الذهنية الفكرية بين منهجين
بقلم : عصام الطائي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الثقافة يمكن ان تكون سلبية ويمكن ان تكون ايجابية ويمكن ان تكون منتجة ويمكن ان تكون ثقافة غير منتجة وثقافة تحمل عنصر الاصلاح وثقافة تملك عنصر الافساد وثقافة تحمل المحبة والاخاء والتعارف وثقافة تحمل الحقد والعداء والكراهية وثقافة عميقة وثقافة سطحية وثقافة يمكن ان تكون حلا وثقافة يمكن ان تكون مشكلة.

وهناك نماذج تظهر من خلال طرحها الفكري او الفقهي او الفلسفي او الكلامي او العقائدي او السياسي ويظهر مدى النضج الفكري من عدمه او سطحيته ففي كتاب حركة الفكر الفلسفي في العالم الاسلامي للدكتور غلام حسين ابراهيم ديناني الذي حاز على الجائزة الاولى في معرض الكتاب لعام 2000 في طهران وضح جملة من الاختلافات والتباين بين مجموعة من المتكلمين والفلاسفة والفقهاء والمحدثين فيذكر مثلا ان احمد الاحسائي ينظر الى افكار صدر المتالهين واراءه من موقع الفهم الحرفي فيرفض كل ما طرحه صدر المتألهين.

ونفس المشكلة في شرح اصول الكافي بين صدر المتالهين واحمد الاحسائي اذ نجد الفرق شاسعا بين الشرحين باعتبار ان صدر المتالهين له اطلاعا وعمقا واسعا في الفلسفة بينما احمد الاحسائي بالرغم من تعرفه على المعارف الفلسفية وغيرها من المعارف الا انه يعتمد على التفسير الحرفي والتاويل كثيرا مما يؤدي الى فهم ضيق او افكار فيها غلو وابتعاد عن الحقيقة فالمطلع على الشرحين يجد فرقا كبيرا بين الشرحين ونجد المفارقة ان من يملك عمقا فكريا يركز في تدريسه لاصول الكافي على شرح صدر المتالهين ومن يمكن ثقافة بسيطة يعتمد في تدريسه على شرح احمد الاحسائي.

ويقول الدكتور الدنياني وهو يحاول ان يفرز بين عقلتين (فان الدراسات تؤكد ان دراسة اثار الشيخ احمد الاحسائي الذي يتمتع بنوع من الذكاء والفطنه فضلا على براعته في الاحاديث والروايات ورغم هذا فقد وقع في اخطاء فاحشة على صعيد النظر في القضايا الفلسفية وتميز كلامه بالضعف فهو لم يكن من اهل الفلسفة والمباحث العقلية وان احمد الاحسائي ينكر على من يخالف تفكيره على اعتبار تفكيره هو الحق وهذا ما دعا على من خالفه بالكفر والزندقة).

ونفس المشكلة بين كتاب بحار الانوار للعلامة المجلسي وبين صدر المتالهين ولم يكن صدر المتالهين الوحيد الذي تعرض لحملات المجلسي العنيفة وانما تعرض اليها سائر الفلاسفة والحكماء ويقول الدكتور دنياني ( ان المجلسي لا يعرف باستياءه من الفلسفة والفلاسفة فحسب وانما الى جملة من العلوم منها علم الاصول والمنطق).

والمشكلة لا تشمل احمد الاحسائي والعلامة المجلسي بل تشمل شريحة من اقطاب الفكر الشيعي واقطاب الفكر السني وبالاخص اقطاب الفكر السلفي كما في ابن تميمة وموقفه من القضايا الفلسفية وخصوصا موقف ابن تيمية من الفلسفة والفلاسفة حيث انه ينكر الكليات في الفلسفة ولا تقتصر مواقف ابن تيميه على الامور الفلسفية بل الى كثير من القضايا العقائدية وقد وقف كثير من العلماء ضد اراءه في عصره يقول الدكتور الدنياني ( فان على الرغم ان الاستربادي كاخباري متطرف وعلى اختلاف بينه وبين ابن تيميه كحنبلي متعصب الا ان الاثنين يتفقان وينسجمان في معارضتهما للمنطق).

لهذا فالذهنية الفكرية لدى ابن تيمية واحمد الاحسائي بالرغم من علمهما الغزير واطلاعهما على كثير من المعارف وكتاباتهما لعشرات الكتب الا ان الذهنية لهما تشابه كبير ووقعا في كثير من التفسيرات الخاطئة فمن هنا تظهر قيمة المعرفة على توليد الثقافة فكلما كان البناء الفكري يعتمد على التوافق بين النص والعقل والواقع تختلف الذهنية التي تعتمد على الفهم الحرفي للنص كما عند احمد الاحسائي والمجلسي وابن تيمية.

وهكذا نجد نفس المشكلة ممن وقف ضد علم المنطق كما في موقف ابن تيميه حيث يقول الدكتور ( وكان ابن تيميه يواكب قدماء الاشاعرة في تجاهل المنطق بل حتى رفضه ) وكان له كتاب الرد على المنطقين وهذا يدل على وجود اشتراك في الذهنية من خلال رفض كثير من المعارف التي تعصم الذهن من الانحراف وكانت فتوى ابن الصلاح ضد المنطق يقول الدكتور ( انهم وجهوا انتقاداتهم الشديدة لابي حامد الغزالي لدعمه الكبير للمنطق بالرغم من موقفه العدائي للفلاسفة) كما في كتابه تهافت الفلاسفة الذي وجهه ضد ابن رشد.

ونفس المشكلة بالنسبة الى محمد امين الاستربادي ضد علم الكلام وعلم الاصول وموقفه من ابن الجنيد وابن عقيل حيث اعتبرهما انهما انحرفا عن طريق الحقيقة لمطالعتهما علم اصول الفقه وعلم الكلام.

ونجد الفرق بين الفكر الاسلامي والغربي في قصة ابن حيان وكيف نظر الفيلسوف الاسلامي ومعالجته لمشكلة الوجود وحينما نقلت الى الغرب كيف كان الطابع والتفسير المادي للقصة حيث جردت من الجانب المعنوي والاخلاقي وهذا يدل على اختلاف في الافق الثقافي بين ثقافتين بين ثقافة لها منظومة فكرية تعتمد على التوحيد حيث تختلف عن المنظومة المادية .

ويمكن القول ان حتى التوحيد الذي يمثل عنصر قوة من خلال تحرير الانسان من العبوديات المزيفة يمكن ان يكون بعض اتباعه يمثلون عنصر ضعف وهذا ما نلاحظه هذه الايام من خلال تبني الفكر السلفي التكفيري كثير من اراء ابن تيميه مما سبب الاخلال بالامن والامان والسلام الاجتماعي الذي يمثل الهدف المنشود في حياة الانسان .

ان كتاب حركة الفكر الفلسفي في العالم الاسلامي للدكتور دنياني اصدار دار الهادي يمكن ان يقرأ لمرات عديدة ففيه كنوز من المعلومات والتي تغني عن عشرات الكتب يمكن لاي شخص الاطلاع عليه فهو جدير بالمطالعة.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 29-05-2015     عدد القراء :  1626       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced