رواية ( منعطف الصابونجية ) وهموم البيت البغدادي
بقلم : جمعه عبد الله
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تعتبر رواية ( منعطف الصابونجية - 130 صفحة ) هي الرواية الاولى للكاتبة العراقية ( نيران العبيدي ) وهي تقتحم عالم الرواية بابداع يستحق الاعجاب والثناء , في طرقها مواضيع حيوية وحساسة , وبلغة السرد الرشيق , وتكتيكات وتقنيات الفنية بناصية التمكن القدير , بعضها جديد غير مطروق , وهي تنقلنا بكل شفافية ولهفة وتشويق في طيات الابداع الروائي , الى ذلك الزمان بالتحديد في بدايات القرن العشرين , الذي يعاصر الاحتلالين العثماني والانكليزي من تاريخ العراق بشكل عام , والتعرج باسهاب الى تاريخ بغداد , والبيت البغدادي وشناشيله , والموروثات والتقاليد والاعراف السائدة , التي تسيطر على خناق الحالة الاجتماعية وعلاقات الناس والتعامل مع المرأة , من كل جوانبها , وباسهاب مشوق يتعامل مع الحقائق الواقعية , ونتلمس الجهد الخلاق في توليد العمل الروائي المرموق , واعادة صياغة ادواتها وفق للموجودات التي تأخذ في تلاليب الواقع وحياة الناس وطرق معيشتهم , ولابد ان نشير الى ثلاثة دعائم ايجابية في العمل الروائي , وتعتبر اضافة قيمة الى الابداع من خلال التوظيف الخلاق والمبدع , وهذه الركائز هي :

1 - اعتمدت الكاتبة على عدة مصادر تاريخية مدعومة بالوثائق الموثوقة من تاريخ العراق عامة , وتاريخ بغداد خاصة , وكذلك اعتمدت على الموروث الشعبي والاجتماعي , من تلك المرحلة المذكورة , والدخول في البيت البغدادي وشناشيلها , والحارة البغدادية ودروبها وطرقها ومحلاتها , واعطاء الاولية في التوغل العميق والاسهاب في ثناياها , مما يجعلنا ان نقول , بانها رواية بغدادية خالصة , ببغداد الشعبية , وعلاقات الناس , ودرابينها , ودروب الصابونجية , التي تكثر فيها بيوت الدعارة والبغاء , وشهرتها بين الاهالي .

2 - توظيف بشكل مبدع خزين المعرفة والمعلومات المطلعة بشكل وثيق بمشاكل المرأة العراقية , من خلال مهنة الكاتبة ( محامية وقاضية في شؤون المرأة ) . اتاح لها الاطلاع بعمق ومعرفة ودراية على نطاق واسع بواقع المرأة ومعاناة التي تعاني منها , من ظلم وعسف المجتمع والموروثات الشعبية التي تحاصر وتضيق الدائرة على المرأة بالتهميش والتشديد والانتهاك , وخنق بالكامل حرية تصرف المرأة حتى في استشارتها بالزوج المقبل , ان حياة المرأة رهينة واسيرة ومظلومة من التقاليد الجائرة , التي تجعل حياتها في ضيق وقهر وهم وشجون , مما يدفعها الى اقتراف الخطوات المتسرعة والمنفعلة , كالهروب من العائلة , رغم المخاطر التي تدفع حياتها ثمن للمجازفة الخطيرة .

3 - قد يكون اسلوب جديد في تكوين العمل الروائي العراقي , حين تكون افتتاحية فصول الرواية , بالموروث الشعبي الغنائي , بالاغاني المغناة ذات شهرة واسعة , التي احتلت مكانة خاصة في العقول والعاطفة الوجدانية عند الناس , مما جعل هذه الاغاني نابضة بالتجدد والحيوية , وتظل محتفظة بحيويتها مع مرور الزمن , ان هذا الاستثمار المبدع , يدخل الشوق واللهفة والتمتع بهذه بدايات الفصول مما يجعل القارئ منشداً بقوة الى تتبع احداث الرواية , ويقارنها بمغزى من وضع هذا الاغاني في بداية الفصول , لا شك ان الحنين والتشوق الى هذه الاغاني التي احتفظت في بروحها الاصيلة , مما جعلها تعيش في الحياة , لانها تدخل في صميم الروح العراقية , وتكون رفيقة هموم العراقي , من هذه الناحية المهمة , استغلتها الكاتبة لتنعش الرواية بالرياح العراقية والبغدادية .

احداث الرواية وشخوصها :

الرواية تتحدث عن عائلة بغدادية ذات حسب ونسب ومعروفة في وسط الناس , هي عائلة ( الحاج مصطاف ) المكونة من الاب والام ( حسيبة خاتون ) والولدان ( يونس وعادل ) وبناتهما هن ( بدرية وصبيحة ومديحة ) وكذلك الخدم الذين جاءوا هدية من آل السعدون الى بيت ( مصطاف ) وهما ( مرجان وكتيتي ) وجاءوا من افريقيا عبر طريقة بيع الرق , وهما في عمر عشرة اعوام , ليدخلا في دروب معاناة العبودية وشقاءها , بان تجعلهما ادوات عمل شاق ومضني بانسداد الافق عليهما , وتركز الرواية الشطر الاعظم لحياة ( بدرية ) لتكون بطلة الرواية بامتياز في حثيثات المتفاعلة في نسق الرواية , وتحوز الاهتمام الخاص بها وبجزئيات حياتها , تبدأ الرواية حين تطئ قدم ( بدرية خاتون ) بطريق الخطأ غير المقصود , هي وشقيقتها وخادمتها الافريقية ( كتيتي ) . في دروب الصابونجية , ولم يخطر في بالها اطلاقاً , بان هذا الخطأ سيكون في النهاية قدرها المحتوم , وسيكون محطتها النهائية في حياتها , وتكون تحت اشراف القوادة ( ريمة حكاك ) , لتعيش في احدى بيوت الدعارة , كبائعة الهوى , وهي تندب حظها العاثر والسيء بالعنوسة التي اصابتها في الصميم , اذ بلغت الثلاثين من العمر , ولم تفلح بالاقتران بالزواج , بسبب عائلتها ذات حسب ونسب , وعليها ان تختار من طبقتها الاجتماعية , وحسب مزاجها ومقاسها , حتى تعطي الضوء الاخضر بالموافقة والرضا , حتى رفضوا عرض ابن عمها ( مرهون ) بالزواج بها ( بدرية : كتيتي يعني إلا بغدادي , منين اجيبه للرجال البغدادي , ويقولون لماذا العنوسة ؟؟ )ص9 . وترتبط بعلاقة عشق مع ( كرجي ) عازف الكمان , وتتوثق اواصر الحب بينهما , لكن تقف عقبة في طريقها , يمنعهما من المواصلة ثم الزواج والاقتران حياتهما بحياة واحدة , هما الفقر والديانة , لان ( كرجي ) فقير ومن الديانة اليهودية , وهذا يجعل حياتهما في سأم وقهر ومحنة وعذاب , رغم ان ( كرجي ) يشعر بعمق اواصر الحب والغرام بشكل صادق لا مواربة عليه , ويعتبر هذا العشق ( هذه الكمنجة كما اصرت بدرية بتسميتها , اربعة اوتار , وبدرية الوتر الخامس ) ص28 . تهرب ( بدرية ) من بيت اهلها بسبب مقتل شقيقها ( عادل ) بشكل غامض , يحتمل جملة من الاحتمالات بين القتل والانتحار , لذا يصبح البيت بمثابة الجحيم الذي لايطاق ولا يحتمل , بان يصبح سجن قاهر يسد عليها الافق , ولايحسم إلا بالهروب , ويودعها ( كرجي ) في احدى البيوت , لحين يحسم امره من المعوقات , ولكن الرحال يحط ب ( بدرية ) في احدى بيوت الدعارة الذي تشرف عليه القوادة ( ريمة حكاك ) التي تعجب بجمالها ورشاقتها , وتعتبرها صيدة ثمينة رابحة , وترضي زبائنها بهذه اللقيطة الغالية الثمن , وتدس المنوم في شرابها , بحجة زفافها الى حبيبها ( كرجي ) , لكنها حين تستيقظ صباحاً , تجد نفسها في احضان رجل اخر , لايمت ملامحه باية صلة الى ( كرجي ) , ومن هذا المقلب يبدأ العد التنازلي , في الانزلاق الى ممارسة الدعارة والبغي , لتكون الزبونة المحبوبة والمرغوبة ( آلاف الايادي والاصابع تلعب داخل احشائي , واستفيق وانا منتشية متجددة في قمة السعادة )ص97 . وهي تلوم اهلها لهذه المنعطف الذي وصلت اليه ( مو مني كل الصوج أنا ,من اهلي اي ولله . ظلت الروح تلوب يساعدها الله . اهلي بحكم فرعون حكموا عليه , مدكولي يا مدلول اشطاح بيديه )ص117 . وتمارس دور الانتقام بتهور من عنوستها , ومن عائلتها التي حرمتها من حق الزواج ( كي اتمادى في كسر شرفكم , بعد ان كسرتوا قسمتي , اسكر وارقص وألهو وادق الاصبعين , واعتني برجال , وهم لا يبخلون عليَّ بشي ) ص99 . واخيراً تواجه مصيرها المحتوم على ايدي ابن عمها ( مرهون ) بطعنة سكين قاتلة في صدرها , بدعوى غسلاً للعار والحفاظ على شرف العائلة .

ايجابيات عراقية :

تتحدث عنها الرواية وهي مستلة من الواقع العراقي والبغدادي , ذات معنى ومغزى , والتي تكشف روحية العراقي بشكل كبير , وتكون لها وقع وصدى ايجابي لا يمكن الاستهانة بها او الغض الطرف عنها مهما كانت الاسباب والحجج .

1 - حتى الشرف والعرض مصان ومحفوظ ومحترم , لا يقبل الانتهاك والجور والعسف والتجاهل , حتى من شريحة اجتماعية عرفت بالعنف والقسوة والرذيلة , هذه الاعراف والتقاليد التي يحترمها الناس , فحين دلفت ( بدرية مع شقيتها وخادمتها الافريقية كتيتي ) بالخطأ الى دروب الصابونجية ( بيوت الدعارة ) اجتاح الخوف والقلق نفوسهن , وطلبن مساعدة احد شباب المنطقة , بعد ان شرحنا له الاسباب بدخولهن المنطقة بالخطأ , وانهن ليس من بنات المنطقة وشريفات ومن عوائل شريفة , فما كان من الرجل , إلا نادى باعلى صوته ( داوود داوود .

( - نعم استادي

( - اجلب العربانة وهذه عانه لك اوصل فيها العائلة الى منطقة الفضل , واياك ان تنبس ببنت شفه , استر على عرض العالم ) ص13 .

2 - الانتماء العراقي بدون منازع ولا شك فيه الى ارضه وعراقيته , ورفضه اية احتلال مهما كان شكله واصله ودوافعه ونوعيته ( عراقي يريد الانتماء , الاتراك ليسوا عراقيين , وكذلك الانكليز , وجلجل عليَ الرمان . . نومي فزعلي . . هذا الحلو ما اريده . . ودوني لاهلي ) ص46 . الاغنية التي اشتهرت في تلك المرحلة من تاريخ العراق ( وكان يرددها العراقيون ابان الحرب العالمية الاولى , وهي سياسية رمزية , والرمان رمز للعثمانيين اصحاب العلم الاحمر , ونومي هم الانكليز , وهذا الحلو ما اريده ودوني لأهلي ) . هذه الخصلة النقية التي تربى وتعلم ونضج عليها العراقي برفض الاحتلال بكل انواعه .

3 - رغم عسف الاضطهاد الاجتماعي بحق المرأة , ورغم انها مسلوبة الارادة وخانعة لاحول ولا قوة لها , لكنها تقف بشيماء وشموخ وقت الشدة والمحنة , وتقدم الغالي والنفيس في مساعدة زوجها وعائلتها , هكذا قدمت ( حسيبة خاتون ) الحجول التي تملكها , وقدمتها الى زوجها ( الحاج مصطاف ) حتى يؤدي واجب خدمة الضيوف ومساعدة الناس المحتاجين , فما كان إلا ان تتلقى الشكر والامتنان ( قلت لا تبالي يا بنت الناس , اذا عدلها الخالق سوف اشتري لكِ الف خلخال وحجل ذهب , وربما اصبكِ ذهباً من فوق رأسك لقدميكِ ) ص36 .

4 - مرهون : الشقي والطائش الذي اخمد السكين القاتلة في صدر ( بدرية ) غسلاً للعار والحفاظ على شرف العائلة , يسجن ثلاثة اعوام , وفي السجن يلتقي مع السجناء الشيوعيين , ويدخل محو الامية ويتعلم القراءة والكتابة والمفردات من القاموس السياسي . ويشكل انتقال نوعي وجذري في عقليته , بان يصبح نصير ومدافع عن حقوق المرأة , ويدخل في النشاط السياسي والحزبي ويقود المظاهرات الشعبية , وهنا يدرك فداحة الجريمة التي ارتكبها بحق ( بدرية ) , ويشعر بعسر الالم والحزن لفعله الشنيع , هذا التحول النوعي , تقول عنه ( مديحة ) شقيقة بدرية المقتولة ( لاول مرة أشعر بشيء يمتلكني واتعاطف مع مرهون , فارق العمر لا يعنيني , وادرك ثمة اشياء كثيرة تجمعنا , سقف واحد , ثقافة مشتركة , وحب بدرية ) 130 . وفي صباح اليوم التالي اشرقت شمس بغداد من الغروب .

بعض الاشارات الاورتيكية :

1 - لا تنسي بعد كل مرة تغتسلي جيداً وتدخلي الابريق الى حيائك داخل احشائك , بعدها ضعي شب وليمون كي ترجع المنطقة , مضغوطة وصغيرة ومنمنمة , الرجال لا يحبون الفتحة مهورة ) ص98 .

2 - ( ذهبت مع ريمة والبنات الى حمام السوق , وهناك شاهدت الوشم الازرق على منطقة عانتها , مكتوب عليها ( تفضلوا يا شباب ) قلت : خالة وهل كنتِ واحدة مثلنا ؟ قالت : بعد ان تكبري ماذا يكون مصيركِ ؟ سوى قوادة مثلي ) ص103 .

3 - ( اما شامتي فكانت نقطة سوداء في صفحة بيضاء تحت شفتي , احياناً تقبلها باجي ريمة وتقول تسبين العباد بها , ولا تروي شبقها إلا بعد ان تمط شفتيها وتطبعها على شفتي وتمرر يدها في كل موضع , ثم تنام بجانبي , لا تستفيق إلا بعد الظهر اليوم التالي ) ص101 .

4 - ( حتى النساء اللواتي احببتهن لم تكن لهن رعشة ونشوة , تلك اللحظة التي مارست فيها العادة السرية , وانا انظر الى امي عبر شقوق تلك الستارة ) ص113 .

رواية استوفت وانجزت شروط مقومات الرواية , بابداع خلاق وخلاب يستحق التثمين , وقد اهتمت بعناية قائقة من الحبكة الفنية والافكار التي صاغتها , لتكون رواية بغدادية في معالمها واجواءها

  كتب بتأريخ :  الأحد 25-10-2015     عدد القراء :  2679       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced