعر(فريال الولائي) تعليقا على صفحته في الفيس بوك تعبر عن الأثر الذي تتركه نصوص الشمري في نفسها فقالت : أنا أكون بكامل أنوثـتـي ، وأجمع جمال نساء الكـون ، عند قراءتي لقصائــد الشمري . وبكلمات فريال نهاية المقال .

نبذة مختصرة: حامد خضير الشمري عضو اتحاد الادباء العراقيين ، شاعر ومترجم وصحفي ، امين سر جمعية الرواد الثقافية المستقلة المركز العام –بابل –لاربع دورات متتالية ، نشر العديد من القصائد والتراجم والمقالات والدراسات في الصحف والمجلات العراقية والعربية ، أصدر (نقوش على كوفية ابي جهل )ديوان شعر ، وقصائد حب عالمية مترجم عن الانكليزية ، قام بترجمة عدة دواوين وقصائد مختارة من الفارسية ـ الروسية – الانكليزية لديه العديد من المؤلفات غير المطبوعة في الشعر والترجمة .

  كتب بتأريخ :  الخميس 07-05-2015     عدد القراء :  1986       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced