هل ستفرط الحكومة العراقية في قرار اليونسكو ؟
بقلم : د. كاظم المقدادي*
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

حقق مؤتمر منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة [UNESCO) الاخير في اسطنبول، في تموز 2016 ، مكسبا امميا للعراق، بادراجه الاهوار والمواقع الاثارية العراقية على لائحة التراث العالمي.. بيد ان الفرحة بهذا الحدث التاريخي لن تكتمل، كما يبدو، لان القرار مهدد بالالغاء وستذهب الجهود العراقية التي بُذِلت لصدوره سدى ، وستتبخر معها الامال العريضة المبنية عليه، خاصة من قبل السكان الاصليين في المنطقة. والكرة في ملعب المتنفذين في السلطة ان كانوا لن يفرطوا بقرار اليونسكو.

تحذيرات تم تجاهلها لحد الان

قبل الخوض في العوامل المهددة للقرار الاممي بالالغاء، نتساءل:

• هل كانت الجهات الحكومية المعنية مدركة لأهمية هذا المكسب، كاعتراف دولي مهم، سيعود على العراق بالنفع الكبير من خلال وضع حماية الاهوار والمناطق الاثارية العراقية تحت الرعاية الدولية، ويضع الحكومة العراقية، في الوقت ذاته امام التزامات كبيرة لتنفيذ ما تعهدت به دوليا اثناء المفاوضات. علماً ان الالتزامات ليست سهلة التحقيق، وهي تشمل مجالات حيوية: اقتصادية- اجتماعية، بيئية، صحية ، تربوية / توعوية، تنموية / بنيوية..الخ.. وان تحقيقها يتطلب حكومة جادة وحريصة وتعمل في ظروف طبيعية وليست استثنائية في ظل انعدام الامن والاستقرار وتصاعد الاعمال الارهابية واستشراء الفساد الاداري والمالي في جميع مفاصل الدولة؟

• وهل كانت الحكومة مستعدة حقا وقادرة على تنفيذ كافة الالتزامات.. ام انها أرادته للدعاية ؟!!

• وهل كانت عارفة جيدا بان مثل هذا القرار لمنظمة اليونسكو لا يُتركُ بدون رقابة او متابعة، وانما تتم بكل جدية مراجعة وتقييم ما يترتب عليه من التزامات من قبل الدولة المعنية، بعد مرور عام كامل على صدوره. وفي حالة حصول تلكؤ او تقصير فان المنظمة الدولية تعيد النظر في قرارها، وقد تلغيه ولن تمنح الدولة المعنية فرصة اخرى..؟

وسواء اكانت مدركة وعارفة ام لا، فقد حذر د. حسن الجنابي، رئيس ملف ادراج الاهوار والمواقع الاثارية في العراق، عقب صدور قرار اليونسكو بيومين، من ازالة تلك المواقع من لائحة التراث العالمي وخسارة المكسب في حال عدم تطبيق برنامج اداري لادارة المواقع المذكورة وفق المعايير الدولية. واوضح ً بان عملية ادراج الاهوار والمناطق الاثارية، يفرض على الدولة التزامات كبيرة، اكثر من اي طرف اخر، للسير في تنفيذ الخطة التي قدمتها اللجنة المفاوضة الى منظمة اليونسكو بشان وجود برنامج لادارة تلك المناطق وفق المعايير الدولية. مشددا على ان مسؤولية العراق اليوم تقع في الحفاظ على تلك الاهوار والمواقع، ضمن التصنيف العالمي الذي حصلت عليه.

ولم يكن هذا التحذير صادرا من فراغ، او انه بعيد عن الواقع العراقي السائد وسلوكيات الساسة المتنفذين في عراق اليوم. فها قد انقضت ستة اشهر تقريبا على صدور القرار، ولم نلمس تنفيذا جديا للالتزامات العراقية..

اين البرنامج والمشاريع ؟

مع ان رئيس مجلس الوزراء حيدر العبادي بارك صدور القرار وثمنه، الا ان حكومته لم تضع الالتزامات التي عليها ضمن اولويات مهماتها،وربما تبرر ذلك بالاوضاع التي يعيشها العراق حاليا..

ولم نسمع او نقرأ عن تشكيل لجنة وطنية عليا ، ولا عن خطة وبرامج حكومية وشروع في تنفيذ مشاريع(كما يفترض) والمفارقة عدم اهتمام مؤسسات الدولة المعنية بما عليها ضمن تنفيذ التزامات العراق..

ولم نسمع او نقرأ عن مشاريع مكرسة لمعالجة المشاكل التي تعانيها مناطق الاهوار،وهي: انسانية واقتصادية وتربوية وبيئية وصحية، ابرزها الفقر وانعدام فرص العمل والامية والجهل وانعدام خدمات التعليم والصحة والطاقة.وتعاني بيئيا من تذبذب مناسيب المياه ومن سموم التلوث البيئي بشتى صنوف الملوثات،بما فيها المخلفات الحربية، فضلا عن ضعف الاهتمام بالثروة الحيوانية في تلك المناطق التي تشتهر بتربية الجاموس وصيد الاسماك والطيور، وغالبا ما يتعرض الجاموس والاغنام والبقر والطيور والبط والدجاج، الى الاوبئة والامراض في ظل انعدام الخدمات البيطرية، ما ادى الى نفوق اعداد كبيرة من هذه الثروة الحيوانية والى خسائر كبيرة لمربيها.

في هذا المضمار وجدنا خبرا واحدا يفيد بان وزارة الموارد المائية باشرت مؤخرا "في تنفيذ خطتها في مجال انعاش الاهوار من خلال اقامة 42 جزرة استيطانية لتوطين مربي الجاموس في الجبايش، وتنفيذ حملة واسعة لتطهير المنطقة من نبتة " زهرة النيل"، فضلا عن رفدها بالكميات المتاحة من المياه ".. لكننا لم نجد لا تفاصيل ولا تأكيدات للتنفيذ. .

مواقف حكومية سلبية اخرى

اقترانا بواقع الحال، وجهت المحافظات المعنية الانتقادات إلى مواقف وزارات عراقية تهدد باخراج الاهوار من لائحة التراث العالمي. وكررت مديرية مشاريع اهوار محافظة ذي قار التحذير من حصول ذلك "نتيجة عدم تنفيذ الوزارات المعنية التزاماتها المطلوبة تجاهها برغم مضي خمسة اشهر من مدة العام المحددة لذلك، لم تباشر حتى الان في تنفيذ مفردات الخطط والالتزامات المطلوبة لاستكمال اجراءات مرحلة ما بعد ضم الاهوار إلى لائحة التراث العالمي"، مشيرة الى ان " 5 اشهر انقضت من دون ان تبادر تلك الوزارات بالعمل في مشاريع تاهيل البنى التحتية واقامة المجمعات السياحية او تعبيد الطرق وتامين الخدمات الصحية والبلدية والتربوية في المنطقة ولم تستجب لمفاتحتها بهذا الصدد من قبل الحكومة المحلية ". وعبر المواطنون من سكان الاهوار( التي تشكل خمس مساحة محافظة ذي قار) عن الخيبة والاحباط نتيجة تلكؤ الوزارات والحكومات المحلية في تنفيذ وعودها التي قطعتها لتحسين واقع المنطقة وتاهيل بناها التحتية ودعم سكان الاهوار وتحسين اوضاعهم..

ولعل الاهمال الابرز هو ان مجلس النواب العراقي لم يهتم بالقرار ومتطلبات تنفيذه، ولم يُشَرِع حتى اليوم القانون المطلوب لحماية الاهوار والمواقع الاثارية ولتحسين وتطوير حياة سكانها.والنواب يعرفون بالتاكيد اهمية ذلك امام اليونسكو..

ما الطلوب ؟

في ضوء تجارب تنفيذ القرارات المماثلة،فان المتوقع من قرار ادراج الاهوار على لائحة التراث العالمي، ان تنفذ الامم المتحدة تعهدها، بمشاركة الدول الاعضاء، في حماية الاهوار والحفاظ عليها للاجيال المقبلة. وستحدد كمية المياه المطلوبة ليكون منسوب مياه الاهوار ثابتا وتحت رقابة.لكن ذلك يتطلب اتفاقات دولية، تستلزم مفاوضات بين العراق وتركيا وايران باعتبارهما دول المنبع للموارد المائية العراقية، ليست لللامم المتحدة سلطة عليها. ولليوم لم نسمع ببدء المفاوضات المكرسة لهذه المشكلة، ولم يحصل اي تغيير ايجابي في منسوب المياه من المنبع.

في السياق ذاته ، يفترض ان تخصص اموالا لمشاريع تنموية للسكان الاصليين ولاعادة السكان المهاجرين. وخلق فرص عمل لهم. وايصال خدمات التعليم والصحة والطاقة إلى المنطقة.وضمن عملية تطوير المنطقة يتعين انشاء مدارس ومراكز صحية وترفيهية وخدمية ومد شوارع ومراس. وتشجيع الاستثمار والاستفادة الاقتصادية منه..

وان تخصص اموال اخرى لتحويل مناطق الاهوار الى مواقع سياحية يقصدها السياح من انحاء العالم. والحكومة العراقية ملزمة باخطار المنظمة الدولية عن اي مشروع صناعي او استخراجي او سياحي ستقوم به في تلك المناطق، واخذ موافقتها.

قرأنا بان اهوار الناصرية شهدت ارتفاع اعداد السائحين رغم انها ما زالت تفتقر الى المرافق والبنى التحتية السياحية- كما صرح قائممقام قضاء الجبايش .و تحويل مناطق الاهوار الى مناطق سياحية يستلزم تطويرها. وتطويرها يستوجب الدراسة العلمية والتخطيط وتوفير النفقات ،التي يجب ان توفرها الحكومة العراقية من مواردها الذاتية، وان اي عون دولي سوف يكون جزئيا- كما توضح المادة 25 من الاتفاقية، وسيكون مقتصرا على توفير الدراسات والتدريب- بحسب المحامي العراقي زهير جمعة المالكي، الذي اقترح عقب صدور القرار بيوم واحد، تشكيل لجنة مختصة لوضع دراسة شاملة وواقعية لما يمكن ان يتم توقعه من هذا الانجاز، وضرورة توفير البنى التحتية لهذه المناطق من اجل ديمومة بقائها ضمن قائمة المنظمة الدولية، وتخصيص الاموال اللازمة لذلك.

فما الذي انجزته الجهات العراقية من كل ذلك ؟

صحيح ان الحكومة العراقية مشغولة بمهمة مكافحة الارهاب وتحرير الانبار والفلوجة والان تركز على تحرير الموصل من براثن الاوباش الدواعش.من جهة اخرى فان الفساد المالي والاداري ينهش في مؤسسات الدولة،ويتواصل نهب خزينة الدولة،حتى اصبحت مهددة بالافلاس..الخ،واصبحت التحديات التي تواجهها الحكومة كثيرة وشائكة وبالغة التعقيد..وكل هذا واقع يومي قائم..وقد لعب دوره في اعاقة تنفيذ التزامات العراق تجاه قرار اليونسكو..

بيد ان منظمة اليونسكو ملزمة،بموجب نظامها الداخلي، بمراجعة وتقيم ما تم انجازه خلال العام المقرر.. وهذا ما لا نتمناه بالتأكيد.

مقترح عاجل

ايام قلائل وتمر ستة شهور على اتخاذ القرار، ولم تنجز الجهات العراقية غالبية التزاماتها تجاه اليونسكو.وليس واضحا كم ستنجز منها خلال الفترة المتبقية، ونشك بانها ستنجز الكثير في ظل استمرار الارهاب وانعدام الامن وهيمنة الفاسدين في السلطة وعجز خزينة الدولة.. من هنا نقترح على الحكومة العراقية، كي لا يخسر العراق مكسب الرعاية الدولية لاهواره ولمواقعه الاثارية، ان تتقدم بمذكرة الى منظمة اليونسكو تشرح فيها ملابسات عدم تنفيذ ما عليها، وترجو منها تمديد فترة المراجعة والتقييم لاكثر من سنة واحدة..فعسى ولعل ان تراعي المنظمة الدولية حجم التحديات التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر،وتمنحه، استثناء، فترة اضافية كافية للايفاء بالتزاماته

ــــــــــــــــــــــ

*اكاديمي عراقي، مقيم في السويد

  كتب بتأريخ :  الأحد 05-02-2017     عدد القراء :  2211       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced