تردي صحة المرأة في العراق ودور وزارة الصحة
بقلم : د. رابعة العبيدي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

"نحن ندعو إلى تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في المجال الصحي في جميع أنحاء العالم"

(منظمة الصحة العالمية)

عندما تطلق منظمة دولية كمنظمة الصحة العالمية هذا النداء المهم، فهو يعني بالتأكيد وجود فوارق كبيرة في الرعاية الصحية بين الجنسين (الذكور والإناث) في اماكن عديدة من العالم، ومنها العراق.

يؤثّر نوع الجنس، بشدّة، في صحة الإنسان وذلك بسبب الاختلافات البايولوجية وغيرها من الاختلافات القائمة بين الجنسين. ومن الأمور المثيرة للقلق بوجه خاص صحة النساء والفتيات، ذلك أنّهن يعانين من الحرمان، في كثير من المجتمعات، جرّاء التمييز الذي يواجهنه والذي تمتد جذوره إلى عوامل اجتماعية ثقافية. فتلك الفئة معرّضة أكثر من غيرها، مثلاً، لمخاطر الإصابة بالأمراض الفيروسية المعدية.

ومن بعض العوامل الاجتماعية الثقافية التي تحول دون استفادة النساء والفتيات من الخدمات الصحية الجيدة وبلوغ أعلى مستوى صحي يمكن بلوغه ما يأتي:

• عدم المساواة في الكثير من الجوانب بين الرجل والمرأة مما يجعل المرأة في العديد من المجتمعات كائناً ضعيفاً.

• القواعد الاجتماعية التي تحدّ من فرص التعليم والاستفادة من عمل مدفوع الأجر

• التركيز، بشكل حصري، على الأدوار الإنجابية التي تؤديها المرأة

• التعرّض المحتمل أو الفعلي للعنف الجسدي أو الجنسي أو الانفعالي.

وعلى الرغم من أنّ الفقر يشكّل عقبة كبيرة أمام النتائج الصحية الإيجابية بالنسبة للرجل والمرأة على حد سواء، فإنّه يضع عبئاً أفدح على صحة النساء والفتيات وذلك لأسباب عدة منها، مثلاً، الممارسات التغذوية (سوء التغذية) واستخدام وقود غير مأمون لأغراض الطهي، كما يحصل في الريف.

وعلى الرغم من بعض التقدم المحرز لا تزال المجتمعات في جميع أنحاء العالم مقصّرة في حق المرأة في المراحل الأساسية من حياتها، ولاسيما في مرحلتي المراهقة والكبر. تلك هي النتائج التي خلص إليها أكثر تقارير منظمة الصحة العالمية شمولية حتى الآن بشأن صحة المرأة في كامل دورة حياتها، من الميلاد إلى الشيخوخة مروراً بمراحل الطفولة والمراهقة والبالغية.

بالرغم من أن النساء والرجال يتقاسمون تحديات صحية متشابهة كثيرة، لكن صحة النساء تستحق انتباهاً خاصا.ً فأعمار النساء أطول عموماً من أعمار الرجال لما لهن من مزايا بايولوجية وسلوكية. غير أن هذه المزايا تتلاشى، خصوصاً في بعض دول العالم الثالث ومنها العراق، بسبب التمييز ضد المرأة إلى درجة تجعل عمرها المأمول عند المولد أقل من العمر المأمول للرجال أو يكاد يكون مساوياً ًله.  ثم إن عمر النساء الأطول لا يعني بالضرورة إنه مفعم بالصحة، لأن المرأة هي التي تتعرض لظروف تحيط بها مما يؤثر سلبياً على صحتها. وبعض هذه الظروف، مثل الحمل والولادة، ليست أمراضاً وإنما تحولات بايولوجية واجتماعية تحف بها مخاطر صحية وتستدعي رعاية صحية متميزة. وإن كانت بعض الصعوبات الصحية تعتري النساء والرجال على قدم المساواة، فإن وقعها على النساء أكبر أو مختلف، ويقتضي بالتالي تداخلات مصممة خصيصاً لاحتياجات النساء. وهناك اعتلالات أخرى تؤثر في الرجال والنساء بالتساوي تقريباً لكن النساء تجابه صعوبات أكبر في الحصول على الرعاية الصحية الضرورية. ثم إن الغبن الذي يحيق بالمرأة، في التعليم مثلاً أو مستوى الدخل أو فرص التوظيف، حد من قدرة الفتيات والنساء على الاعتناء بصحتهن.

ودعت منظمة الصحة العالمية إلى اتخاذ إجراءات في قطاعات أخرى غير القطاع الصحي من أجل تحسين صحة الفتيات والنساء. وطالب تقريرها بتوفير طائفة كاملة من خدمات الرعاية الصحية من الميلاد إلى مرحلة الشيخوخة واتخاذ إجراءات سياسية في قطاعات أخرى غير القطاع الصحي وتحسين المعارف في مجال صحة الفتيات والنساء.

من ذلك، فإننا ندعو الى زيادة حجم وتعزيز استجابة القطاع الصحي في العراق لإدراج مسألة الجندر/الجنس في السياسات والبرامج الصحية وتعزيز القدرات والمشاركة في أنشطة الدعوة الرامية إلى تحديد طريقة تأثير الجندر/الجنس والفوارق القائمة بين الجنسين في الصحة.

على الرغم من بلوغ متوسط العمر المأمول بين نساء معظم بلدان العالم معدلات تتجاوز معدلات الرجال، فإنّ هناك عدداً من العوامل الصحية والاجتماعية تسهم، مجتمعة، في الحدّ من نوعية حياتهن. ذلك أنّ عدم المساواة في الحصول على المعلومات وخدمات الرعاية والخدمات الصحية الأساسية تزيد من المخاطر الصحية المحدقة بهن. وهذا أمر تفتقر له نساء العراق بشكل عام، والنساء في الأرياف بشكل خاص مما يؤدي إلى إصابة هؤلاء النسوة بالكثير من الأمراض التي كان بالإمكان تجنبها لو توفرت لهن المعلومات الخاصة وخدمات الرعاية الصحية الأساسية الجيدة، علماً بأن المرأة الريفية في العراق تعاني من الإهمال والجهل والتخلف وانعدام الرعاية الصحية، فضلا عن عودة الأعراف العشائرية التي جعلتها تدفع ثمن أخطاء الآخرين بغياب قوانين تحفظ لها حقوقها.

ويؤدي التمييز القائم على أساس الجنس إلى تعرّض النساء لكثير من الأخطار الصحية، بما في ذلك العنف الجسدي والجنسي وأنواع العدوى المنقولة جنسياً والأيدز والعدوى بفيروسه والملاريا ومرض الرئة الانسدادي المزمن. وقد أصبح تعاطي التبغ يشكّل كذلك خطراً يُحدق بالفتيات، كما أنّ معدلات الوفيات أثناء فترة الحمل وخلال الولادة تظلّ عالية في البلدان النامية، ومنها العراق بالتأكيد.

لكن المأساة الصحية التي تعاني منها النساء في العراق تفاقمت بعد بدء أعمال العنف نتيجة إحتلال داعش للعديد من المدن العراقية الرئيسة، حيث ورد في خبر نشرته بعثة الامم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) أنه ” منذ بدء أعمال العنف في شهر كانون الثاني 2014، تم تشريد ما يقرب من 1,26 مليون عراقية وهن يكابدن الآن ظروفا قاسية. وتمثل النساء والفتيات ما نسبته 51% من موجات النزوح الأخيرة حيث أجبروا على الهرب من ديارهم للنأي بأنفسهم عن العنف المروّع وحالات القتل والخطف والعنف الجنسي التي ارتُكبت ضد النساء ، ناهيك عن التهديدات بالقتل. وقد كان لهذه الحالة تداعياتها الخطيرة على الوضع الانساني للمرأة العراقية بشكل عام، والمرأة العراقية النازحة بشكل خاص". ويشير التقرير إلى أن ما بين 90 و100 امرأة عراقية تترمل يوميا نتيجة أعمال العنف والقتل الطائفي، حيث ارتفع عدد الأرامل في البلاد إلى أكثر من مليون أرملة.

كما وقالت منظمة الصحة العالمية إنها أغلقت 184 مركزا للخدمات الصحية في مناطق القتال، مما أدى إلى حرمان ثلاثة ملايين شخص من اللاجئين والنازحين داخليا والمجتمعات المضيفة من الوصول إلى الرعاية الصحية، بما في ذلك الرعاية من الصدمات النفسية، والحالة الغذائية والرعاية الصحية الأولية، وخدمات التحصين وخدمات الرعاية الصحية الإنجابية.

فأين هي وزارة الصحة من كل هذا؟ كما وبهذا الصدد فإننا نطرح السؤال على الوزارة وعلى لجنتي الصحة والبيئة والمرأة والأمومة والطفولة عما قاموا بها من دعم لتلك النسوة وما توفر لهن من علاج ناجع للحالات المرضية التي عانين ويعانين منها نتيجة هذا الوضع المزري الذي أصبحن فيه. لهذا نود ونأمل ان يقوم الاعلام ومنظمات المجتمع المدني بحملات لمطالبة الحكومة العراقية بالنهوض بالواقع الانساني/الصحي المتردي للمرأة في العراق، وخصوصا المرأة النازحة التي تعاني الأمرين في المخيمات.

المضحك والمبكي بهذا الشأن هو ما سمعناه عن المفتش العام السابق لوزارة الصحة العراقية حين أكد خطورة عجز المستشفيات والكوادر الصحية في البلاد عن تغطية احتياجات المواطنين ... هذا في المدن، فما بالك بها في الأرياف والنواحي، إضافة إلى أن العراق قد ألغى مجانية الرعاية الصحية بعد 35 عاماً عليها؟! وسيبقى الفقراء ومعظمهم من النسوة في حالة يُرثى لها لعدم تمكنهن من دفع كلف التطبيب والعلاج المكلف في العراق.

إن المشاكل الصحية الكثيرة التي تعاني منها المرأة في العراق في الوقت الراهن يؤدي بالتأكيد إلى تأثير سلبي نتيجته عواقب وخيمة على التنمية الاجتماعية والاقتصادية في العراق على المدى البعيد.

فقد ورد في تقرير لخبيرة عراقية في مجال التغذية والصحة العامة أن العقبات الكبرى التي تعيق تحقيق رعاية صحية جيدة في العراق حالياً تتمثل بما يأتي:

• تدهور الوضع الأمني في العراق (وما يتأتى منها من آثار نفسية واجتماعية)

• الحواجز الاقتصادية والجغرافية

• التهجير والنزوح القسري

• العوامل الثقافية

• تدهور خدمات الرعاية الصحية وتقادم معايير جودتها

ولغرض تحسين وتطوير الحصول على الرعاية الصحية الجيدة، ينبغي إتاحة الخدمات الصحية واطئة التكلفة وتوفيرها لكافة الفئات العمرية (وبالأخص للنساء وذوي الاحتياجات الخاصة)، وبأختصار ينبغي ان تكون الخدمات الصحية الجيدة في متناول الجميع من دون تمييز.

المدى

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 28-02-2017     عدد القراء :  3201       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced