الدولة المأزومة والمدنية المثلومة
بقلم : تحسين المنذري
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

منذ بدء إعادة تشكيل الدولة العراقية بعيد الاحتلال، بدت ملامح التكوين المشوه أكثر عرضة للتأزيم، فكان مجلس الحكم ساحة الصراع الرسمي الاولى، وبدت ملامح الصراع آنذاك بين ممثلي كتل الكيانات الذين إدعوا تمثيلهم لشرائح مجتمعية قد لا يرتضي كل ابنائها بهؤلاء ممثلين لهم، لكنها مشيئة المحتل هي من قررت ذلك التمثيل والذي تجاوز في لحظات معينة قوى مجتمعية ـ سياسية أقدم وأكثر أحقية في تمثيل بعض تلك الشرائح أو إنه سحبها، برضاها، من مواقعها الى مواقع طائفية، وإن كان الانتظار آنذاك سيد الموقف والامال الكبيرة المعقودة على التغيير هي مصبرات الجوع العراقي لحياة أخرى تعطي على الاقل للأجيال القادمة مالم تحصل عليه أجيال ىشاخت أو إكتهلت ، لكن كل ذاك بدأ بالانهيار تدريجيا ومن ثم الانحدار بشكل دموي مريع مع الاحتراب الطائفي ،حتى بات الحفاظ على الحياة الفردية هي أكبر المطامح ولم يكن ذلك مضمونا لا بمكان ولا بزمان. وهنا كان البروز للمستوى الاول للصراع وأعني به الصراع بين كتل سياسية بمليشياتها تدعي كل منها تمثيل مكون مجتمعي، أو هكذا كان وقود وضحايا تلك الكتل السياسية، وإن بقي الحال هكذا حتى بدت ملامح مستوى آخر من الصراع مابين كتل سياسية تنتمي لنفس المكون الذي تدعي تمثيله، وإن كان الصراع في المستوى الاول يأخذ طابع إثبات الوجود عن طريق قضم مايمكن من مميزات السلطة على حساب كتل المكون الاخر، فإن المستوى الثاني بدأ يظهر نوايا أخرى للكتل المتصارعة هو كسب ليس فقط مواقعا سياسية بل وأيضا ماتدره السلطة من أموال ومواقع إجتماعية مؤثرة ونفوذ في تقرير المصائر. ومع ترسخ مواقع السلطة بيد البعض من سياسيي مدعي تمثيل المكونات ، فقد برزت بوادر مستوى آخر من الصراع بين شخوص نفس الحزب أو نفس الكتلة، وشهدت الساحة إنشقاق قياديين عن أحزابهم أو كتلهم بمجرد فقدان تلك الشخصيات لمواقعها القيادية في السلطة أو في الحزب، ومن إنشق عن ميليشيا فقد ضمن لنفسه تكوين ميليشيا، وهكذا كانت تلك الصراعات ذات تأثيرات مباشرة وغير مباشرة أحيانا على إدارة مؤسسات الدولة وعلى تنفيذ برامج تنموية غائبة أو لم تكن في حسبان أغلب هؤلاء المتصارعين، وتحول صراع تحسين المواقع الى رعاية مفضوحة لاوكار الفساد المالي والاداري والسماح للاخرمن الكتلة المنافسة بغض النظر عن هويته بفعل مايشاء مقابل الحصول على مكاسب مماثلة أو أكثر وأن يسكت الاخر عنها، وبالتأكيد كانت كل تلك الصراعات وبمختلف الاصعدة والتجليات تختلق الازمات، الحقيقي منها والمفتعل، وبالتالي التأثير الفعلي والمباشر على مايحصل عليه المواطن من مكاسب أو حتى الحد الادنى من الخدمات الانسانية، وهذا كله كان من شأنه أن يؤسس لقاعدة مجتمعية عريضة معارضة لتوجهات القوى المحاصصية بغض النظرعن هويتها السياسية المعلنة مادامت قد تحولت تلك القوى الى قوى ذات مصالح طبقية تتناقض مع الشرائح المغلوب على أمرها من المهمشين والكادحين والمنحدرين من مواقع إجتماعية متوسطة الى مواقع أخرى أكثر فقرا وأقل حصولا على المطاليب الضرورية لحياة بكرامة إنسانية ولو بحدها الادنى.وبهذا تحولت السلطة من قوة ضبط وعامل فاعل يساعد المجتمع والفرد على تجاوز أزماته الى قوة خالقة للازمات ومديمة لها بشكل فج كي تضمن واقعا ضعيفا يكفل لها الاستمرار في مواقع القرار، وإن كان ذلك بأشكال متباينة إنسجاما مع وظائف ومراكز وفرتها التغيرات الجديدة في مؤسسات الدولة بما يسند تواصل التقسيمات المحاصصية، لذلك كان المواطن العراقي يتمنى أن تكون الازمات أقل وأن تكون نتائجها بما لايمس بقاءه على قيد الحياة.إن سلطة تعتاش على الازمات من شأنها أن يختلق في كنفها قوى ذات مشروع آخر مغاير لمشروعها ، فكيف وإن تلك القوى وذاك المشروع موجودان أصلا حتى قبل تشكل أغلب قوى الفساد في السلطة لكن ويا للاسف فإن هذه القوى المناهضة قد ثلمت مشروعها بقبولها الصفات الطائفية في ساحة الصراع الاولى ومن ثم عدم نفض أيديها تماما من العلاقة مع قوى التأزيم السلطوي ، فبعضها جرى إحتوائها وإفراغ مشروعها بالكامل حينما قبلت أن تكون جزءا من قائمة إنتخابية لقوى فاسدة محاصصية والاخر وإن لم تتح له مثل هذه الفرصة لكنه بقي على علاقة يشوبها الوئام حتى عندما وصلت بعض قوى السلطة الى حافة الانهيار.

إن تلك الحالة جعلت المواطن يفقد ثقته بهذه القوى المدنية لانها لم تعلن صراحة رفضها للقوى المسببة بإنتكاسات المشروع الوطني، رغم إعلانها الرفض لمشروع قوى السلطة، فذلك بنظر الناس، وهي نظرة واقعية،يوجب على من يرفض المشروع أن يرفض معه حامله كي يكسب إطمئنان الجماهير لمشروعه البديل. إن القوى المدنية كان بإستطاعتها أن تكون أكثر قوة وأكثر نفوذا لو إنها إختطت لنفسها نهجا يقصيها عن قوى السلطة ومكاسبها الوقتية ، وكان بالامكان للصراع أن يكون أكثر وضوحا وأكثر فرزا للقوى المتضادة ، إلا إنه ولحد الطور الاخير من ملامح صراع قوى السلطة فإن القوى المدنية أبقت لنفسها على علاقة وثقى ببعض أطراف صراع قوى التأزيم السلطوي، مما وضع الاختيارات للمواطن العادي مابين قوى أكثر فسادا وأخرى أقل ، أو إنها بدت محاولة كي يتكرر المشهد الايراني مابين محافظ ومعتدل وإصلاحي !! أي إن الناس كما يبدو قد أسلمت مصيرها الى قوى الاسلام السياسي دون النظر الى المشاريع الاخرى حتى وهي ترفع شعار الدولة المدنية، هذا الشعار الذي قد جرى إحتوائه من قبل قوى إسلام سياسي برضا وتهليل لمن يدعون تصديهم للحراك المدني ولمشروعه . واخيرا فإن الصراع المحتدم اليوم بين قوى الازمات السلطوية كان مقدرا له أن يندلع في أي لحظة، حتى دون الحاجة لحراك جماهيري منادي بالمدنية، ذلك إن ترسخ أقدام هذه القوى في السلطة وتوسع مصالحها وتناقضها في الكثير من المفاصل، كان من شأنه أن يتفجر في أي لحظة، وإن كان من فضل للقوى المدنية في الامر فإنها أعطت الذريعة والشعالر لبعض هذه القوى كي يعلن صراعه مع الاخر لاغير، دون أن تستطيع القوى المدنية أن تلتقط زمام المبادرة وأن تضع كل هؤلاء بموقعهم الطبيعي المعادي لتطلعات الناس في الانعتاق والتحرر. وإن الخطورة الاكبر هي بقاء القوى المدنية على نهجها في ثلم مشروعها النبيل دون أن تعي ضرورة الابتعاد كليا عن أية علاقات ودية مع قوى التأزيم السلطوي ، وتحت أية ذريعة بائسة مما يأتي تردادها على ألسنة (دعاة) المشروع المدني.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 29-04-2016     عدد القراء :  2352       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced