في اثر سقوط النظام البعثي في العراق ، اختلت الموازين السياسية في المنطقة وانبثقت منها مواقف جديدة تجاه الحكومة العراقية البديلة . وسرعان ما ظهر تقاطع المصالح الدولية على ارض العراق ، إن كان ذلك من دول الجوار او من الدول الكبرى . كما وبدت الأجندات ــ على اشكالها ــ تلعب دوراً في توجهات العملية السياسية في العراق الجديد ، مما خلق ارباكاً في مسار العراقيين في بناء وطنهم ، وبدا للعيان التدخل السافر في الشأن العراقي ، وصولاً الى استهداف وحدة العراقيين وتمزيق نسيجهم الإجتماعي . وكان هذا بشكل خاص من دول الخليج وبالتحديد السعودية والقطر بالإضافة الى النظام البعثي في سوريا.
لعبت هذه الدول دوراً بارزاً في تدمير العراق منذ سنة 2006 لما بادرت بتنظيم حملات اختراق الحدود العراقية ، وزج افواج من الإرهابيين القتلة المدربين على عمليات النسف بتفخيخ الأجساد او العجلات وتفجيرها في زحام من الأبرياء العراقيين او استهداف مؤسسات الدولة وارباك الوضع الأمني في العراق والى يومنا هذا . وكانت الدول المذكورة والمعنية ، تنظم وتديم وتجهز المئات تلو المئات وبالتعاون مع العراقيين المتمردين في الداخل ، لتسهيل الأمر لهؤلاء القتلة وتوفير لهم حواضن في جنبات العراق . وتوالد من هذا العداء السافر ، منظومة داعش التي استقت من دول المنطقة الضالعة في نشر الإسلام المتشدد في العالم اجمع ، والمروجة لمحاربة التمدن اينما كان .
كان لنظام السوري ــ الى جانب تدمير العراق ــ غاية الدفاع عن البعث ، ولما دفعه الغرور في التلاعب بمقدرات لبنان والمس بمصلحة السعودية ، فتح امام نفسه باب الجحيم بعد أن ساءت سمعته دولياً واقليمياً.
أما تركيا ــ كما هو معروف عنها ــ بانها كانت ولا زالت طامعة بسيادة ( معثمنة ) على المنطقة العربية في منافسة مع دول كبرى ، سواء كانت عربية كمصر او دولة إيران . وللأتراك من الماضي مواقف يحلمون من خلالها انتزاع شمال العراق من اقصى حدوده الشمالية المتاخمة لبلدهم ونزلاً في خارطة وادي الرافين والى مدينة بيجي . ويعتبر الأتراك بأن هذه الأرض مسلوبة منهم من قبل الإنجليز بعد الحرب العالمية الأولى.
وثمة محاولات عديدة لهم ، توحي بالتحرك لضم شمال العراق اليهم وخاصة المدن المهمة منه : كركوك وموصل. وزاد هذا الأمل بمجيء رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان الذي قدم نفسه قائداً متديناً ومقتدراً لاغيره في المنطقة ... وجد له فراغاً في المنطقة العربية كرئيس لأكبر دولة اسلامية سنية ، يكون لها الدور الكبير في الدفاع عن القضايا العربية بعد خروج مصر من هذه الحلقة . شرع رئيس الوزراء التركي يزايد في التدخل بالقضية الفسلطينية والمجاهرة بالدفاع عنها . وكانت تركيا في نفس الوقت على علاقة متينة مع اسرائيل بعد أن اعترفت بها منذ سنة 1949 وتطورت العلاقات بين الدولتين على اصعدة عديدة ومهمة.
بانت على اروغان علائم التظاهر في الدفاع عن القضية الفلسطينية وبالتحديد عن غزة المحاصرة من قبل الجيش الإسرائيلي بعد معارك دموية بين الطرفين. بدأها مع الرئبس الإسرائيلي شمعون بيريز في مؤتمر (دافوس ) حيث اختلق اردوغان حجة واهية مفضوحة على بيريز . وراح يزبد ويربد صارخاً بوجه الرئيس الإسرائيلي يدينه على شيء ضحكت له كل الوجوه الحاضرة ومنهم عمرو موسى . ترك اردوغان المؤتمر ووجهه مكسو بسجاف الغضب المفتعل . واراد بذلك أن يبين للعرب مكانته واهميته للتفاني في الدفاع عن قضياهم ومنها القضية الفلسطينية .
ولم يكتف اردوغان بذلك التمثيل ، بل اقدم بعد ذلك على ارسال ما اسماه اسطول ( مافي مرمرة ) يحمل 581 تركياً لفك الحصار سلمياً عن مدينة غزة المحاصرة من قبل القوات البحرية الإسرائلية . ولما كانت اسرائبل في صدامات دموية متواصلة مع سكان غزة الذين لا يعترفون بالمهادنة ، فرضت عليهم الحصار والحرب معلنة بين الطرفين . فكيف تصور اردوغان المغرور بأنه يستطيع كسر الحصار سلمياً ، والقوة البحرية الإسرائلية تحذره من ذلك بشدة . فكانت النتيجة تصدي قوة اسرائيلية بحرية (لمافي مرمرة) وايقاع الخسائر البشرية في ركابها العزل في المياه الدولية لبحر المتوسط . هذا الذي جناه اردوغان الذي استمر على طيشه ، لما هرع يطوف في الدول العربية التي فجرت ما يسمى بالربيع العربي .. راح يبشرهم ويوعض لهم كيف يبنون حكوماتهم الإسلامية على غرار ما هو عليه . وإذا بذلك الربيع يكشف عن تخريب تلك البلدان ودخولها في صراعات دموية لحد هذا اليوم .
كان اردوغان على علاقة لا بأس بها مع سوريا في باديء الأمر . ولكن لما اشعلت السعودية نار الحرب في هذا القطر العربي وامعنت في اغراق هذا البلد بمختلف عصابات الإرهاب وعلى رأسهم منظومة داعش ( الدولية ) اتخذت الحكومة التركية موقفاً عدائياً من سوريا بزعم أن الدولة تقتل الإبرياء من السنة . فعلت ذلك لتبررموقفها في فتح الحدود امام داعش وجعل بلدها منفذ مهم لهم وفق التراضي بين الطرفين للإنتفاع المتبادل. ودفعها الغرور لنسف الميثاق بينها وبين حزب pkk ) ) الكردي الذي يرأسه عبدالله اوجلان ، وخلقت بذلك عدواً خطراً لأمن الشعب التركي.
واخيراً أن الإعتداد بالنفس قاد اردوغان الى التصادم مع روسيا التي كانت على علاقة متينة مع بلده ويعملان معاً بمختلف وسائل الإنتفاع المتبادل . كان اعتداءه على روسيا واضحاً وصارخاً . ولما ضاق به الدفاع عن نفسه لتبرير ذلك العمل الجبان ، غدا يتقلب بحجج متضاربة واحدة تنسخ الأخرى ، واخيراً استسلم بعد أن وجد نفسه في مآزق عدة افقدته اتزانه واحترامه حتى بات يشعر بالمهانة ، وخاصة لما مانع ( اوباما ) من مقابلته في اميركا . واليوم تحول الحليف الداعشي الى عدو لدود له ، وتركيا اصبحت عرضة للإنفجارات يتقاسمها حزب العمال الكري وحليف الأمس ( داعش ) هذا هو باب الجحيم الذي فتحه اروغان بوجه شعبه . وفي نيته فتح جحيم آخر وذلك في عسكرة قواته العسكرية غرب مدينة الموصل في غفلة من الحكومة العراقية . ويدعم حماقته هذه باعذار تفاهة . مرة يدعي بأن حرك قطعاته بطلب من مسعود البرزاني ، وتذر آخر يقول فيه القوات موجودة لتدريب العراقيين .. وهلمجرا .
اما السعودية كانت ضالعة جداً في ضرب العراقيين في عقر دارهم بعد ولوغها في كل ما يؤذي العراق من تعبئة القتلة لعقد من السنين بصرف الملايين على جلب المجرمين من كل فج عميق . بجانب ذلك تأليب العشائر السنية العراقية ضد النظام الجديد وخلق شرخ خطير بين السنة والشيعة . ولم تزل مثل هذه المحاولات في تصريحات السفير السعودي في العراق الذي يدعو الى رفض وجود الحشد الشعبي في ساحات القتال .
من اين اكتسبت هذا الحق ( يا سيد السفير ) لكي يسهل عليك التدخل في قضية عراقية صرفة ، والبلد في حرب طاحنة يدفع ثمنها يومياً سواقي من الدماء الزكية. فكيف تغض النظر عما يحصل في بلدك جراء الحرب الطاحنة التي تخوضونها في اليمن ، والله اعلم متى تضع اوزارها . الم تسأل من فتح باب الجحيم هذا امامكم وانتم بعيدين كل البعد عن الحرب..؟
الدول التي مارست صنع الأزمات انفتحت ابواب الجحيم بوجهها
