عن (الواقعية القذرة) في الرواية العربية
بقلم : د. برهان شاوي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

من خلال قراءاتي للرواية العربية على مدى تاريخها الطويل نسبياً توقفت أحيانا أمام سؤال نزق..ألا وهو: لماذا عرفتْ الرواية العربية (نقديا)، أي في الكتابة النقدية للرواية، أشكالاً متعددة كالرواية الرومانسية، والواقعية، والواقعية الجديدة، ورواية تيار الوعي، والرواية الوجودية، والسوريالية، والتاريخية، والوثائقية، والبوليسية، والغرائبية، والواقعية السحرية... و.و..و. بل ولم تترك أسلوباً يُجرب في الرواية الغربية دون أن تقتبسه أو تستنسخه، لتقدم نماذجها العربية.. لكنها، وهذا جوهر السؤال، لم تتوقفت عند تيار الواقعية القذرة..إلا من خلال نماذج قليلة جداً تجنب النقاد تحت ضغط الأخلاق الإجتماعية الإقتراب منها، ةتسميتها باسمها..فظلت في النسيان.. ؟؟

(الواقعية القذرة Dirty Realism ) تيار أدبي مهم..تم تداول المصطلح في السبعينات من القرن المنصرم لكنه نُحت نقديا في أميركا في بداية الثمانينات، وبالتحديد في العام 1983 على يد بيل بو فورد، رئيس التحرير السابق لمجلة "جرانتا"، حيث كتب مقدمة للعدد الثامن من هذه المجلة معرفا ببعض خصائص أعمال بعض الكتاب الأميركان..فأنتشر هذا المصطلح عالميا..وإذا ما كان بعض الكتاب الأميركان قد تنصلوا من الإنتماء إليه فأنه المصطلح بحد ذاته شمل كتابا أميركان وغير أميركان.. علما أن هذا المصطلح يمس بهذا الشكل أو ذاك، قبل صياغته،كتابا أمثال: هنري ميللر، جون شتاينبك في بعض رواياته، دوس باسوس، وغيرهم .

في أميركا وحدها يصنف ضمن هذا التيار أعظم ممثليه : تشارلس بوفكوفسكي، رايموند كارفير، ريتشارد فورد، توبياس فولف، لاري برون، جون بالانيوك، غريديريك بارثليما، كورماك مكارثي،جيني آنا فيليبس، جون فانت،مارك سفرانكو..وهناك من ينسب بول أوستر إليهم أيضا.

أما في أميركا اللاتينية فهناك الفنزويلي: ارجنس رودويغويث، والمكسيكي: أودولف فارغارا تورغيليو، والأكوادوري: بابلو بالاسيو، والكوبي: بيدرو خوان غوتيرث، وآنا لوسيا بورتيلا، والأسبان: كارميلو أريبارن، روجر فولف، خوان فالثويث، والكستاني: ايبان زالدوا،والباسكي: هاركيتاث كانو..وغيرهم.

ارتباط كلمة (القذرة) بهذا التيار ناتج من أن كتّاب هذا التيار يهبطون إلى قاع المجتمع ليكشفوا قذارته، وتفاهة تفاصيله، وعبثه، كاشفين عالم الجنس، والسكر، والإغتصاب، والقتل، والإنحطاط الأخلاقي والروحي..مركزين على تفاهة التفاصيل اليومية للبشر..

لكني وأنا أراجع بعض نصوص التراث العربي القديم..وجدت أن بعض مشايخ الأدب العربي القدماء، لاسيما في مجال الروايات الجنسية، قد سبقوا المعاصرين بقرون..بل أن ألف ليلة وليلة فيها بعض الحكايات التي تتجاوز قصص وروايات الواقعية القذرة بمراحل..علما أن في المشهد الروائي العربي اليوم الكثير من الروايات التي تنتمي لهذا التيار لو تم تفحصها نقديا..

والسؤال هنا لماذا تراجعنا الآن عن حريتنا في الكتابة والتحليل النقدي..؟

هل للدين وتحريماته والأخلاق الإجتماعية المحافظة والنفاق الثقافي دور في ذلك...؟

هل لأن هذا التيار يدعو إلى إسقاط كل الأقنعة عن اللغة وتقشيرها من أغلفتها الأخلاقية المنافقة، ويكشف عن الإنحطاط الخلقي والإجتماعي بعيداً عن الرومانسيات الرخيصة والجملة الشاعرية التي تقتبسها المراهقات..والبطل الإيجابي الذي يرضي الآيديولوجيات التي في جوهرها ليست سوى منظومات أخلاقية جديدة..؟

لا أدري..

هو مجرد سؤال أثارني وأنا أقرأ بعض المواعظ النقدية في الرواية وطريقة كتابتها... والفتاوى في ما يجب أن يذكر أو لا يجب أن يُذكر..... في ما يفترض ان يقال وكيف يقال..في ما يوصف وما يجب الابتعاد عن كتابته ووصفه..في ضرورة مراعاة الأخلاق والدين والعائلة ..وعدم النزول إلى تلك المناطق المظلمة..أو إيجاد طريقة رشيقة ومقنعة.. ومقبولة..ولا تخدش الحياء لتقديمها.. وطبعا كل الحديث والتحريمات تحوم حول الجنس والتوغل في تفاصيله سردياً.. حتى وجدت نفسي وكأني أمام نقاد هم في الحقيقة آيات الله بملابس أوربية..أو أمام لجان تحكيم تذكرني بمحاكم تفتيش أدبية..

لستُ من أتباع تيار الواقعية القذرة..لكني اقتربت منها كثيرا و استفدت من جرأتها وكشوفاتها اللغوية بشكل كبير.. كما أنني أجد أن هذا التيار ليس (قذراً) كما هي تسميته، وإنما هو كشف للإنحطاط والقذارة التي تحيط بالبشر، .. هو كشف لتفاهة التفاصيل اليومية والمتكررة، التفاصيل البايولوجية، والوجودية، والمبعدة قسراً من معبد الأدب، علماً أن هذا التيار هو الأقرب إلى توصيف الانحطاط الفكري والقذارة السياسية وحفلة الأقنعة التي نعيشها في مجتمعاتنا اليوم...

ومرة أخرى أعود إلى السؤال النزق: لماذا لم يقترب النقاد العرب من مصطلح (الواقعية القذرة) عند تفحصهم للرواية العربية..؟..فمن من المؤكد أن هناك نماذج أدبية موجودة له..لكنها ظلت في الظل.. بحيث لا يمكن أستحضارها كتيار في الرواية العربية مثل غيرها من التيارات،..وأعتقد أننا سنحتاج إلى تحليلات نفسانية وإجتماعية لتفسير ذلك....

وربما هنا يمكنني ان أستثني الكاتب والمترجم الكبير الأستاذ كامل يوسف حسين الذي عرّف بهذا التيار عربيا وترجم العديد من النصوص التي تنتمي إليه، لاسيما من الروايات الأميركية.

  كتب بتأريخ :  السبت 30-05-2015     عدد القراء :  3618       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced