الطـاغيــة الموعود
بقلم : طارق الربيـــــعي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

من المتعارف عليه إن نظام الفرد المطلق وطوال فترة حكمه لا يعمل على قمع الحريات والآراء التي لاتنسجم مع نهجه الشمولي فقط ، بل إنه يحرص على تفكيك النسيج الاجتماعي والروابـط بين مكونات المجتمع المختلفة . ويزرع بذور الفتنــة والشقاق بينها ، حتى تسود البغضاء ، وتنعدم الثقة ، ويبقى كل مكون يعيش في ريبة وكراهيــة لباقي المكونات الأخرى وان انسجم معها ظاهريــا ، ويطمح في نيل رضا الطاغية الذي يمثل صمام الأمان الحافظ للدولة من الإنهيار . وبعبارة أخرى يصبح الطاغية هو الدولة نفسها بكل ما تحويه من مؤسسات .

إن سقوط أي طاغيــة وبصورة مفاجئة يعني سقوط الدولــة ،لأن المؤسسات لم تكن مستقلة ، بل مرتبطة به بصورة مباشرة. وبالنتيجة سيرتد الناس الى حالة الهمجية الأولى بعد تحررهم من قيود القانون القامع لرغباتهم ، الضابط لسلوكياتهم واهوائهم. وستظهر روح الطاغيــة موزعة على عدة زعامات ، وينشب الصراع الدموي بين أبناء الشعب الواحد ، حيث يغيب منطق العقل ، لتحل بدلا عنه الدوافع والأهواء المنبثقة من المشاعر والإنفعالات المحركة للمجاميع المنفلتــة وتحدد اتجاهاتها وسلوكياتها اللا مسؤولــة . عند ذلك ستفرض حالة الفوضى سلطتها على المشهد كله .

لقد لا حظنا ما حدث وما زال يحدث في تونس ومصر وليبيا واليمن بعد قيام ما يسمى بربيع الثورات العربي ، حيث سادت الفوضى ، وانتشرت الجريمة ، وظهرت العناصر المتطرفة تعلن عن نفسها بقوة السلاح ، حتى النزاعات العشائرية والقبلية نشبت بين شرائح المجتمع لأتفه الأسباب بعد انهيار المنظومة الأمنية والعسكريــة . كذلك العراق الذي ما زال يعيش حالة التخبط والفوضى العارمــة ويعاني شعبه من الإرهاب والفساد المتفشي في مؤسسات الدولـــــــــة ، برغم مرور أكثر من عقد على سقوط النظام البعثي الشمولي وإعدام الطاغية صدام .

إن الشعب العراقي والشعوب العربية عموما كانت محبطة ويائسة من إسقاط طغاتها ، ولم تحاول جادة التخلص منهم ،فاستمرأت بقاءهم على رأس السلطة، وترسخ في وعيها الجمعي ضرورة وجودهم، وعدم الاستغناء عنهم، فبهم وحدهم تستقيم الأمور، وتأمن السبل!.. فالطاغية عند الشعوب العربية أصبح يمثل ما يعرف بعلم الاجتماع (بالوحدة المركزية في الثقافة) التي تدخل في تشكيل البناء النفسي للفرد منذ نعومة أظافره ، وتعمل على تحديد الاتجاهات والأنماط السلوكية لتلك الشعوب. لذا يكون من العسير على هذه الشعوب ان تعيش بلا زعيــم قوي ، قادر على كبح جماح الأهواء والأطماع والرغبات المخالفة للمصلحة العامــة ، ماسكا للأمور بقبضة من حديد ، مرهوب الجانب ، شديد الوطأة ، لا يعترف ببرلمان أو أحزاب ، له جيش يسيره وقتما يشاء ، وقوى أمنية متغلغلة بين الناس تحصي عليهم أنفاسهم وتقمع بشدة في حال بدا من البعض ما يهدد سلامة الدولـــة وأمنها .

يبدو لي إن العراق اليوم بحاجة إلى مثل هذا الطاغية القوي للتخلص من كل هذه الفوضى العارمة التي تضرب البلاد منذ أكثر من اثنتي عشر عاما ، ولا ملامح في الأفق تشير إلى انتهائها في المستقبل القريب . إنها فتنة اشتعلت وبدأت تحرق الأخضر واليابس ولا تقف عند حد معيــن ، مادامت أمور البلد موزعة بين الأحزاب المتناحرة فيما بينها ، والمتنافسة على السلطة والمال تنافسا ليس فيه من الشرف إلا اسمه ، ومن الوطنية إلا شعارها .

هذه الأحزاب لا يتزعمها سوى أشخاص من عامة الناس وان كانت لديهم شهادات عالية إلا إن عقليتهم ونمط تفكيرهم مستمد من عقلية الجماعات فلا يختلفون عنهم كثيرا . ناهيك عن انعدام خبرتهم في مجال السياسة . لذا فان كل ما يجري مصائب وكوارث على الشعب العراقي ، وما يهدد سلامة الوطن لا يوحد مواقفهم ، ولا يستفز روح المواطنة النائمة في أعماقهم ،فكانت ولا تزال رؤيتهم محدودة ، بينما أطماعهم لا حدود لها .

نحن بحاجة إلى طاغية يضرب بعنف وبلا رحمة كل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن ، والضرر بمصالح الناس ، يضرب الإرهابيين والمفسديــن وكل ناعق بالتصريحات المزعزعة للتماسك الاجتماعي مهما يكن انتماءه ومنصبه ومذهبه والجهة التي يتمترس خلفها . فالوقت ما زال مبكرا لكي يفهم العراقيون معنى الحرية ، وتترسخ فيهم قيم الديمقراطيــة ، وتنمو في وجدانهم بذرة المواطنة الصادقة التي لم يشعروا بها طوال عهد النظام الدكتاتوري البائد .

لقد كان لحكم الفرد المطلق الذي يظهر كنتيجة لحالة الفوضى وتناحر الأحزاب فيما بينها بعد الإطاحة بالطغاة ، تأثيرا كبيرا على استتباب الأمن . فعلى سبيل المثال ما حدث بعد قيام الثورة الفرنسية عام 1789، حيث دخلت البلاد في نفق مظلم ، وعاشت حالة من الهيجان والتمرد ، وأزهقت آلاف الأرواح في مذابح جماعية ، واغتصبت النساء ، ونُهبت الممتلكات العامة والخاصة ، وأحُرقت أجمل أبنية باريس ،ودُمرت الآثار والمقتنيات في المتاحف ، والمصادفة وحدها هي من أنقذت قصر اللوفر من الحرق والتدميــر بكل ما يحويه من تحف نادرة . استمر ذلك الجحيم مستعرا لمدة عشر سنوات ، إلى أن جاء قائد عسكري شجاع وامسك بمقاليد السلطة وانصاعت الأحزاب المتنافرة لأوامره ، وتحقق الأمن ، وبدأت الأحوال تسير وفق مسارها الصحيح . كان ذلك القائد الطاغية اسمه نابليون بونابرت .

أرى إننا اليوم في العراق بحاجة ماسة إلى طاغيــة بمواصفـات نابليـــون . فكما قيل في الأمثال ظالــم غشوم خيـــر من فتنة تــدوم . فمتى يظهر طاغيتـنا الموعود ، وحلمنـا المنشود ؟!

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 19-05-2015     عدد القراء :  1608       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced