التعامل بين لغة الاخلاق ولغة القانون
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في حياتنا الاجتماعية قد نستعمل بعض الأحيان صيغة الطلب اريد منك كذا فهي اقرب الى لغة القانون التي تعني الأمر والطلب على نحو الفرض بخلاف استعمال صيغة الرجاء والتمني كقولنا ارجو منك عمل كذا او أتمنى منك عمل كذا او لو سمحت اطلب منك كذا فهذه اللغة هي لغة الأخلاق وهذه اللغة الأقرب الى لغة القلب والوجدان فيسعى المقابل الى تقبل صيغة الطلب بالترجي والتمني مما يكون اندفاعه للعمل أكثر مما كان بلغة الأمر التي هي لغة القانون وهذا يعني ان التعامل بلغة الأخلاق أرقى بكثير من أنواع التعامل الأخرى في حياتنا الاجتماعية لذلك يتطلب استعمال لغة الأخلاق وهي أرقى من لغة القانون ففي صعود سيارة الأجرة لو قال شخص ما بصيغة الأمر لشخص أخر خذ المال وأعطيه للسائق تكون أصعب في تقبل الأخذ بخلاف لو استعمل لغة الرجاء كقوله ان آمكن توصل المال الى السائق سوف يكون الاستعداد في تقبل الطلب أفضل.

وفي مشكلة الميراث كثير ما تحدث مشاكل وخصومات بين الأخوة والأخوات فبعض الأخوة يتعامل مع بقية إخوته بلغة الإخوة وهي ذات قيمة أخلاقية عالية بينما بعض الأخوة يتكلم عن اخذ حقه من الميراث على نحو الدقة وان كان هو محقا في ذلك ولكنها قد تكون خلاف المروة فيشعر بعض الأخوة والأخوات بنوع من الأسى والحزن من جراء التعامل الحدي وهذا بغض النظر عن كون في كثير من الأحيان يحصل ظلم الأخوان او الأخوات بالأخص الأخوات وهذا حرام ليس فيه مجال للتبرير ولكن حديثنا ينصب في زاوية العلاقة بين الجانب الأخلاقي وبين الحق الشرعي فالحق الشرعي مطلوب عقلا وشرعا ووجدانا ولكن يبقى عنوان الإخوة يتسامى من الناحية الأخلاقية التي يجب على بعض الأخوة التنازل عن بعض حقوقهم خصوصا اذا ما كانوا ليس بحاجة اليه واذا ما كان من بين الأخوة من لا تكون له القدرة المالية.

وكثير ما تحصل كثير من العراقيل في المعاملات او الخصومات في المحاكم نتيجة لوجود قوانين إما قوانين كونها متخلفة او نظم إدارية بالية او فاسدة مما يستدعي في كثير من الأحيان ان يتحرك الموظف لحل المشاكل التي تحصل لدى المواطنين وذلك لا يتحقق الا أن يكون ذلك الموظف او المسئول يحمل نبل وقيم سامية مما يجعله يتحرك لحل كثير من المشاكل الا انه المشكلة في كثير من الأحيان ان مثل هؤلاء يحاربوا من قبل الفاسدين والمفسدين بشتى الطرق والوسائل فلا يسمحوا لهم بمواصلة حل معاملات المواطنين ويحاولوا ان يدافعوا عن موقفهم هذا بتبرير بأنه لا يوجد في القانون مثل هكذا مادة بينما يمكن حل المشاكل لو توفر الوازع الأخلاقي او الديني.

وعلى مستوى الأحزاب والحركات سواء أكانت قومية او يسارية او ليبرالية او إسلامية اذا تعامل هؤلاء مع الآخرين بأسلوب الحدية سوف ينفر منهم الكثير بخلاف لو تعامل هؤلاء مع الآخرين بأسلوب التعامل القيمي سوف يجعل الناس تنظر اليهم باحترام الا ان الشيء السائد ان كثير من الانتهازيين يتسلقوا كثير من المناصب والوظائف ويبقى الكثير مما يحمل قيم سامية منعزل عن أداء الخدمة الى الناس وهذا مما يجعل في كثير من الأحيان تنفر الناس من الطبقة الحزبية سواء أكانت لدى الاتجاه القومي او اليساري او اللبيرالي او الاسلامي ويجعل بعض الناس يفضل ان يكون إنسانا مستقل بعيد عن كل هؤلاء و من جهة أخرى يسبب حرمان الناس من مثل هؤلاء النجباء ممن يحمل قيم ومبادئ سامية والسبب الذي يجعل هؤلاء متفوقين عن أولئك لان هؤلاء يتمتعوا بالقيم والمبادئ الصادقة بخلاف من يحمل أجندة حزبية او سياسية مما يجعل الناس تنفر من كل ما هو حزبي او سياسي وهذا ما ملاحظ بان الناس أضحت تنفر من كل سياسي او حزبي.

وأما على مستوى الدول فنجد الدولة لو تعاملت مع الدول المجاورة لها بلغة الحدية يجعل الشعوب تلك الدول المجاورة تكره تلك الدولة بخلاف لو كان تعامل تلك الدولة وفق منطق الجوار والقائم على أساس التعاون والمودة والمحبة سوف يكون عنصر تكامل وتعاون وتستفيد جميع تلك الدول وقد نجد الحروب والخصومات جراء التعجرف والتكبر والاستعلاء من جراء ما تحمل بعض الدول من قوة او مال لذلك يبقى العامل الأخلاقي هو الأساس الواقي والصحيح في التعامل مع الآخرين.

وأما على مستوى الحضارات نجد ان الحضارة المنفتحة على الحضارات والتي تتبني أسلوب التعامل الأخلاقي باحترام الحضارات الأخرى يجعل بان ينظر الى تلك الحضارة لأي امة من الأمم بنظر الاحترام والتقدير وكل هذا يدل على ان العامل الأخلاقي هو العنصر الواقعي الذي يجعل سير الحياة البشرية نحو التكامل والرقي الإنساني ويصف مالك بن نبي بان حضارة الغرب بكونها حضارة شوهاء وعرجاء وذلك لأنها تتمسك بالقيم المادية البحتة التي تجد في العامل المادي هو الأساس في التعامل مع الآخرين وهذا بخلاف لو كان التعامل على القيم والمبادئ السامية كقيم ومبادئ الإسلام الذي يجعل عنوان التعاون والإخوة والمحبة أساس في التعامل.

وقد نجد بعض الاتجاهات الإسلامية نتيجة لسوء الفهم للإسلام يجعل تعاملها بعيدا عن الواقعية كما هو الحال في الفهم السلفي المتطرف الذي نتيجة للفهم الحرفي للنصوص أوقعهم في كثير من الأخطاء والاشتباهات والسلبيات وابسط مثال على ذلك كان تعاملهم مع مفهوم الكفر والشرك قد أوقعهم في كثير من الإرباك مما سبب نفور كثير من الناس منهم وأوقعهم في كثير من الأحيان في إهدار كثير من الحقوق بالأخص في جانب الأنفس والأموال والأعراض مما جعلهم يقتلون الناس وفق تصور ساذج وجعلهم يعتدون على أعراض الناس وفق منطلق خاطئ وجعلهم ينهبوا الأموال وفق أراء وتصورات باطلة مما أوقهم في الحرام من حيث يشعرون او لا يشعرون.

وهكذا نجد من المتطرفين من اليهود جعل أسلوب تعاملهم مع الآخرين يتسم بأسلوب التعالي باعتبارهم شعب الله المختار فجعلهم يحتقرون كل من كان غير يهوديا وهذا مما جعل اغلب شعوب الأرض تنفر منهم وهذا بخلاف الشخص اليهودي الذي عاش مع الآخرين وكان مسالما فنجد يمتدح كثير من أبناء تلك الشعوب بالتعامل الصادق من ناحية الصدق اذا كان متوفرا فيه لذلك كان التطرف في كل الأديان سواء أكان إسلاميا او مسيحيا او يهوديا مرفوض جملة وتفصيلا ولا يقتصر التطرف على أولئك بل من يحمل أفكار قومية او لبيرالية او يسارية لذلك كان أسلوب التسامح والاعتدال هو العنصر الأساس الواقعي وأسلوب التطرف فهو يدل على التخلف.

وان الله تبارك وتعالى قد بين في كثير من الآيات القرآنية على ضرورة توفر صفة العدل في شتى التعاملات والعدل لا يتحقق الا اذا كان هناك اعتدال لذلك العدل هو الذي يجعل الفضيلة هي التي تنتصر ويجعل الحق يعلو ولا يعلى عليه ويجعل الصدق أسمى من الكذب ويجعل الحسن أفضل من القبح ويجعل الخير انفع من الشر وبذلك يظهر ان لغة الأخلاق أسمى من لغة القانون وذلك لان القانون لا قيمة له بدون من يحمل صفة الخلق الرفيع كي يمكن تطبيقه.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 27-05-2015     عدد القراء :  1662       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced